«الإبراهيمي».. قاوم الاحتلال الفرنسي فحاول «الإخوان» استغلال شعبيته

الأحد 20/مايو/2018 - 04:59 م
طباعة «الإبراهيمي».. قاوم
 
لم يكن رحيل الرجل الثاني في تاريخ الدعوة الإسلامية المعاصرة في الجزائر والمغرب العربي، محمد البشير الإبراهيمي، في الـ20 من مايو 1965، رحيلًا عاديًا؛ إذ ملأ هذا الرحيل الدنيا كما ملأتها حياته، فخرجت عشرات المسيرات في دول العالم الإسلامي لتصلي عليه صلاة الغائب، وتتلقى العزاء فيه، وتشيع جنائز رمزية.

نال «الإبراهيمي» هذه المكانة بين علماء العالم الإسلامي من خلال توليه رئاسة جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، بعد العلامة الشيخ عبدالحميد بن باديس، وقيادته للمقاومة الإسلامية ضد الاحتلال الفرنسي.

ولد محمد البشير بن محمد السعدي الإبراهيمي -من أبناء قبيلة «ريغة»- في بلدة «أولاد إبراهيم» التابعة لمدينة سطيف، في بلدية رأس الوادي حاليًّا، بالجزائر، منتصف عام 1889، وتلقى تعليمه الأوَّل على يد والده وعمه؛ فحفظ القرآن، ودرس بعض المتون في الفقه واللغة، واستكمل تعليمه على يد الشيوخ «عبدالعزيز الوزير، ومحمود الشنقيطي، وحمدان الونيلي، والطيب بن مبارك الزواوي، وغيرهم..».

فى عام 1911، غـادر «الإبراهيمي» الجزائر إلى الأراضى الحجازية، وتابع تعليمه في المدينة المنورة إلى عام 1917م، حتى أصبح عالمًا في الفقه والتشريع واللغة والأدب، وخطيبًا مفوّهًا وشاعرًا.

بدأت رحلة «الإبراهيمي» في مكافحة الاحتلال الفرنسي إلى جانب زميله وشيخه عبدالحميد بن باديس؛ إذ أسسا معًا جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، والتي عملت على الإصلاح الديني في مدينة وهران، إضافة إلى مقاومة الاحتلال الفرنسي.

أُبعد إلى معتقل صحراء وهران سنة 1940م، ولم يستقر في السجن طويلًا حتى تلقى نبأ وفاة الشيخ ابن باديس، وانتخابه رئيسًا للجمعية من داخل المعتقل إلى أن أُخرج منه سنة 1943م.

حاول «الإبراهيمي» في العام الأول، عقب خروجه من السجن، إنشاء المدارس القرآنية التي تحافظ على الهوية الإسلامية العربية للشعب الجزائري في مواجهة الغزو الثقافي الفرنسي، الذي واكب الاحتلال الفرنسي، فأنشأ في عامٍ واحدٍ 73 مدرسة وكتّابًا، لكنه لاقى عنتًا كبيرًا من الفرنسيين، فزُجَّ به إلى السجن العسكري عام 1945م، وبعد خروجه منه، استمر الاضطهاد الفرنسي ضده ما اضطره للسفر إلى القاهرة عام 1952م مع بداية الثورة المصرية.

وخلال إقامته في مصر، حاول «الإبراهيمي» إزكاء الروح الثورية لدى الشعب العربي، وإحياء القضية الجزائرية في وجدان الشعوب العربية، فكان يلقي المحاضرات في المركز العام لجماعة الإخوان-التي حاولت استغلال ثوريته في الحماسة الدينية وكسب المزيد من الأتباع- وبسبب قربه من جماعة الإخوان، وكذلك من حكومة الثورة المصرية ذات الاتجاه القومي، حاول الوساطة بين الطرفين إثر الجفوة التي طرأت عام 1954م، إبان حادث المنشية (محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس المصري جمال عبدالناصر).

حين اندلعت الثورة الجزائرية سنة 1954م، سافر إلى دول مختلفة، بينها الهند، لإمداد الثورة بالمال والسلاح، ثم عاد إلى الجزائر بعد انتصار الثورة الجزائرية، ليصبح إمامًا لمسجد «كتشاوة» بعد تحويل الاحتلال له إلى كنيسة.

لم يقتنع «الإبراهيمي» بما آلت إليه الأوضاع في الجزائر بعد الثورة والاستقلال، فأصدر عام 1964 بيانًا ذكر فيه: «إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية»، وتلقى هذا البيان قبولًا كبيرًا بين الحركات الإسلامية والثورية في الجزائر -وحاولت الحركات الإسلامية استغلال بياناته وآرائه للتدليل على صحة مواقفها وقوة مبادئها- إلا أنه أغضب السلطات التي أبقته من حينها رهن الإقامة الجبرية في منزله إلى أن توفي في 20 مايو 1965.

شارك