دعاة الصوفية.. الموعظة الحسنة في مواجهة التشدد السلفي

الإثنين 18/يونيو/2018 - 09:34 ص
طباعة سارة رشاد
 
في منتصف العام 2017 صدر كتاب جديد في إنجلترا عن مجموعة باحثين، حمل عنوان «السلفية بعد الصحوة العربية»، تناول بالتحليل الحالة السلفية في أكثر من دولة عربية، وذهب الكتاب إلى المناخ الديني في مصر الذي تعرَّض لمحاولة «سلفنة متعمدة»، في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك؛ إذ يظهر ذلك في كم مشايخ السلفية، الذين شُقَّ لهم طريق سهل إلى شاشات التليفزيون ومنابر المساجد؛ ليحتشد أمام خطابهم الآلاف في البيوت المصرية.

دعاة الصوفية.. الموعظة
وفي محاولة للبحث عن سبب نجاح هؤلاء السلفيين، قيل إنهم تخلُّوا عن لغة الخطاب المنمقة، ونزلوا بخطابهم إلى لغة الشارع؛ ولهذا السبب تُنفِّذ الصوفية المصرية هذه الآونة تجربة شبيهة؛ حيث ينشط مشايخ محسوبون على الصوفية في الوصول إلى الشارع، سواء عبر خُطَب مكثفة لا يكفون عن إعطائها في المساجد، أم برامج تلفزيونية تخرج عن القالب البرامجي الديني المعروف.

الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، وشيخ الطريقة الصدِّيقية الشاذلية (أحدث الطرق الصوفية في مصر)، على رأس هؤلاء المتصوفة المهتمين بتغيير خطاب التواصل مع الناس؛ إذ يعكف عبر مسجده الكائن بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة)، على تقديم خطاب ديني، يشرح فيه معنى التصوف ومراتبه، ويتردد عليه محبون ومريدون بعضهم مصريون، وآخرون من دول شرق آسيا.

دعاة الصوفية.. الموعظة
الدكتور محمد مهنَّا، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة، والمشرف العام على الرواق الأزهري (مجالس علمية تُقام في أروقة الجامع الأزهر بالقاهرة)، هو الآخر يُعد أبرز الوجوه الصوفية كثيرة الظهور؛ حتى أن كثيرين من حديثي التصوف يروون قصص دخولهم للصوفية على أيدي الشيخ.

ويفرق «مهنَّا» (المتشبع بالصوفية)، والحاصل على العهد من الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم، مؤسس طريقة العشيرة المحمدية (إجازة يحصل عليها من شيخه للسماح له بالحصول على العهد من بعده) بين خطاب صوفي ظاهر، يطرحه على المُريدين المتصوفة وداخل مساجد الصوفية مثل الدرس الذي يلقيه كل أسبوع بمسجد السيدة نفيسة القائم بالقاهرة القديمة، وبين خطاب صوفي غير معلن يطرحه على أسماع المارين على دروسه بالمصادفة ويلقيه في الرواق الأزهري عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع.

ويظهر «مهنَّا»، في برنامج «الطريق إلى الله»، المذاع عبر فضائية «الناس»؛ ليشرح مراتب التدرج في التصوف، وماهية التصوف والأولياء، كما يحاضر كل يوم أربعاء بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، في كتاب «قواعد التصوف» لأحمد زروق (846 هـ - 899 هـ، فقيه على المذهب المالكي)، وهو أحد أهم كتب الصوفية.

دعاة الصوفية.. الموعظة
تخويف ومحبة 

يُعد أنشط المتصوفة وأصغرهم سنًّا الدكتور عمر الورداني، أمين الفتوى ومدير التدريب بدار الإفتاء المصرية، الذي يُقدم برنامج «إسلامنا بالمصري» عبر فضائية «الناس»، وينزل للشارع ليستطلع رأي الجمهور حول المصطلحات الدينية، ويحاول الرد على حجج السلفيين التي رفضت بعض هذه المصطلحات، بزعم أنها تحمل كفرًا، وذلك عبر توفيره لتأصيل ديني مبسط.

ويعد قطاع من حديثي التصوف أن «الورداني» كان المحطة الأولى التي مهَّدت دخولهم للصوفية بأسلوبه البسيط؛ إذ انتقلوا من خلاله إلى مشايخ أكبر سنًّا وأكثر علمًا أمثال الدكتور محمد مهنَّا، والدكتور علي جمعة، والدكتور مجدي عاشور المستشار العلمي لمفتي الجمهورية.

ويُلمس اختلاف عميق بين التجربتين السلفية والصوفية في الظهور على شاشات الفضائيات وجلسات العلم؛ ففيما اعتمد مشايخ السلفية التعبيرات التخويفية، واقتصر خطابهم على منطقة التحريم وتزويج الفتيات في أعمار مبكرة، وحق الرجل في تعدد الزوجات وترويض زوجته، سخَّرت الصوفية نفسها؛ لتوضيح معنى التصوف، وكيفية الوصول إلى الله، إلى جانب استخدام التقنيات العالية، والموسيقى التصويرية الهادئة، التي تساعد على تخفيف وطأة الأجواء، لا إشعالها كما كان يحدث في برامج السلفيين.

يُشار إلى أن فضائية «الناس»، مرَّت بثلاث مراحل منذ إطلاقها في 2006 وحتى اليوم؛ إذ بدأت ترفيهية فنية إلى أن امتلكتها شركة سعودية؛ لتصبح قناة سلفية، وبقيت على هذا الطابع إلى أن أُغلقت في 2013، عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان من مصر (جماعة دينية وصلت لحكم مصر في 2012 واستمرت لعام واحد)، واستمر غلق القناة عامين تقريبًا إلى أن انطلقت حملة إعلانية ضخمة تبشر بعودتها في ثوب صوفي 17 أبريل 2015، ومنذ ذلك التاريخ وتُعرف القناة كـ«صوفية أزهرية»، تُقدم مفاهيم علمية عن التصوف، إلى جانب أمور دنيوية أخرى تهم الناس.

شارك