أحمد عمر هاشم: يقظة صوفية لمواجهة الأفكار التكفيرية
الثلاثاء 07/أكتوبر/2025 - 12:47 م
طباعة

فقدت مصر والعالم الإسلامي، فجر الثلاثاء 7 أكتوبر 2025، أحد أبرز علمائها، بوفاة الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، عن عمر ناهز 84 عاما.
وبحسب إعلانات رسمية وتقارير صحفية، تقام صلاة الجنازة ظهر اليوم في الجامع الأزهر الشريف، على أن يوارى الثرى عصرا بالساحة الهاشمية بقرية بني عامر بمركز الزقازيق، في محافظة الشرقية، مسقط رأسه.
من قرية بني عامر إلى قمة الأزهر
ولد أحمد عمر هاشم في 6 فبراير 1941، في قرية بني عامر بمحافظة الشرقية، وتخرج في كلية أصول الدين بالأزهر عام 1961. حصل على الإجازة العالية عام 1967، ثم الماجستير عام 1969، فـالدكتوراه، ليترقى إلى درجة الأستاذية عام 1983.
بدأ مسيرته الأكاديمية في تخصص علوم الحديث والسنة النبوية، حيث ترك بصمة واضحة في هذا المجال تأليفا وتحقيقا وتدريسا. وفي عام 1987، عين عميدا لكلية أصول الدين فرع الزقازيق، ثم تولى رئاسة جامعة الأزهر عام 1995، في واحدة من أدق فترات الجامعة تاريخيا.
منابر متعددة: الأزهر والبرلمان والصوفية
لم يقتصر حضور أحمد عمر هاشم على الأوساط الأكاديمية، بل امتد إلى الفضاء العام المصري، عبر مشاركته في البرلمان المصري (مجلسي الشعب والشورى بالتعيين)، ورئاسة لجنة البرامج الدينية في التلفزيون المصري، وعضويته في المجالس القومية المتخصصة.
كما لمع اسمه داخل المجلس الأعلى للطرق الصوفية، حيث ترأس اللجنة العلمية، واعتبر من أبرز رموز التصوف السني التقليدي في مصر، خاصة بعد تقاعده، حيث خصص وقته للتدريس وإعادة إحياء التصوف كمنهج علمي لا طقوسي فقط.
وعرف الراحل بحضوره في المؤتمرات العلمية والدعوية داخل مصر وخارجها، وترك عشرات المؤلفات والمحاضرات، معظمها في علوم الحديث، والدعوة، والدراسات الإسلامية. ويعد مرجعا لدى طلاب العلم في موضوعات كـ"الإعجاز النبوي"، و"منهج أهل السنة في العقيدة والسلوك".
نال جائزة النيل في العلوم الاجتماعية لعام 2014، وهي أرفع الجوائز التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، تقديرا لإسهاماته العلمية والمجتمعية.
الصوفية.. «التحصين الأخلاقي» ضد التشدد
في السنوات الأخيرة، تبنى الدكتور هاشم مشروعا فكريا صوفيا يهدف إلى مواجهة الفكر المتطرف عبر إحياء «التصوف العلمي». وكان يؤكد في لقاءاته أن "التصوف هو دعوة للتحاب والتزكية، وليس طقوسا فلكلورية"، وأنه "التيار الوحيد الذي لم يخرج منه إرهابي واحد".
وقال في إحدى تصريحاته الشهيرة: "المكتبة الصوفية والمنهج الصوفي هما المرجعان الأقدر على تفكيك فكر الجماعات المتطرفة، بشرط تطبيقهما في الواقع لا الاكتفاء بالتنظير."
ورأى أن الجهل بالتصوف الأصيل هو ما سمح بصعود التيارات المتشددة في السبعينيات، وأن مهمته كانت إعادة تأهيل شيوخ الطرق من خلال الدورات العلمية والشرعية لتربية المريدين على الفهم لا على التلقين.
مواقف فكرية في لحظات حساسة
لم يكن أحمد عمر هاشم بعيدا عن أبرز قضايا الساحة الفكرية في العقود الماضية، وعلى رأسها قضية المفكر نصر حامد أبو زيد في التسعينيات، التي انتهت بتفريقه قضائيا عن زوجته، واعتبرها البعض محاكمة للفكر الحر.
في مقابلة صحفية، سئل هاشم عن موقفه من أبو زيد، فقال: "لم أقرأ له، فلا أعلق."
وهو تصريح اعتبر حينها امتناعا مشروطا يحترم شرط الاطلاع قبل إطلاق الأحكام، في موقف نادر من شخصية أزهرية ذات ثقل، وسط موجة من الاتهامات والتكفير التي طالت المفكر الراحل.
رغم ذلك، نسبت إليه مواقف متشددة لاحقا، لم تثبت بدقة، مما جعل تقييم موقفه من القضية أكثر تعقيدا من الروايات المبسطة.
وعرف عن الدكتور هاشم تصريحه الصريح في سنواته الأخيرة: "تكفير الآخرين جريمة."
وقد لخصت هذه العبارة بوصلة الرجل الأخلاقية والدينية، وحرصه على الدفاع عن الوسطية الأزهرية، وتقديم نموذج لرجل الدين الذي يجمع بين الحزم في حماية الثوابت، والانفتاح في فهم العصر، والرحمة في تقييم المختلفين.
برحيل الدكتور أحمد عمر هاشم، تفقد مصر أحد وجوه الاعتدال الديني، وجسرا حيا بين الأزهر والصوفية، وبين الأكاديمية والعمل العام. لم يكن صوتا صاخبا، لكنه كان ثابتا، حريصا على الاتزان لا الاستقطاب، وعلى أن تظل الكلمة الأخيرة للعلم، لا الغضب.