الأطفال والنساء.. «قرابين الدم» في العقيدة الداعشية

الجمعة 22/يونيو/2018 - 03:38 م
طباعة الأطفال والنساء.. أحمد لملوم
 
اعتمدت التنظيمات الإرهابية، تكتيكات عدّة لتنفيذ عملياتها، فهناك هجمات فجائية وسريعة يكون هدفها إيصال رسالة، باستمرار وجودها، وقدرتها على إحداث أضرار وخسائر، أو تجنيد الذئاب المنفردة؛ لتنفيذ هجمات في المناطق البعيدة عن نفوذ التنظيمات، لا يستطيع أي تنظيم إرهابي الوصول إليها، وفي مناطق خارج السيطرة الإرهابية، يتم إرسال انتحاريين؛ كي يفجروا أنفسهم وسط تجمعات؛ بغرض إسقاط أكبر قدر ممكن من الضحايا.
ويعد استخدام الانتحاريين ظاهرة قديمة؛ إذ استخدمتهم اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، فكان الطيارون الانتحاريون (الكاميكازي)، يصطدمون بسفن الحلفاء بطائراتهم المحملة بالمتفجرات والطوربيدات وخزانات الوقود المملوءة؛ بهدف تفجيرها.

وتستخدم التنظيمات الإرهابية مثل «داعش»، وجماعة «بوكوحرام» الأطفال والنساء كوقود للعمليات الانتحارية، واعتنقت الجماعات الإرهابية هذا التوجه خلال الأعوام القليلة الماضية، بعدما كان تنفيذ هذه العمليات حصرًا على المقاتلين الرجال.

انفلات براجماتي
يقول عمر البشير الترابي، نائب رئيس التحرير بمركز «المسبار» للدراسات والبحوث: إن وجود المرأة والأطفال في الساحة الجهادية الإرهابية كان مقيدًا بفعل النظرة الفقهية التي تقيّد دورهما، لكن الانفلات البراجماتي الذي دخل به أبومصعب الزرقاوي الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق، والجيل التالي له وسّعا هذه الأطر الفقهية وجعلها في خدمة التنظيمات بشكل أفقدها معناها التراثي.

وقام «الترابي» بكتابة دراسة بحثية عن جهاد النساء والأطفال في حركات العنف الإسلامية، ذكر خلالها مراحل تطور دورهم في الجماعات الإرهابية، ويكمل في تصريحاته لـ«المرجع»، أن التنظيمات الإرهابية استغلت مقام المرأة الذي يجعل مراقبتها محرّمةً، في تمرير المعلومات عبرها وغيره من أدوات، ومع براجماتية الزرقاوي ظهرت فِرَق الأطفال التي سُمِّيت بطيور الجنة آنذاك في العراق، ثم تمّت تنشئة الأشبال، والتحوّل الأكبر تمّ بعد اختبار فكرة الدولة المؤقتة التي جرت باحتلال الدواعش للموصل والرقة.
براعم الإرهاب
وأخيرًا، قامت جماعة «بوكوحرام» الإرهابية، بتنفيذ هجوم انتحاري شمال شرق نيجيريا، نفذه ستة أطفال، قَدَّر مسؤولون أمنيون أعمارهم دون سن العاشرة؛ ما أدى إلى مصرع نحو 30 شخصًا في الهجوم الذي وقع بولاية «برنو»، التي تعد مركزًا لعمليات مسلحي جماعة «بوكوحرام» المتطرفة.

ويذكر أن الأمم المتحدة أصدرت تقريرًا عام 2016، تحذر فيه من ارتفاع عدد الأطفال الذين تستغلهم جماعة «بوكوحرام» المتشددة في التفجيرات الانتحارية، فهناك تفجير واحد من بين كل 5 تفجيرات انتحارية تقوم بها الجماعة، يكون منفذه أطفال.

وتقوم الجماعة بخطف هؤلاء الأطفال من مناطق مختلفة، وترغمهم على تنفيذ تلك الهجمات، كما تشكل الفتيات، ثلاثة أرباع الهجمات الانتحارية التي تنفذها الجماعة الإرهابية في كل من الكاميرون ونيجيريا وتشاد.

وقام تنظيم «داعش» باستخدام الأطفال في مدينة «الرقة» السورية، ويعقب على هذا محمد المصارع، عضو حملة «الرقة تذبح بصمت» بقوله: «إن تنظيم «داعش» عمد إلى تجنيد الأطفال ليس لسدِّ حاجة التنظيم من المقاتلين، وإنما لسهولة إقناع الأطفال بتنفيذ الأوامر، مستغلًّا روح الاندفاع لديهم، كما يصعب على أي طرف سحب الأطفال من أيدي تنظيم داعش بعد تجنيدهم».

ويضيف عضو الحملة، التي يديرها نشطاء سوريون مناهضون للتنظيم، في تصريح صحفي لـ«المرجع»، أن «داعش» يعول على الأطفال، في إحياء التنظيم مرة أخرى لو غاب أو هزم في لحظة ما، خاصةً لو تركوا التنظيم مستقبَلًا لبقاء جزء من الفكر المتطرف داخل عقولهم، مؤكدًا أن الأطفال أقل الأطراف التي من الممكن أن يُشك بأمرها، لذلك استخدمهم التنظيم الإرهابي في عمليات انتحارية نفذها بالعراق.

وتعددت الطرق التي جذب بها «داعش» الأطفال، ويذكرها «المصارع» قائلًا: «تجنيد الأطفال تم في المدارس وحلقات تعليم القرآن بالمساجد، وكذلك عن طريق عناصر التنظيم المنتشرة بأحياء المدينة، تارة بإغراء الأطفال بالمال والطعام، وأخرى عن طريق غرس فكرة أنهم أصبحوا رجالًا، ووجب عليهم القتال».
نساء الإرهاب

أما عن استخدام النساء فى التفجيرات، فحَدِّث ولا حرج، فقد فجرت إحدى عضوات تنظيم «داعش» نفسها ومعها رضيعها أثناء توقيفها، من قبل قوات الأمن العراقية يوليو الماضي؛ ما أسفر عن إصابة 6 أفراد بإصابات خطيرة.

وخلال عام 2017 فقط، قامت نحو 39 امرأة بتفجير أنفسهن في مدينة الموصل العراقية، إضافة إلى 7 انتحاريات اعتقلن قبل إقدامهن على تفجير أنفسهن، حسبما أكد قائد العمليات الخاصة في قوات مكافحة الإرهاب العراقية، سلام العبيدي، في تصريح صحفي له.

وأثار مقطع فيديو صادم لعضو في تنظيم «داعش» في سوريا، وهو يُعدّ طفلة عمرها نحو 7 سنوات لتقوم بتفجير نفسها في مركز شرطة في العاصمة السورية دمشق عام 2016؛ إذ بعد دخول الطفلة مركز الشرطة، طلبت التوجه إلى دورة المياه؛ حيث تم تفجير الحزام الذي كانت ترتديه عن بُعد، فأصيب 3 من عناصر الشرطة.

وفي «الرقة» السورية، قام تنظيم «داعش»، بتجنيد النساء في صفوفه، ويقول محمد المصارع عضو حملة «الرقة تُذبح بصمت» المناهضة لـ«داعش»، عن هذا الأمر: «تجنيد النساء كان قليلًا إلى حدٍّ ما في المدينة، ويعتمد بصورة رئيسية على نساء مقاتلي التنظيم، والنساء اللواتي كن يعملن سابقًا بالبغاء والدعارة تجنبًا من الملاحقة لهن».

وشهدت إندونيسيا أيضًا مؤخرًا، عمليتين انتحاريتين تبناهما تنظيم «داعش»، شارك فيهما أطفال ونساء الشهر الماضي، ووقعت العملية الأولى يوم الثالث عشر، وقامت بتنفيذها أسرة كاملة مكونة من أب وأم وأربعة أطفال على 3 كنائس في مدينة سورابايا، التي تعد ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد العاصمة جاكرتا.

وكانت الهجمات متزامنة ومنسقة، وتستهدف من يأتون لتأدية الصلوات الصباحية في هذه الكنائس، ووقعت جميعها في غضون 10 دقائق، وأصبحت النساء أكثر نشاطًا في الخلايا الإرهابية بإندونيسيا أخيرًا، لكن هذا الهجوم كان الأول في إندونيسيا، الذي يُستخدم فيه الأطفال بعمليات انتحارية.

وعقب هذا الهجوم بيوم تم تنفيذ الهجوم الانتحاري الثاني خارج مركز للشرطة، وتم تنفيذه من قبل أفراد ينتمون لنفس الأسرة؛ إذ قاد اثنان منهم دراجتين ناريتين إلى نقطة تفتيش خارج مركز للشرطة، وفجرا نفسيهما، وأسفر الهجوم عن إصابة4 من أفراد الشرطة و6 مدنيين.
ويرى عمر البشير الترابي، أن ما جرى في إندونيسيا أخيرًا، مؤشرات أنه مع سقوط واندحار «داعش» تزداد درجات الاعتماد على العلاقات الأسرية في تكوين الخلايا الإرهابية، خاصةً أن أسر تنظيم «القاعدة» على سبيل المثال، بلغ جيلها الأول (الأبناء) بداية العقد الثاني من العمر، وهو مشبَّع بالأفكار المتشددة.

ويقول «الترابي»: إن هذا يدل على أن هذه الخلايا المنتشرة، التي كانت تدعم تنظيم القاعدة، وتحوَّلت إلى دعم تنظيم «داعش»، تعاطفًا معه ومع خسارته التي أثارتهم جميعًا، واصفًا إياهم بـ«الأسر الداعشية المتحولة»، والتي ستمنح التنظيم كفاءة وتعقيدًا كبيرين لتنفيذ هجمات غير منظمة ولكنها قاسية.

شارك