مروان حديد.. أفعى الإرهاب الإخواني في سوريا

الثلاثاء 19/يونيو/2018 - 09:27 ص
طباعة مروان حديد.. أفعى محمد الدابولي
 
في النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، وتحت وقع حالة الإحباط الاجتماعي، التي أصابت الشعوب العربية نتيجة حرب 1967، بدأ يطفو على السطح نشاط الجماعات المسلحة الإسلاموية في الظهور في دولتي الوحدة العربية مصر وسوريا، ففي البداية كانت «خلية الجهاد» التي كونها «إسماعيل طنطاوي» في منتصف الستينيات في مصر، أما في سوريا، فظهر دور «مروان حديد» أبرز القيادات الإخوانية، ليس في سوريا فحسب بل في العالم الإسلامي.

أولًا- اشتراكي النشأة:

ولد «مروان خالد حديد» في مدينة حماة عام 1934، ويعمل والده في مجال تجارة الحديد، ما أتاح له بسطة في العيش، مكَّنَته من استكمال تعليمه الدراسي، هو وأخوته جميعًا، جعلهم يتبؤون مكانة مرموقة ومميزة في المجتمع السوري.



وكانت لأسرة «حديد» عظيم الأثر، في تشكيل توجهاته الفكرية والسياسية منذ النشأة، فـ«حديد» نشأ في أسرة اشتراكية التوجه والفكر، شقيقاه «أحمد» و«عدنان» كانا ضمن صفوف الحزب العربي الاشتراكي السوري، الذي أسسه «أكرم الحوراني»، أما شقيقه الثالث «كنعان» فكان ضابطًا في الجيش السوري إبان الوحدة، وسُرِّح من الجيش نتيجة خلافه مع أحد الضباط المصريين.

ومثلت الأفكار الاشتراكية في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات للمواطن العربي، فكرة الخلاص من الاستعمار، وتحقيق القطيعة الشاملة، مع كل الموروثات الاستعمارية والإقطاعية، لذا سلك «مروان» درب إخوته في الالتحاق بالحزب الاشتراكي؛ من أجل تحقيق الخلاص من المستعمر الأجنبي ومن والظلم الاجتماعي الذي مورس ضد الشعب السوري.



ولم يكتف «مروان» بالانضمام الفكري والتنظيمي للتيار الاشتراكي السوري، بل كان أحد الكوادر الطليعية والشبابية فيه، فخلال وجوده بـ«مدرسة بن رشد الثانوية»، كان المسؤول المالي للتنظيم في المدرسة.

ثانيًا- الانقلاب الفكري:

تتشابه تجربة «مروان حديد» مع تجربة «سيد قطب» في عملية التحول الفكري من التيار اليساري العروبي، إلى التيار الإسلاموي الراديكالي من خلال النقاط التالية:

• الانتماء اليساري والعروبي: من أبرز نقاط التشابه بين الطرفين، هو الانتماء اليساري العروبي للشخصيتين في بداية حياتهما السياسية، فـ«حديد» كان منخرطًا في صفوف الحزب العربي الاشتراكي أما سيد قطب فكان من أنصار ثورة يوليو وتوجهاته القومية.



• وفاة البنا نقطة الانطلاق: قدم «مروان» و«قطب» روايات متشابهة تفسر من وجهة نظرهما تحولهما الفكري والتنظيمي إلى جماعة الإخوان، فـ«سيد قطب» ادعى أنه خلال زيارته لأمريكا وجد الأمريكيين يطربون فرحًا لمقتل «حسن البنا»؛ ما دفعه إلى محاولة التعرف على كتاباته وآثاره، وكذلك «مروان حديد» ادعى أن شقيقه فرح بمقتل «حسن البنا» وقال اليوم قُتِل أخطر رجل على الأمة العربية؛ ما دفعه هو الآخر إلى استكشاف عالم «حسن البنا».



• الأستاذ والتلميذ: التقى «حديد» خلال فترة وجوده في كلية الزراعة بجامعة عين شمس، قادة الإخوان مثل سيد قطب، وتلاميذ البنا، حيث استقى منهم جُلَّ الميراث الفكري الإخواني الذي خلفه البنا، وسيد قطب.

ثالثًا- المواجهة والعنف:

بعد عودة «حديد» من دراسته في القاهرة شرع في إعادة هيكلة فكر الإخوان، في سوريا الذي كان مقصورًا في ذلك الوقت على العمل الدعوي والتربوي، والانتقال إلى مرحلة المواجهة مع الدولة والنظام السياسي، فعمل على إنشاء «الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين» الذراع العسكرية للجماعة في سوريا، وذلك في محاولة لتحقيق حلمهم المزعوم بالدولة الإسلامية.



ولم تتأخر المواجهة ففي أبريل 1964 شارك في الاحتجاجات الطلابية التي دبرها الطلاب الإسلاميون؛ ردًّا على اعتقال وسجن أحدهم، وعمل «حديد» على تصعيد الاحتجاجات من خلال تبني الدعوة إلى إضراب عام شامل في مدينة حماة، واستجاب له معظم سكان المدينة والتجار والطلاب؛ ما أدى لتدخل الجيش السورى لوقف هذا الإضراب.



وكعادتهم من المراوغة وإلباس الأمور ثوب الدين، لإضفاء بُعد ديني على الاحتجاجات في حماة ، نظم «حديد» اعتصامًا داخل مسجد السلطان، ما دفع قوات الجيش إلى القبض عليه وتقديمه للمحاكمة العسكرية، واستفاد «حديد» من أحداث «حماة 1964»؛ حيث دفع «الإخوان» إلى تبني منهج العنف مع النظام، في ذلك الوقت كانت توجد رؤى داخل الجماعة تفضل الاقتصار على العمل الدعوي، كما زرع «حديد» الجيل الأول من المقاتلين السوريين في حماة الذي كان لهم دور كبير في أحداث حماة المأسوية عام 1982، إلى أن حُكم عليه بالإعدام، وتدخل وجهاء حماة لدى الرئيس السوري آنذاك «أمين الحافظ»؛ ما أدى إلى الإفراج عنه.

رابعًا- عسكرة حماة:

لا يمكن إغفال دور «حديد» في أحداث حماة 1982 رغم أنها أتت بعد وفاته بست سنوات، ويرجع ذلك إلى أنه بعد الإفراج عنه عام 1964 عمل على تشكيل كيان مسلح يستطيع من خلاله شن هجمات ضد النظام السوري.



واستغل «حديد» روح العمل الفدائي بعد حرب 1967، في توجيهها«خبثا» لمآرب أخرى، وهي إعداد عناصر إرهابية تكون النواة الأولى لتنظيمات مسلحة ضد النظام السوري، الأمر الذي أدى لملاحقته من قبل قوى الأمن حتى تمكنت من اعتقاله في يونيو 1975، لكنه توفي بعد اعتقاله بعام في يونيو 1976، وتضاربت الروايات حول وفاته؛ حيث أكدت المعلومات الرسمية وفاته تحت تأثير إضرابه عن الطعام نَفَّذَه، أما أنصاره فادعوا تعرضه للتعذيب على يد قوات الأمن.



وأدت وفاة «حديد» بأنصاره، إلى إعادة تنظيم الصفوف وإعلان العمل المسلح ضد النظام السوري، فكانت البداية حادثة مدرسة المدفعية في يونيو 1979 التي نفذها «إبراهيم اليوسف»، ردًّا على مقتل «حديد»، ويعد حادث مدرسة المدفعية الشرارة الأولى لأحداث حماة 1982 الدموية التي أدارها عدنان عقلة، زعيم الطليعة المقاتلة في حماة.

شارك