«نحناح» الإخواني الجزائري.. كوَّن جماعة من المهمشين للتقرب من الدولة

الجمعة 19/يونيو/2020 - 10:38 ص
طباعة «نحناح» الإخواني دعاء إمام
 
على بعد 50 كيلومترًا جنوبي العاصمة «الجزائر»، شهدت مدينة الورود المعروفة بـ«البليدة»، ميلاد «محفوظ نحناح» في يناير 1942، مؤسس فرع جماعة الإخوان (1928) بالجزائر، الوجه الأبرز بين إسلاميي الجزائر؛ فهو الذي جعل من ساحات الجامعات حقلًا خصبًا لزراعة الفكر الإخواني بين الطلاب.

منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، دأب «نحناح» على تنظيم حلقات دينية داخل الحرم الجامعي، ضمت طلابًا وأساتذة يؤمنون بفكر حسن البنّا مؤسس جماعة الإخوان؛ إذ كان هؤلاء نواة أول جماعة إسلامية تشهدها الجزائر، عُرفت باسم «الموحدون»، أسسها «نحناح» برفقة «محمد بوسليماني».

نجح التنظيم الوليد بزعامة «نحناح» في جمع الفئات الفقيرة حوله؛ بعدما اتخذ من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سبيلًا للدعوة إلى الانضمام لـ«الموحدون» عن طريق الخطابة الدينية، وشهد العام 1976 أول صدام بين الإسلاميين والدولة، وهو العام الذي بايع فيه «محفوظ» جماعة الإخوان، بعدما أعلن «الموحدون» التمرد على الرئيس هواري بومدين (1965-1978)، ورفض دستور 1976، إضافة إلى المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.

أدت حالة الصدام إلى حدوث انشقاقات في صف «الموحدون»، وأصر «نحناح» ورفيقه «بوسليماني» على الصدام والمعارضة العلنية للنظام؛ فحُكِم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا، قضى منها 4 سنوات في السجن، وأُفرج عنه بقرار من الرئيس الشاذلي بن جديد، وكان التناحر على التمثيل الرسمي للإخوان في الجزائر، سببًا في تدخل سعيد رمضان، صهر حسن البنّا، وحسم الأمر لصالح «نحناح»، الذي عُيِّن مراقبًا عامًّا للجماعة.

بموازاة صراعات الإخوان، ظهرت جبهة سلفية اعترف بها النظام الجزائري عُرفت بـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، ترأسها الشيخ عباس مدني عام 1989، وشكلت حزبًا إسلاميًّا خاض الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 ديسمبر 1991، وفازت بها بأغلبية ساحقة، وهو ما جعلها تصل إلى أحد مراكز صنع القرار.

وفي مطلع التسعينيات قرر «نحناح» تغيير اسم حركة «الموحدون» لتصبح «حركة مجتمع السلم»، وعرفت اختصارًا بـ«حمس»، وكان على موعد مع معركة دار رحاها بين أطراف ثلاثة، هي: الجيش الجزائري، والرئيس بن جديد، وجبهة الإنقاذ؛ إذ تواصل الجيش مع الرئيس الجزائري، وأوصاه بضرورة تقديم استقالته؛ لإنقاذ البلاد من وصول الإسلاميين إلى الحكم، وحين استجاب «بن جديد» وتقدم باستقالته أُلغيت نتائج الانتخابات، التي فازت بها الجبهة الإسلامية، وتوقف المسار الانتخابي إلى أجل غير مسمى.

روجت «جبهة الإنقاذ» إلى ما حدث في البلاد على أنه «انقلاب عسكري»، حاولت استرضاء إخوان الجزائر للوقوف في صفهم، لكن «نحناح» اتخذ صف جيش بلاده؛ ما أدى إلى حالة اقتتال بين الجبهة والدولة، وبين الإسلاميين وبعضهم، ما خلّفَ 200 ألف قتيل كحصيلة كلية؛ الأمر الذي علق عليه نحناح قائلًا: «انحزت للجيش لحماية الدولة من الانهيار».

رغم موقف المراقب العام من الدولة، رفض الجيش تزكيته والسماح له بالترشح في الانتخابات الرئاسية في أبريل 1999، التي فاز فيها الرئيس بوتفليقة، لكنه لم يُرد الابتعاد عن فلك السلطة، وفضَّل أن ينتهج سياسة التغلغل والعمل على تغيير الأمور من الداخل، واكتساب تجربة في الحكم تؤهله مستقبلًا لقيادة البلاد.

توفي «نحناح» في التاسع عشر من يونيو عام 2003، عن عمر يناهز 61 عامًا، بعد صراع مع المرض تواصل قُرابة عام، كان يتردد فيه على عدة مستشفيات عربية وأوروبية، قبل أن يستقر في المستشفى الأمريكي في باريس.

شارك