«القادرية البودشيشية».. قوة صوفية في يد «ملك المغرب»

الجمعة 10/أغسطس/2018 - 09:46 ص
طباعة «القادرية البودشيشية».. عبدالرحمن صقر
 
برزت طريقة «القادرية البودشيشية»(إحدى الطرق الصوفية) خلال القرن الثاني عشر الميلادي، وتذكر المراجع أن جذورها كانت مع بداية انطلاق الشيخ «عبد القادر الجيلاني»، وقد أصبحت الطريقة الأم في المغرب، بداية القرن العشرين، وتعرف باسم «البودشيشية»، وذلك يرجع لقصة قديمة تقول إنه خلال فترة المجاعة بالمغرب قام أحد شيوخها بإطعام العامة والمريدين بـ«الدشيشة» (أكلة شعبية بسيطة تشبه البرغل، وهي أكلة مغربية شهيرة).

وبسبب قرب «القادرية البودشيشية» من «أمير المؤمنين» (لقب يطلق على ملك المغرب)، تتهمها أطراف بالزاوية وخارجها بارتكاب «مخالفات شرعية» والانخراط فى حاشية الملك والنظام، فيما تنفي الطريقة عن نفسها ذلك، وتؤكد أن هدفها تزكية الروح والنفس وأن أي تجريح في طريقة ربانية غير مقبول. 

تكرس «البودشيشية» لمحورية الشيخ المُزار من المريدين، الذين يأتون من مختلف بقاع الأرض لزيارته والتبرك برؤيته ولمس جسده، حيث إن المريد يؤمن أنه لابد أن يكون تابعًا لشيخ، «فكما أن المرء لا يشاهد عيوب وجهه إلا في مرآة صافية مستوية تكشف له عن حقيقة حاله، فكذلك لابد للمؤمن «المريد» من صاحب كامل «الشيخ» يرى في كماله نقائص نفسه ليعالجها»-على حد وصف بعض المريدين والأتباع، ويطلق على المريد لقب «الفقير» في إشارة إلى التواضع والفقر إلى الله مع الزهد فى كل مسالك الحياة.
 
وتبتعد «البودشيشية» كل البعد عن الخلافات المحورية للطرق الصوفية المعروفة، كما أن أدبياتها لا توضح موقف الطريقة من القضايا الكبرى المثيرة للجدل مثل «نظرية الحلول والمشاهدات»، ويكتفي الشيخ بتوضيح «الأذكار» التي يرددها المريد، فيما يعتقد المريد أن الإذن للشيخ يأتي من طرف الله تعالى ورسوله، وهو ما يواجه بانتقادات لاذعة من قبل الطرق الأخرى والتيارات السلفية بالمغرب.

ويوجد المقر الرئيسي للطريقة فى إقليم «بركان»، شرقي المغرب بالقرب من الحدود المغربية الجزائرية؛ حيث يُعقد في الإقليم لقاءان يتم تنظيمهما سنويًّّا ويحضرهما المريدون والأتباع من شتى المناطق المغربية والعربية، ويبلغ عدد الحاضرين حوالي 270 ألف شخص، ويبدأ اللقاء الأول فى ليلة الـ27 من شهر رمضان تحت اسم «ليلة القدر»، والثاني يعقد في ذكرى مولد الرسول الكريم محمد -صلي الله عليه وسلم-.

وتؤكد الطريقة فى كل المناسبات أنها تعمل على تزكية النفوس ليس إلا، وأن السياسية بعيدة عن منهاجها وعملها، وأن هدفها الأساسي هو الارتقاء بالنفوس البشرية إلى مرحلة الصفاء الروحي.

ومن أدبيات «البودشيشية» التزام المريد بآداب الامتثال لشيخه، كامتثال المريض لطبيبه، وعليه الاعتقاد الكامل بأهليته فى التربية والإرشاد، وأن يكون صادقًا في طلبه للحق، مع تجريد إرادته من الأغراض والمصالح، وكذلك عليه تعظيم شيخه وحفظ حرمته حضورًا وغيابًا، وحسن الظن بإخوانه وألا يفكر فى عيوبهم وأن يترك أمرهم إلى الله تعالى، وأن يتواضع لهم وينظر إليهم بعين التعظيم حتى يستقوي بأنوارهم.

وتضع الطريقة أربعة شروط ليصبح المريد شيخًا للطريقة، وهي:(العلم بالفرائض العينية، أن يكون عارفًا بالله، خبيرًا بطرق تزكية النفوس، ويكون مأذونًا في التربية والإرشاد)، ومن علامات الشيوخ فى «البودشيشية»- بحسب ما قالته مصادر: «إنك إذا جلست بجواره تشعر بنفحات إيمانية ومدد غيبي يسري منه، وإنك تنتفع به قريبًا أو بعيدًا شرط التصديق فيه، كما تستفيد وتتعلم من كلامه وحركته وسكونه».

ومن أبرز شيوخ «البودشيشية»، المختار القادري بودشيش، الذى برز في القرن العشرين وعُرِفَ عنه مقاومته للاحتلال الفرنسي، وبعد وفاة «البودشيشي» عام 1955، انتقلت المشيخة إلى الشيخ «العباس»، الذي برزت الطريقة في عهده بشكل ملفت، ما عزز في عهد نجله «حمزة القادري البودشيشي» تولي الطريقة عام 1972، عقب رحيل والده.

وعمل «حمزة القادري» على تجديد أذكار الطريقة وتنظيم سيرها، ما زاد في إحيائها وتنشيطها، وسعى في نشرها بين الأحياء والمناطق المغربية الشاسعة.

يذكر أن الساحة الصوفية بالمغرب تشهد منافسة شرسة بين الطرق والزوايا، وعلى رأسهم المنافسة بين (التيجانية والبودشيشية)، وعقب وفاة «حمزة»، فى 18 يناير 2017م، خلفه ابنه جمال، تلميذه الذي كان يلزم كل أعمال الطريقة، وتولى منير جمال حفيد «حمزة» منصب المتحدث الرسمي باسم الطريقة.

وتنفي الطريقة أي طموح سياسي للزاوية أو دوافع من أجل إرضاء السلطة، بالرغم من تأكيد الطريقة أنها تتدخل فقط في الأزمات أو المنعطفات الاستراتيجية الكبرى، وتبرر هدفها أنها تريد تحقيق وحدة البلاد المغربية واستقرارها.

شارك