«النهضة التونسية» من التخفي إلى السلطة.. قراءة في تكتيكات الصعود السياسي

السبت 09/يونيو/2018 - 11:51 ص
طباعة «النهضة التونسية» محمد الدابولي
 
تمتلك الحركات الإسلاموية خبرات كبيرة في تحقيق الصعود السياسي؛ بغية السيطرة على الحكم والسلطة، عن طريق اتباع تكتيكات متنوعة، هدفها الأساسي تحقيق التمكين السياسي، وإعلان قيام الدولة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وفق زعمهم.

اختلفت تلك التكتيكات من حركة لأخرى، ومن دولة لأخرى لاختلاف السياقات السياسية والاجتماعية التي تتحرك فيها الحركات الإسلاموية في كل دولة على حدة، فالتجربة التونسية بالتأكيد تختلف عن التجربة المصرية، لاختلاف السياق السياسي والاجتماعي الذي نشأت فيه سواء «حركة النهضة» في تونس أو «جماعة الإخوان» في مصر.

تمثِّل حركة «النهضة» التونسية مثالًا فريدًا لصعود حركة إسلاموية للحكم والسلطة، فتجربتها تُصنف من قبل الكثيرين على أنها الأنجح والأجدر بالدراسة لاعتبارات عديدة، منها أنها نشأت في دولة عربية وإسلامية تتسم بالانفتاح الشديد ورفض الانغلاق؛ فعملية التحديث التونسية بلغت شوطًا كبيرًا، منذ تحقيقها للاستقلال في خمسينيات القرن العشرين وحتى اليوم، كما أن المجتمع المدني التونسي يتسم بالقوة نوعًا عكس بقية الدول العربية التي تشهد انحسارًا في دور المجتمع المدني؛ الأمر الذي أفسح المجال أمام جماعات الإسلام الحركي للتوسع والانتشار.

اتخذت حركة «النهضة» تكتيكات أكثر فعالية؛ من أجل ضمان وصولها للسلطة والحكم في تونس، مختلفة بذلك عن نظرائها في العالم العربي، والإسلامي، الذين اتبعوا أساليب أكثر عنفًا ودموية؛ من أجل تحقيق غايتهم، ومن أهمها:

إخفاء الهوية: تلجأ الحركات الإسلاموية إلى إخفاء هويتها وادعاء الانفتاح السياسي على قوى المجتمع المدني والليبرالي، فمثلا «حركة النهضة» نشأت تحت مسمى «حركة الاتجاه الإسلامي» عام 1972، وظلَّت تحت هذا المسمى طوال فترة حكم الرئيس التونسي الراحل «الحبيب بورقيبة»، لكن خلال فترة الانفتاح السياسي المؤقت الذي شهدته تونس في بداية حكم الرئيس السابق «زين العابدين بن علي»، عملت حركة «الاتجاه الإسلامي» على الاستفادة من الانفتاح السياسي، فلجأت إلى تغيير مسماها إلى حركة «النهضة» في فبراير 1988 من أجل ترخيصها كحزب سياسي، والمشاركة في الانتخابات البرلمانية أبريل 1988، فعملية تغيير المسمى حيلة متوارثة تلجأ إليها الحركات الإسلاموية باستمرار لأسباب متعددة، منها الهروب من المضايقات الأمنية أو التخفي تحت مسمى جديد لإبعاد شبهة الارتباط بالفكر المتطرف، فمثلا الجماعات المتطرفة في سوريا باستمرار تلجأ إلى تغيير أسمائها؛ من أجل الفكاك من الملاحقات الدولية لها.

الحل كوسيلة مرحلية للتمكين: في أوقات معينة تلجأ جماعات الإسلام السياسي إلى حلِّ ذاتها من أجل تفادي صدام وشيك مع النظام السياسي القائم، فالحل ليس حلًا مؤقتًا لكنه حل صوري هدفه في النهاية الإذعان المؤقت للسلطة السياسية الحاكمة، وتجاوز الأزمة المرحلية، فمثلا لجأت حركة النهضة التونسية في 6 يونيو 1981 في ذروة المواجهة مع نظام الرئيس الأسبق «بورقيبة»، حيث كشفت قوات الأمن التونسية التنظيم الخاص لحركة الاتجاه الإسلامي (النهضة فيما بعد)؛ ما أدى إلى تشديد القبضة الأمنية على الحركة وأعضائها، الأمر الذي دفع أعضاءها إلى عقد مؤتمر الحركة الثاني بشكل سري في «سوسة» في أبريل 1981.

وتقرر في هذا المؤتمر ضرورة الظهور للعلن، وعدم التخفي خاصة بعد انكشاف بعض الأجنحة السرية للحركة، لذا لجأت الحركة إلى حلِّ نفسها في يونيو 1981، لأمرين هما تفادي المواجهة الأمنية مع النظام السياسي من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة إثبات حُسن النية للنظام السياسي، ومحاولة الحصول على ترخيص قانوني، إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهيه سفن «النهضة»، حيث قامت قوات الأمن بملاحقة أعضائها، وتوجيه تهم لهم بالانتماء إلى جماعات محظورة، وصدرت أحكام بالسجن ضدهم، فمثلا صدر حكم على زعيم الحركة «راشد الغنوشي» بالسجن 11 عامًا.

الاحتواء المتبادل: في ظلِّ حالات الانتقال القسري للسلطة السياسية في الدول العربية أو الإسلامية، تنشأ حالة من الاحتواء المتبادل بين النظام السياسي الجديد، والحركات الإسلاموية؛ لتحقيق أغراض مشتركة، فالنظام الجديد يريد تحقيق استقرار سياسي، يضمن له البقاء، فضلا عن إيجاد ظهير سياسي مؤيد له، أما الحركات الإسلاموية فتجدها فرصة من أجل الصعود السياسي.

فكرة الاحتواء المتبادل تكررت في العديد من الحالات أبرزها الحالة التونسية، فعملية التغيير السياسي التي تمت في عام 1987، بإقصاء «الحبيب بورقيبة» وتولية «زين العابدين بن علي» مقاليد الحكم والسلطة أفرز ذلك حالة من التقارب السياسي المؤقت بين «النهضة» و«بن علي»، فكلا الطرفين حاول احتواء الطرف الآخر، فـ«بن على» حاول ترتيب المشهد السياسي بعد «بورقيبة»، أما «النهضة» فكان هدفها الأساسي الصعود السياسي، والحصول على اعتراف الحكومة بها، فالحركة كانت ضمن الموقعين على «وثيقة الميثاق الوطني» في نوفمبر 1988، وكانت الوثيقة مبادرة من «بن علي» لتحقيق التوافق السياسي، أما «النهضة» فكانت لها دوافع كبيرة، أهمها الحصول على الاعتراف السياسي، والمشاركة في العملية السياسية، وهو ما حدث في أبريل 1989 حينما شاركت في الانتخابات البرلمانية.

التحالفات المدنية: في الفترة الأخيرة لجأت الحركات الإسلاموية للتحالف مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب الليبرالية واليسارية، كوسيلة للاستغلال السياسي من الصعود والتمكين، ففي الحالة المصرية على سبيل المثال لجأت جماعة الإخوان إلى التحالف مع الأحزاب الليبرالية واليسارية أثناء فترات التحول السياسي والانتخابات البرلمانية، فمثلا في الانتخابات البرلمانية عام 1984 والانتخابات البرلمانية عام 1987، تحالفت الجماعة مع حزبي الوفد والعمل على الترتيب، كما اشتركت في التحالفات السياسية التي نشأت قبل ثورة 25 يناير الداعية إلى تغيير النظام السياسي المصري.

أما تجربة «النهضة» التونسية فلا تختلف كثيرًا عن تجربة الإخوان في مصر، فخلال الانتخابات البرلمانية التي تمت عام 2011 دخلت في ائتلاف «الترويكا» مع حزبين مدنيين هما «المؤتمر من أجل الجمهورية»، و«حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات»، وفي انتخابات 2014 التي تراجعت فيها الحركة خلف «نداء تونس»، عملت الحركة على التوافق معه بعد الانتخابات؛ من أجل ضمان بقائها كجزء من النخبة الحاكمة.

شارك