الدور التركي في سوريا.. الأهداف والنتائج

الثلاثاء 17/يوليو/2018 - 09:42 ص
طباعة الدور التركي في سوريا.. أحمد سامي عبدالفتاح
 
حينما يُذكر الدور التركي في الأزمة السورية، يتبادر إلى الأذهان تلقائيًا سلبية الدور الذي لعبته بدعمها للمسلحين على المستويات كافة ، دون أن ندرك أن لتركيا دورا غير مباشر في الانتصارات كافة التي حقهها النظام السوري في العديد من المناطق في العام الحالي.

لعل أهم سمات الحرب السورية هي شعبوية القتال واتساع رقعته الجغرافية، ما جعل الأمور صعبه للغاية على النظام السوري وحلفائه الذين واجهوا استنزافًا عسكريًا كبيرًا للغاية بسبب احتدام المعارك واستمراريتها لوقت طويل على كافة الجبهات في آن واحد.

فبعد أن تدخلت روسيا عسكريًا في سوريا وساهمت في قلب موازين القوى لصالح النظام السوري، توترت علاقة روسيا مع تركيا، فبينما رأت الأولى أن تدخلها العسكري أمرًا مشروعًا كونه جاء نتيجة طلب من الحكومة السورية الشرعية، رأت تركيا في الأنشطة العسكرية الروسية دعما للوجود الإيراني في سوريا، ما يشكل تهديدًا للأمن القومي التركي.

واتخذ التوتر في العلاقة البينية شكل تحرشات عسكرية روسية تجاه تركيا، ما أدى في نهاية المطاف إلى قيام مقاتلات تركية من طراز F 16 بإسقاط مقاتلة روسية من طراز سوخوي 24 في نوفمبر 2015.

ورغم أن تركيا أعلنت آنذاك أنها أخطرت الناتو- حلف شمال الأطلسي- بشأن الاختراقات الروسية لأجوائها السيادية، إلا أن العملية برمتها صبت في صالح روسيا التي شرعت لاحقًا بنشر منظومة دفاع جوي تحمل اسم S-400 م شكل إعاقة لنشاط القوات الجوية التركية في سوريا عامة.

وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في يوليو 2016، بدأت أنقرة بتطبيع علاقاتها مع روسيا، وانعكس هذا الأمر على السلوكيات التركية في سوريا عامة، فلم تعد تطالب برحيل النظام السوري، واكتفت بتوجيه بوصلتها نحو التهديد الكردي المتنامي عسكريا في شمال وشرق سوريا.

وحاولت روسيا استغلال حالة الارتباك التركية، وتخوفها من وجود كيانات إرهابية على حدودها، فسمحت لها بتنفيذ عملية عسكرية تحت اسم "درع الفرات" ضد الوجود الداعشي في مناطق الشمال السوري في أغسطس 2016، كما سمحت لها بتنفيذ عملية عسكرية أخرى تحت اسم "غصن الزيتون" ضد الواحدات الكردية في منطقة عفرين في يناير 2018.

وكما هو معلوم في ديناميكيات العلاقات الدولية، لا تقدم دولة لأخرى منفعة أمنية دون مقابل، ولذلك كان على تركيا أن تدفع لروسيا شيئًا بالمقابل، فتعاون الدولتين سويا مع إيران بهدف عزل الولايات المتحدة عن مسار التسوية في سوريا، وذلك بعد أن قام الأطراف الثلاثة بجمع الأطراف السورية المتنازعة في العاصمة الكازخستانية أستانة بهدف وضع مسار جديد لإنهاء الحرب السورية.

وبالفعل، نجحت مؤتمرات أستانة في تحقيق بعض الإنجازات للنظام السوي، ولعل أبرزها إقرار مناطق خفض التصعيد الذي صب في صالح النظام السوري بالتحديد، حيث أتاحت له تفتيت صفوف المعارضة وتكاتفها العسكري، ما سهل عليه استعادة العديد من المدن والبلدات.

وفي الإطار ذاته، حاولت تركيا استغلال مؤتمرات أستانة من أجل إقامة مناطق آمنة تسمح لها بإعادة اللاجئين أو النازحين على حدودها مرة أخرى إلي الداخل السوري لترفع بذلك عبئًا عن الاقتصاد التركي، الذي يواجه إشكاليات عدة تتعلق بانخفاض قيمة العملية المحلية مقابل الدولار، إلا أن روسيا وإيران لم يوافقا على ذلك، وتم تخفيض مستوى المطالب التركية من منطقة آمنة تمامًا إلى منطقة يتم تخفيض حدة المعارك فيها.
وكان هذا الاتفاق نقطة محورية في مسار الحرب السورية، فبينما تكفل النظام السوري بشن المعارك من أجل استعادة الغوطة الشرقية من قبضة المعارضة المسلحة، كان من المتوقع للفصائل المسلحة أن تفتح الجبهات المختلفة على الأصعدة كافة لتقلل الضغط على على فصائل الغوطة إلا أن ذلك لم يحدث لسببين، أولهما أن تركيا صدّرت عددًا من فصائل المعارضة في الشمال لقتال الأكراد بعد أن شكلت هذه الفصائل ما يطلق عليه "الجيش الوطني السوري الموحد" لقتال الأكراد في عفرين.
ويرتبط السبب الثاني بسعي تركيا للحفاظ على وجود المسلحين ومنعهم من الاندماج في مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام السوري وحلفائه، يقينا منها أن هذه المواجهة في حالة حدوثها، فإنها ستفضي إلى هزيمة المسلحين بشكل كامل، على عكس رغبة تركيا الطامحة إلى تأمين وجود المسلحين في الشمال من خلال حكم ذاتي ضمن فيدرالية موسعة في سوريا.

وتبذل تركيا قصارى جهدها من أجل منع الأكراد من الاستحواذ على مناطق حكم ذاتي في إطار الفيدرالية السورية التي يجري التشاور بشأنها في الوقت الحالي، ما يعني أن إزالة الوجود الكردي أصبح المحدد الرئيسي للسلوكيات التركية في سوريا.

شارك