باحثة بجامعة الأزهر تكشف حقيقة هدم الفتوحات الإسلاميَّة لمعابد الهندوس

الأحد 20/مايو/2018 - 09:28 م
طباعة باحثة بجامعة الأزهر
 

في الوقت الذي تغلي فيه شبه القارة الهندية بموجات من التعصب الديني، منذ اعتلاء حزب بهارتيا جاناتا، الذي يمثل اليمين الهندوسي بزعامة رئيس الوزراء ناريندا مودي، يكثر الحديث عن علاقة المسلمين في الهند بالأغلبية الهندوسيَّة، وتتردد الاتهامات بشكل يومي للأقليَّة المسلمة في الصحف والمنتديات، على خلفية قراءات تاريخيَّة ذائعة الانتشار تتهم الفاتحين المسلمين باضطهاد الديانات الوثنية القديمة، ومنع الهنود ممارسة شعائرهم الدينيَّة؛ ما يؤجج مشاعر الاحتقان، ويغذي مظاهر الكراهية الدينيَّة.

وحول هذا القضية، أعدت الباحثة المصريَّة الدكتورة نهى مصطفى محمود، الأستاذ بقسم اللغة الأرديَّة وآدابها بكلية الدراسات الإنسانيَّة جامعة الأزهر، دراسة تتعرض فيها لأبرز الوقائع التاريخيَّة التي يدور حولها الجدل، وهي هدم الفاتحين المسلمين لمعبد «سومنات»، أكبر وأهم المعابد الهندوسيَّة عبر التاريخ.

وتؤكد الباحثة، في دراستها، أن الوثائق التاريخيَّة الأُرديَّة والعربيَّة ذكرت أن دافع السلطان محمود الغزنوي (971م - 1030م) لغزو المعبد كان دافعًا استراتيجيًا، وليس من قبيل أعمال الاضطهاد الديني؛ نظرًا لأن القادة العسكريين الهندوس (الراجاوات) اتخذوا من المعبد مقرًّا للتخطيط الحربي وتجهيز الجيوش لغزو مملكة (غزنة)، التي يحكمها السلطان محمود، لافتةً إلى أن التحريض لغزو مملكته كان يتم بدوافع دينيَّة، فكان إذا انتصر على جيش من الجيوش ادعى (راجاوات الهندوس) أن هزيمتهم على يد المسلمين وقعت بسبب سخط الإله «سومنات» عليهم، ولو أنه كان راضيًا عنهم لما أصابتهم الهزيمة، ولم يكن السلطان محمود الغزنوي يعير مثل هذا الكلام اهتمامًا في بداية الأمر، ولكن حين زاد الأمر عن حده، وتبين له أنه اعتقاد راسخ لدى الهندوس عن الصنم «سومنات»، حينئذ عقد العزم على غزوه- حسب الدراسة.

◄ دوافع مذهبية
وتشير الدراسة إلى أن أول من كتب عن السلطان محمود الغزنوي بشكل يسيء إلى تاريخه كان محمد قاسم هندو شاه (مؤلف كتاب «تاريخ فرشته»)، بعد مرور حوالي 6 قرون من الواقعة؛ إذ كان من الشيعة الإثناعشرية، بينما كان الغزنوي سني المذهب، فاتهم الأخير بتحطيم المعبد وممارسة الاضطهاد الديني ضد الهندوس.

وتوضح الدراسة أن تلك الادعاءات لاقت رواجًا لدى سلطات الاحتلال الإنجليزي في شبه القارة الهنديَّة، بعدما حصل اللورد تشارلز جون (الحاكم العام للهند 1858: 1862) على موافقة ساحقة من البرلمان البريطاني لشن حملة منظمة ضد الزعماء المسلمين للهند، والذين أزاحهم الإنجليز عن السلطة عام 1857، أي قبل تولي «جون» منصبه بعام واحد، بعد الثورة الوطنيَّة التي تلاحم فيها المسلمون والهندوس معًا ضد الاحتلال، فتبنت سلطات الاحتلال وجهة نظر فرشتة؛ من أجل التفرقة بين عنصري الأمة الهنديَّة، وساد هذا التصور، وانتشر بين العامة، وذاع وصف فتوحات محمود الغزنوي في الكتابات الحديثة بأنها «غارات بربرية»، وحروب تصفية إثنيَّة وحضاريَّة.

وتؤكد الدراسة أنه لا يوجد في ذلك العصر أي مخطوطة، أو نقش على حجر يقول بأن الغزنوي دمر معبد «سومنات»، رغم الادعاءات التي شاعت في الأزمان المتأخرة، بل ما كتب أنه بعد هذا الفتح ظل المعبد قائمًا، وكانت تمارس فيه طقوس العبادة، مثل ما جاء فى كتاب «حال الرحلة من جوا لسومنات»، الذي كتب باللغة السنسكريتية عام 1125م، وهو وصف للرحلة الرسميَّة التي قام بها الحاكم الإقليمي لمدينة (جُوا) عام 1038م بعد فتح السلطان محمود الغزنوي باثنتي عشرة عامًا، الذي أكد أن المعبد لم يدمر على الإطلاق.

واستندت الباحثة على ما ذكره بعض المؤرخين الهندوس المعاصرين مثل الدكتور «روميلا تهابر»، الأستاذ بجامعة دلهي ومؤلف كتاب «سومنات: أصوات عديدة للتاريخ»، وفيه بحث مفصل عن الأمر، بعد دراسته لمئات الكتب القديمة والوثائق المكتوبة باللغة السنسكريتية والكجراتية والفارسيَّة، وحتى النقوش النادرة التى عثر عليها أثناء تجديد المعبد للمرة الثالثة عام 1951م؛ ليخرج بحقيقة مؤكدة، وهي: أن محمود الغزنوي لم يحطم مطلقًا صنم «سومنات»، أو يهدم المعبد، أو يمنع ممارسة العبادات به.

شارك