«التوبة والمراجعات».. تنقذ شباب الإخوان من سجن الجماعة

الإثنين 21/مايو/2018 - 05:22 م
طباعة «التوبة والمراجعات».. حسام الحداد
 

أثارت قرارات العفو الرئاسي الأخيرة، والتي شملت 188 من المحبوسين على ذمة قضايا ترتبط بجماعة الإخوان، التساؤلات حول ما إذا كانت هناك مراجعات فكرية التزم بها المعفو عنهم؟ وماهية الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة المصرية لضمان التزام هؤلاء بتلك المراجعات؟ وفي التقرير التالي تجيب «المرجع» عن هذه الأسئلة وغيرها.

قرار العفو
البداية كانت بإصدار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأربعاء الماضي، قرارًا بالعفو الرئاسي عن 332 مسجونًا، بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، وتضمن القرار عفوًا عن متهمين في قضايا إرهابية على خلفية انضمامهم لجماعة الإخوان وتورطهم في أعمال عنف؛ حيث شمل القرار عفوًا عن 103 متهمين من المتورطين في قضية «أحداث مسجد الفتح»، التي قُتِل فيها نحو 44 شخصًا، وكانت الأحكام الصادرة بشأن المعفو عنهم تتراوح بين السجن من 5 أعوام إلى المؤبد، إضافة إلى العفو عن 23 مذنبًا حُكم عليهم بالسجن المشدد 10 سنوات في قضية «أحداث سيدي جابر» بمحافظة الإسكندرية.

كما شمل العفو الرئاسي نحو 61 شخصًا، من بينهم متهمون في قضايا إرهابية بمحافظات الإسماعيلية والمنيا وأسيوط، أبرزهم 18 مذنبًا في قضايا عسكرية حُكم عليهم بالسجن على ذمة قضية اقتحام «مجمع محاكم الإسماعيلية»، وهي العملية التي أسفرت عن مقتل نحو 10 أشخاص.

وشمل قرار العفو الرئاسي أيضًا، المتهم دهشان محمد سليمان محمد، الصادر بحقه حكم غيابي من «الدرجة الأولى» بالسجن المؤبد في قضية «أحداث الإسماعيلية»، والتي وقعت عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، وتورط فيها محمد بديع، مرشد عام جماعة الإخوان.

مراجعات شباب الإخوان
في يوليو عام 2017، سمحت وزارة الداخلية المصرية لشباب جماعة الإخوان بعقد جلسات نقاشية داخل السجون، تحت مُسمَّى «تصحيح المفاهيم»، ناقش خلالها شباب الجماعة تجاربهم الخاصة، ومدى صحة أفكارهم التي تبنوها بعد الانضمام إلى الإخوان، وتمركزت هذه المناقشات بشكل أساسي في سجون الفيوم، ووادي النطرون، والعقرب.

ووثقت نتائج هذه الجلسات، في كتابين، هما: «الصدمة.. بقلم متسلط على طريق الدعوة» وكتبه الشاب حمزة محسن، المحبوس بسجن الفيوم، الذي أقر فيه بعدم الجدوى من الالتحاق بالتنظيم الإخواني، وحمل الكتاب الثاني عنوان: «المواقف السياسية لجماعة الإخوان» وكتبه عمرو عبدالحافظ، وتناول فيه الأخطاء السياسية لجماعة الإخوان، التي أدت إلى الإطاحة بحكمهم.

وهناك عدد من الكتب الأخرى يعمل شباب الإخوان على كتابتها، وجميعها ترسخ لمسألة المراجعات الفكرية، ومن أبرز هذه الكتب: «الخروج من سجن الجماعة»، و«دندنة ما بعد الصدمة».

اقرأ أيضًا: من سجن الفيوم.. «المَرْجِع» يكشف تفاصيل 6 كتب للإخوان قيد الطبع

ولم تقبل بعض قيادات جماعة الإخوان الموجودة داخل السجون بهذه المراجعات الفكرية، وحاولوا السيطرة على انقلاب وتمرد شباب الجماعة على أفكارهم؛ فاقترحوا تنظيم جلسات حوارية بعنوان: «الإخوان ومنهج التغيير»، بهدف التأثير على الشباب، وعدم السماح بقبول أي أفكار تختلف عن توجهات التنظيم ورؤيتهم في الأزمة الحالية، كما قرروا صياغة هذه الجلسات الحوارية في كتاب يحمل العنوان نفسه، يتم توزيعه على السجناء المنتمين إلى جماعة الإخوان فيما بعد، كما تم الاعتداء على صاحب المراجعات الفكرية لأفكار الجماعة داخل السجن عمرو عبدالحافظ، واعتبرت خطوته تجريحًا في ثوابت التنظيم ومسيرته السياسية خلال المرحلة الأخيرة.

لجنة الأزهر
كما شكلت وزارة الداخلية لجنة من المُفكّرين وعلماء الأزهر لمراجعة أفكار الشباب الموجودين داخل السجون والمعتنقين للفكر التكفيري، ومحاولة إقناعهم بالتخلي عن أفكارهم والتمسك بالفكر الوسطي وانتهاج الاعتدال ونبذ العنف؛ واختير أعضاء اللجنة من ذوي الخبرات في التعامل مع الجماعات المتطرفة، وكان من أبرز الأعضاء مستشار رئاسة الجمهورية للشؤون الدينية الدكتور أسامة الأزهري.

وتُحاول اللجنة الاستعانة في عملها بالمراجعات الفكرية لشباب جماعة الإخوان، لتجد ركيزة فكرية وأرضية مشتركة تعقد من خلالها جلسات نقاشية مع شباب الجماعة الموجودين داخل السجون، إضافة إلى تلقي أسئلتهم والرد عليها، في محاولة لمحو بقايا الفكر التكفيري الراسخ في عقول عناصر هذه التنظيمات.

إقرارات التوبة
واهتم تحالف «الوفاق الوطني»، بالمضي قُدمًا في محاولات إصلاح أفكار شباب جماعة الإخوان، وإقناعهم بالتنصل من فكر الجماعة، وإعلان توبتهم الموثقة فيما يُطلق عليه «إقرارات التوبة»، كما عمل التحالف بالتنسيق مع أجهزة الدولة على الإعداد والتأهيل النفسي لشباب الإخوان قبل خروجهم من السجن، والتأكد من تخليهم عن العنف.

ويقود التحالف حملة إقرارات التوبة من قِبَل شباب الإخوان في السجون، وتواصل مع عدد كبير من هؤلاء الشباب قبل أن يُعلن أن معظم شباب الجماعة المحبوسين داخل السجون عام 2017، قرروا انفصالهم عن التنظيم بشكل نهائي، بعد مراجعات فكرية بينت خطأ مواقفهم في الانضمام إلى الإخوان، وقالوا في وثيقة مكتوبة بخط اليد خرجت من إدارة السجون: «نحن مجموعة من السجناء بسجن الفيوم العمومي، اتخذنا قرارنا بالاستقلال عن القرار السياسي لجماعة الإخوان».

مراجعات الجماعة الإسلامية
كما يسعى عناصر الجماعة الإسلامية الموجودون داخل السجون، إلى إجراء مراجعات فكرية مع التكفيريين المرافقين لهم، واختارت الجماعة لهذه المهمة أمير الجناح العسكري مصطفى حمزة، الذي ألقي القبض عليه مجددًا بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان من مصر (يونيو 2013).
 
ويعقد «حمزة»، جلسات مع السجناء، خاصة من المنتمين للجماعة الإسلامية وتنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وكذلك شباب جماعة الإخوان الذين تبنوا خيار العنف؛ إضافة إلى المراجعات الفكرية التي أطلقها الجهادي القاعدي أحمد الأنصاري مع مسجوني «القاعدة» و«داعش»، والتي أدت إلى اشتباكات بالأيدي بين عناصر التنظيمين الإرهابيين داخل سجن الزقازيق العمومي في أغسطس من العام 2017.

احتمالات أخرى
ويرى خالد الزعفراني، القيادي السابق بجماعة الإخوان، أن قيام الدولة المصرية بعمل مراجعات فكرية للمسجونين أمر طبيعي؛ لأن هذه المراجعات لا تعمل على تحييد المتطرفين فقط؛ بل تجعلهم من العناصر المعتدلة، ولكن هناك احتمالات أخرى قد تكون السبب وراء إدراج هؤلاء في قائمة العفو الرئاسي، مؤكدًا أن القانون يُعطي لرئاسة الجمهورية حق العفو الصحي أو غيره عن المذنبين الذين ترى أن شروط العفو تنطبق عليهم.

ويؤكد «الزعفراني»، أن هناك تقصيرًا في ملف المراجعات الفكرية، مشيرًا إلى أن هناك مبادرات كثيرة في هذا الصدد، منها مبادرة اللواء فؤاد علام عضو المجلس الأعلى لمحاربة الإرهاب، وكذلك مبادرة العميد خالد عكاشة، وكلاهما يحملان وجهة نظر تدعو لتفعيل مسألة المراجعات الفكرية مع المتطرفين داخل السجون.

ويُشير «الزعفراني»، إلى أنه من الخطأ الاعتماد على المراجعات الداخلية بين المساجين، قائلًا: «يجب الاعتماد على علماء معروفين بفكرهم الوسطي، ولهم تاريخ في مثل هذه المهام، وهو الأمر الذي يضمن إقناع المتطرفين بالفكر الوسطي، وليس تغيير الفكر المتطرف بفكر آخر أكثر تطرفًا».

إجراءات احترازية
من جانبه، أكد محمد عبدالوهاب، المنسق العام لتحالف «الوفاق الوطني»، أن إدراج أسماء بعض المسجونين على ذمة قضايا إرهابية بقائمة العفو الرئاسي؛ كان إدراجًا مشروطًا بعدة ضمانات لعدم عودتهم إلى الفكر التكفيري مرة أخرى، أو انتمائهم إلى التنظيمات الإرهابية، مشيرًا إلى أن أبرز هذه الضمانات كان: الامتناع عن التواصل مع قيادات وعناصر التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج، وكذلك عدم التواصل مع الكيانات المدرجة على قوائم الإرهاب، وأيضًا العناصر الهاربة إلى تركيا وقطر، بهدف تفكيك البنية التنظيمية للجماعات الإرهابية، إضافة إلى الامتناع عن ممارسة العمل السياسي، الذي قد يفتح الباب للالتفاف على المراجعات الفكرية، وعودة التنظيمات الإرهابية إلى الساحة السياسية من بوابات المنشقين الخلفية.

وأضاف «عبدالوهاب»، أن ضمانات عدم عودة المعفو عنهم إلى الفكر التكفيري مرة أخرى، شملت أيضًا عدم مهاجمة الدولة المصرية، ممثلة في قياداتها، وكذلك الوقوف موقف الحياد في القضايا الشائكة التي تواجهها مصر في محاربتها للتنظيمات المتطرفة؛ مؤكدًا أن الدولة اشترطت أيضًا عدم انضمام هذه العناصر إلى أي عمل سري، أو حمل أي أفكار أو أطروحات تكفيرية تبيح العمل المسلح ضد الدولة المصرية.

ويشير المنسق العام لتحالف «الوفاق الوطني»، إلى أن هناك قائمة عفو رئاسي أخرى ستصدر قريبًا، وتشمل عددًا من شباب جماعة الإخوان الذين وافقوا على المراجعات الفكرية والشروط الاحترازية؛ موضحًا أن قائمة العفو المنتظرة قد تتضمن بعض الشباب الذين لم تصدر بشأنهم أحكام قضائية، وهؤلاء سيكون تطبيق قرار العفو عليهم بعد إصدار حكم قضائي في شأنهم، وسيكونون في انتظار الحكم شكليًّا.

شارك