جهود فرنسية مضنية لمحاصرة نفوذ المتشددين في بلدية «تراب»

الأحد 17/يونيو/2018 - 11:37 ص
طباعة احمد لملوم
 
ليس ببعيدٍ عن قصر «فرساي» الشهير، أشهر القصور الفرنسية من الحقبة الملكية التي تشهد على روعة المعمار الفرنسي، تقع بلدية «تراب»، حيث يعيش مجتمع من المسلمين المحافظين يشكلون تحديًا كبيرًا أمام السلطات الفرنسية، التي تريد إيقاف انتشار المتشددين داخل الدولة الأوروبية الأكثر استهدافًا من قبل الجماعات الإرهابية.

جهود فرنسية مضنية
وللوهلة الأولى، فإن بلدية «تراب»، حيث تحل مشاريع التجديد العمراني التي تنفذها الحكومة محل عشرات الأبراج قبيحة المنظر، لا تتطابق مع الصورة النمطية لأحياء الفقراء التي تكون أرضًا خصبة لشبكات تجنيد الإرهابيين.

وترتفع نسب البطالة بين سكان المدينة التي تقع جنوب غرب العاصمة الفرنسية باريس، لتصل إلى ما يزيد على 20 في المائة، أي ضعف المعدل القومي في فرنسا، كما تعد «تراب» من المحطات المهمة في تجارة المخدرات في فرنسا، وتصل نسبة المسلمين بها إلى 70 في المائة، بالمدينة التي يبلغ عدد سكانها 30،000 نسمة، وتحتوي على عدة مساجد أشهرها مسجد النور، الذي يديره مقربون من جماعة الإخوان، كما يزداد أعداد المسلمين من أبناء المدينة الذين ينتهجون التشدد.

جهود فرنسية مضنية
ويقوم عمدة بلدية «تراب»، جاي مالاندين، باتخاذ خطوات لمواجهة ما يسميه «تصادم مع مبادئ العلمانية الفرنسية»، ورفض طلبًا تقدمت به مجموعة مكونة من 200 امرأة لتوفير ساعات يخصص فيها حمام سباحة محلي للنساء، وبرر رفضه هذا الطلب في حوار مع صحيفة فرنسية مؤخرا، بأن هناك نوايا واضحة من قبل البعض لممارسة مبادئ تتعارض مع علمانية فرنسا، يجب رفضها.

وقال مالاندين: «إذا لم ندعم من يدعون ويدافعون عن الإسلام المعتدل كنسخة تتناسب مع المجتمعات الأوروبية، سوف نواجه مشاكل أكثر خطورة».

ويأمل عمدة مدينة «تراب» أن يضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خططه المستقبلية المزيد من الجهد لتدعيم العلاقة بين الدولة الفرنسية ومجتمع المسلمين فيها.

وفي 2016، وجد تقرير أعده مسؤولون أمنيون أن ما يقرب من 80 أسرة في «تراب»، يعلمون أطفالهم في المنزل بدلًا من وضعهم في المدارس المحلية، وعبر سياسيون فرنسيون آنذاك عن قلقهم وتأكيدهم على ضرورة عدم انغلاق الأقليات على نفسها.

جهود فرنسية مضنية
الصدام مع العلمانية 

تعتبر بلدية «تراب» الملقبة بـ «حي مولينبيك فرنسا» في إشارة إلى أحد أحياء العاصمة البلجيكية، بروكسل، والذي كان موطنًا لعدد من الإرهابيين المتورطين في هجمات باريس عام 2015، مثالًا حيًا على صعود السلفية في فرنسا.

وبينما لا يزال السلفيون أقلية بين مجتمع المسلمين البالغ عددهم ستة ملايين في فرنسا، تقول الاحصائيات إن أعداد السلفيين في البلاد ارتفعت من خمسة آلاف شخص في 2004 إلى ما بين ثلاثين ألفًا وخمسين ألف شخص اليوم.

وفي تسعينيات القرن الماضي، كانت مدينة «تراب» مصدرًا للمقاتلين في إحدى الجماعات الإسلامية الجزائرية التي نفذت هجمات إرهابية في فرنسا طوال هذا العقد.

وكان أغلب الإرهابيين الذين نفذوا عمليات في فرنسا في السنوات الثلاث الماضية مرتبطين بجماعات متشددة، فقد اندلعت توترات في المدينة يوليو عام 2013، وقامت الشرطة الفرنسية بتطويق المدينة للسيطرة على أعمال العنف بعد أن ألقي القبض على رجل بتهمة الاعتداء على ضابط شرطة أوقف زوجته المنتقبة في تحدٍ لقانون أقرته السلطات الفرنسية عام 2010، يمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة.

كما أن موسى كوليبالي، الذي قام بطعن ثلاثة جنود من شرطة مكافحة الإرهاب كانوا يحرسون مركزًا ثقافيًا يهوديًا بمدينة نيس الفرنسية في فبراير 2015، من أبناء المدينة.

جهود فرنسية مضنية
خيارات صعبة

وتبقى فرنسا في حالة تأهب أمني قصوى منذ أوائل 2015، عندما بدأت موجة من الهجمات الإرهابية قتل فيها حتى الآن أكثر من 240 شخصًا، وتسعى الجهود التي تبذلها الحكومة لضمان السيطرة على نشاط الجماعات المتشددة داخل فرنسا، والحد من انخراط أشخاص جدد معهم.

وفي تصريح صحفي لعثمان نصرو، رئيس مجموعة الجمهوريين المستقلة المعارضة في مجلس مدينة «تراب»، قال إن مصدر القلق الحقيقي هو الدعوات المتزايدة من السفليين لحث المسلمين على الانعزال والانغلاق الثقافي.

ويريد بعض المسؤولين الفرنسيين فرض حظر صريح على السلفية، وهي خطوة يراها البعض أنها غير واقعية، لكنها تعكس صدى وجهة نظر مفادها أن القوانين التي شرّعت مؤخرًا لكبح جماح انتشار التطرف لم تفعل ما يكفي.

شارك