«تصوف البنّا».. بوابة الإخوان لاختراق الطرق الصوفية

الجمعة 20/يوليو/2018 - 09:21 ص
طباعة «تصوف البنّا».. بوابة سارة رشاد
 
تفاوتت التأويلات حول السبب الذي دفع مؤسس جماعة الإخوان، حسن البنّا (1906-1949) لوضع تعريف لجماعته، التي أسسها عام 1928، ينص على كونها «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية،..»، فأحسن هذه التأويلات ظنًّا ذهب إلى أن «البنّا» كان يدرك متطلبات المرحلة التي أسس فيها جماعته، والتي كانت تشهد تداعيات سقوط الخلافة العثمانية، في 1924م، أي قبل تأسيس «الإخوان» بأربع سنوات فقط، ما يطرح حقيقة أن المسلمين يعيشون لأول مرة بدون خلافة، وهو ما دفع باتجاه التفكير في تكوين جماعة دينية توافقية، أراد «البنّا» لجماعته أن تكون هي.

أما التأويل الثاني، فيقول: إن مؤسس جماعة الإخوان ومرشدها الأول سعى من خلال تعريفه هذا إلى زيادة أعضاء جماعته حتى لو كلفه ذلك ضم أصحاب تيارات فكرية تتعارض مع أفكار الجماعة.

ويشير تاريخ جماعة الإخوان إلى واقعية الرواية الثانية، التي تشكك في نوايا «البنّا»، إذ تبنت جماعته سياسات تهدف لاختراق الطرق الصوفية والتيارات السلفية لاستقطاب أفرادها، ومن ثم إدخالهم لـ«الإخوان»، ثم يأتي بعد ذلك التفكير في تطويع فكرهم بما يتلاءم مع أفكار الجماعة.

وتمكنت جماعة الإخوان أكثر من مرة من زرع عناصر تابعة لها داخل طرق صوفية، وذلك بإقرار الطرق نفسها التي اشتكت من رصد مظاهر غير صوفية بين أتباعها.
وفي كتابه «حتى لا تضيع الهوية الصوفية بين الإخوان المسلمين والشيعة وبني أمية الجدد»، أقرَّ المفكّر الصوفي محمود صبيح بواقعةٍ انضم فيها شاب إخواني لطريقة صوفية في محافظة بني سويف، جنوب القاهرة، ونجح في إخراج 30 صوفيًّا من الطريقة وضمهم لجماعة الإخوان.

وتابع «صبيح»، أن الجماعة نجحت في طنطا (شمال القاهرة، مدينة تُعرف بتوجهها الصوفي لاحتضانها ضريح القطب الصوفي أحمد البدوي) في الدفع بعضو فيها داخل إحدى الطرق، وتدرج حتى أصبح نائب شيخ الطريقة، بالإضافة لمحاولات قال «صبيح» إن الجماعة تبذلها للسيطرة على نقابة الأشراف (نقابة تضم المنحدرين من نسل البيت النبوي).

وفي فصل عنونه بـ«كيف يدعو الإخوان أحدًا من المتصوفة؟»، تناول «صبيح» التبريرات التي تقدمها جماعة الإخوان عندما تحاول استقطاب أحد أبناء الصوفية.

وتعتمد الجماعة بالأساس في ذلك على تعريف «البنّا» لها بكونها «حقيقة صوفية»، مستدعية تجربة «البنا» الصوفية التي سردها في مذكراته «الدعوة والداعية»، وقال فيها: «إنه نشأ تنشئة صوفية، عندما تعلق في طفولته بالطريقة الحصافية وشيخها حتى كان يأتيه في المنام».

كما تحاول الجماعة -بحسب «صبيح» الذي كانت له تجربة داخل «الإخوان»- احتواء أي أسباب يطرحها الصوفي، ويرفض من خلالها عروض الانضمام للجماعة، فمثلًا إذا قال إنه لن يلتحق بجماعة متسلفة، يكون الرد «ادخل معنا وأصلحها»، أو «ادخل معنا وابقى في طريقتك».

ويرى «صبيح» أن هذه الردود أقرب إلى «التقية» وهو أسلوب يتبناه الشيعة لإخفاء ما يبطنون، إذ لا يمكن أن يبقى الصوفي على طريقته إذ ما دخل «الإخوان»؛ لأن كلًّا منهما يتطلب التبعية والولاء لرأس الطريقة أو الجماعة.
وتطرق «صبيح» إلى الاستشهاد بتجربة «البنّا» في الصوفية لإقناع المتصوفة، قائلًا: إنه أقلع عن الصوفية منذ أسس جماعته، وبدأ في كتابة مقالات ترفض طقوس التصوف وأفكارهم، مثل مقاله بالعدد العشرين من جريدة «الإخوان المسلمون»، المعبرة عن الجماعة خلال حقبة الثلاثينيات، الذي رفض فيه طقوس الاحتفال بليلة النصف من شعبان.

وفنّد «صبيح» الأسباب التي تشكك الصوفي في منهج جماعة الإخوان، وتجعله في مأمن، بداية من ولائهم للأنظمة الحاكمة، وتخطيطهم في نفس الوقت لاغتيال رأس الدولة، أو الحديث المنقول عن الرسول حول ظهور جماعة من المسلمين ستتحدث لغتهم وتزعم صلاحهم أوصى باعتزالها حتى يأتي الموت.

وشكك أيضًا في رواية الإخوان حول كونهم هم من سيقيمون «خلافة على منهاج النبوة»، قائلًا: إن هذه الخلافة تتطلب ظهور المهدي المنتظر، ووفقًا للمنهج الإخواني فإنهم لا يعترفون بهذا المهدي، واعتبر «صبيح» أن عدم الاعتراف هذا وراءه طمع في السلطة، إذ يرون الاعتراف بالمهدي حجة عليهم تؤكد أن حكمهم لن يكون «الخلافة المنتظرة» ومن ثم انهيار فكرة مشروعهم تمامًا.

وتجدر الإشارة إلى أن انضمام أعضاء الإخوان للطرق الصوفية بدأ يأخذ شكلًا آخر، في الفترة ما بعد الإطاحة بحكم الجماعة في 2013، عندما تم استبعاد الرئيس الإخواني محمد مرسي من حكم مصر، وتعرضت عناصر الجماعة للملاحقات الأمنية، إذ وجد بعض أفراد الإخوان في الطرق الصوفية فرصة للفرار من الأمن، معتبرين أن الالتحاق بالطرق الصوفية في مصر مأمن من الملاحقات الأمنية.

في المقابل جلب انضواء تعريف الإخوان على كونها «حقيقة صوفية» أزمات فكرية على الجماعة، تحديدًا على مستوى المنضمين من الصوفية، الذين لم تتمكن الجماعة من تغيير أفكارهم، أو شباب الجماعة الذين فروا إلى الصوفية اقتداءً بتجربة «البنّا» في التصوف، وقد خلفت هذه الأزمة وجود تيار فكري صوفي داخل الجماعة، ليس كبيرًا ولكنه يظهر من حين لآخر.

شارك