الجنوب السوري.. بين مصير «الغوطة» وخيار التسوية السلمية

الأربعاء 06/يونيو/2018 - 12:03 م
طباعة الجنوب السوري.. بين محمود عبدالواحد رشدي
 
يحتل الجنوب السوري ميزة جيواستراتيجية في ظل تشابك المشهد السوري، وتداخلات المصالح الدولية به؛ إذ بات الأمر معقدًا للغاية في ظل نشوب خلافات سياسية أيقظت الفتن الطائفية واستدعت المصالح الدولية، ما قد يحول المسار هناك إلى مواجهة عسكرية بين الدول الإقليمية، هذا بخلاف الانقسام الطائفي الذي تنشطر معه الدولة السورية إلى كتلتين رئيسيتين؛ «سنة وشيعة».

ويرى المراقب لتلك الرقعة الجغرافية من سوريا، أنها مفتوحة لكل البدائل المطروحة، التي نحصرها في الحسم العسكري والدفع بتكرار مصير الغوطة وإدلب، أو الحديث عن مشروع تسوية سياسية وتفاهمات إقليمية، أو سيناريو مزيج ما بين الخيار العسكري في بعض المناطق، وتهدئة سلمية بمناطق أخرى.

من يسيطر على الجنوب السوري؟
تنقسم مناطق السيطرة في الجنوب السوري بين عدد من الفصائل؛ إذ سيطر نحو 50 تنظيمًا مسلحًا على التمركزات الاستراتيجية في محافظتي «درعا والقنيطرة»، مدعومة من الجانب الأمريكي والأردني، في إطار خطة التحالف الدولي بمساندة فصائل المعارضة.

والفصيل الثاني بالجنوب السوري هو عدد من فلول تنظيمي داعش والنصرة على المعبر الحدودي مع الأردن «نصيب»، بعد سقوط داعش في منطقة الرقة بالشمال، أما الفصيل الثالث فهو اتحاد يجمع العشائر السورية بالمنطقة، الذي سمِّي بتجمع «أحرار عشائر الجنوب»، ودخل على خط المواجهة بعدما فشلت قوات المعارضة في إزاحة تنظيم داعش عن مناطق الجنوب.

ويعد الجنوب السوري ضمن مناطق تخفيض التصعيد في سوريا بعد مفاوضات «أستانة» بين المعارضة والنظام التي تمت عام 2017، ويضمن الاتفاق وقف إطلاق النار، ومنع تحليق الطيران الحربي، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية.
وهناك عدد من السيناريوهات التي يمكن أن يؤول إليها الوضع في الجنوب السوري، وفقًا لما نشاهده من الوضع الحالي.

تكرار سيناريو الغوطة
الأحداث المتسارعة في الجنوب السوري، إلى جانب مساعدة روسيا للنظام في إحكام سيطرته على غالبية المدن هناك، يجعل من الصعب توقع ألا يحدث تصادم بين الجانبين الروسي والأمريكي.

حيث صرحت موسكو في 30 مايو الماضي، «بضرورة خروج القوات الأجنبية من الجنوب السوري»، وجاء هذا التصريح متزامنًا مع التحركات الميدانية للنظام السوري بإرسال تعزيزات عسكرية قرب حدود محافظتي «درعا والقنيطرة»، وإلقاء المروحيات السورية منشورات تتضمن تسليم الأسلحة الثقيلة.

كما نفذ الطيران الحربي عددًا من الضربات على مناطق بمحيط محافظة درعا، فبعد نجاح النظام في القضاء على التنظيمات المسلحة في الغوطة وإدلب، تحرك ليوسع دائرة إحكام السيطرة؛ لتشمل منطقة الجنوب.

ورفضت فصائل المعارضة أي مفاوضات مع الجانب الروسي أو السوري تنتهي بتسليم المنطقة، وتهجير ثوارها، وتسليم السلاح الثقيل لقوات النظام؛ ما ينبئ عن تكرار سيناريو الغوطة في اقتحام النظام السوري لريف «درعا» بغطاء جوي روسي؛ ما يعتبر خرقًا لاتفاق خفض التصعيد، وهو ما حذرت منه الولايات المتحدة في مارس الماضي.

التوصل لتسوية سياسية
وهناك سيناريو يلوح في الأفق لمخالفة تكرار سيناريو الغوطة بمنطقة الجنوب؛ إذ شرعت روسيا لإجراء اتفاق مع الدول المتاخمة للحدود السورية بالجنوب، وعقدت تنسيقًا ثلاثيًّا مع الجانبين الأمريكي والأردني؛ لفتح معبر «نصيب»، وسعى الأخير لمثل هذا الاتفاق لإيجاد آلية للتنسيق حول مصالحه الاقتصادية من فتح المعبر بالتنسيق مع الجانب السوري، وفتح الطريق الدولي بين دمشق وعمان.

وهنا نشير إلى تغير الموقف الأردني في إطار تحولها من مساندة المعارضة السورية، إلى تحييد موقفها تجاه الصراع السوري؛ كونها ترى أن تشبثها بمساندة المعارضة سيفتح عليها أبواب جحيم موسكو، التي لا تقوى على تحمله في ظل ضبابية الموقف الأمريكي من مساندة المعارضة.

في حين سعت إسرائيل إلى تأمين حدودها مع سوريا، من خلال الاتفاق مع موسكو حول إخلاء الجنوب السوري من الميليشيات الشيعية على طول حدودها، وتطبيق وجود منطقة آمنة بطول 40-50 كيلو مترًا من حدود الجولان المحتل.

ويتبلور السيناريو السلمي في التفاهمات الإقليمية الروسية، تاركةً الفصائل المسلحة في اتخاذ القرار، إما المواجهة العسكرية، وإما حل سلمي يقضي ترحيلها لمناطق الشمال السوري الذي يشتمل على غالبية فصائل المعارضة.

ويبدو أن إنشاء المناطق الآمنة بالجنوب السوري لاستيعاب اللاجئين السوريين، هو احتمال بعيد المنال، ويبقى رهان الولايات المتحدة على إنشاء تلك الأماكن ضعيفًا، خاصةً بعد تخلي الإدارة الأمريكية عن دعم المعارضة السورية، ومنحها أولوية لمواجهة تنظيم «داعش»، إلى جانب غموض موقفها من الصراع السوري في أحيان كثيرة.

ولكن إنشاء مثل تلك المناطق يحتاج حدودًا دنيا من التوافق «الروسي - الأمريكي» في سوريا؛ الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن، في ظل الانسحاب الأمريكي من دعم المعارضة، وإحكام موسكو سيطرتها على وحدة الأراضي السورية.

شارك