إبراهيم الدسوقي.. قطب صوفي بلغ مقامات اللطافة

الجمعة 10/أغسطس/2018 - 02:47 م
طباعة إبراهيم الدسوقي.. سارة رشاد
 
قديمًا، وفي قرية سنهور التابعة لمركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ الواقعة شمال مصر، عاش عالم صوفي مغربي في القرن السابع الهجري، كان كلما مرّ عليه رجل بعينه، زاد العالم في احترامه وهمّ بالوقوف له إجلالًا، إلى أن انقطع الصوفي المغربي عن قيامه ووقوفه، وحين سُئل عن السبب قال: إن وقوفه لم يكن للرجل نفسه، ولكن لولي يأتي من ظهره، وانتقل الآن إلى زوجته.

إنه العالم المغربي هو محمد بن هارون، أما الرجل المذكور فكان أبوالمجد عبدالعزيز والد القطب الصوفي إبراهيم الدسوقي، رابع أقطاب الصوفية، الذي بشّر ابن هارون بهذه الواقعة بمولده، وأسس الطريقة الدسوقية أو البرهانية (إحدى الطرق الممتدة في البلدان العربية).

ولد الدسوقي بمدينة دسوق، شمال مصر، في 1255م تقريبًا، لأب من نسل الحسين بن علي، حفيد الرسول، وأم هي فاطمة ابنة الزاهد العراقي أبوالفتح الواسطي، التلميذ الأقرب للقطب الصوفي أحمد الرفاعي (مؤسس الطريقة الرفاعية أكبر الطرق العربية)، ونزل بمصر في 1632م للتعريف بأفكار «الرفاعية».

وترصد السير المنقولة عن حياته، علاقة تربطه بالقطب الصوفي المغربي، أبوالحسن الشاذلي، وفي ذلك يقول هو نفسه: «أنا فككت طلاسم سورة الأنعام التي لم يقدر على فكها الشاذلي خالي».

كذلك تواصل الدسوقي بالقطب الصوفي أحمد البدوي، المغربي الذي سكن مدينة طنطا، شمال مصر، وأسس فيها الطريقة البدوية (إحدى الطرق الصوفية الرئيسية في مصر)، ويُنقل عن البدوي رسالة بعث بها إلى الدسوقي قال فيها: «أما سمعت وعلمت أننا أخذنا العهود والمواثيق على بعضنا.. أما سمعت وعلمت أن الله خير الدينا والآخرة على من يفرق بيننا.. أما سمعت وعلمت أن الله لعن من يقول هذا على طريقة وهذا على طريقة».

وعلى عكس الصورة النمطية عن التصوف رفض الدسوقي ربط الصوفية بالملبس الخشن، فيقول: «ليس التصوف لبس الصوف، وإنما الصوف من بعض شعار التصوف، فإذا وصل الصوفي إلى حقيقة التصوف المعنوي لا يرضى بلبس ما خشن؛ لأنه وصل إلى مقامات اللطافة».

وفي موضع ثانٍ يحدث أحد محبيه واعظًا: «يا ولدي البس قميص الفقر النظيف الظريف، فما الأمر بلبس الثياب، ولا بسُكنى القباب، ولا بلبس الصوف، إنما الفقر أن تُخلص عملك بقلبك»، متشبهًا في ذلك بالشاذلي الذي أوصى أتباعه بتقوى الله بالقلب، لا بالزي الخشن وحسب.

ويتسق ذلك مع المنهج الذي وضعه القطب الصوفي، واختصره في الالتزام بالشريعة والتأدب بآدابها، حتى إنه اشترط العلم بأمور الشرع للالتحاق بطريقته حتى لا يكون هناك مجال للبدع، ويعتمد منهجه على الذكر الجهري، ولزوم الجد في الطاعات، وبذل المجهود في الرياضات حتى يفتح الله على المُريد.

وعلى عكس الصورة المأخوذة عن الصوفية وكونها دافعًا للناس نحو التكاسل والتبلد، دعا الدسوقي أصحابه للعمل واحتراف المهن، حتى قيل إنه هو نفسه كان يعمل في تشكيل الفخار، وصُنع الحصير إلى جانب دوره الصوفي.

وعلى هذا المنهج جاءت الطريقة الدسوقية، التي تولى شأنها بعد وفاته شقيقه شرف الدين أبوالعمران موسى، وقام الأخ بالتنقل بين دسوق والإسكندرية للقيام على تربية التابعين، حتى تُوفي في 1338 تقريبًا، ودُفن إلى جوار الدسوقي بمحل ميلادهما في دسوق.

وتمثل الدسوقية غطاء ينضوي تحته أكثر من طريقة في مصر والسودان بشكل خاص، هي: الشهاوية، والشرنوبية، والعاشورية، والتازية.

وتُروى عن الدسوقي كرامات (أمور خارقة للعادة)، حتى إنه لُقب بـ«برهان الله»؛ لذا تُسمى طريقته «البرهانية».

ويقول هو عن نفسه في كتاب «الحقائق» إنه صام في المهد، ويشرح ذلك بأنه ولد ليلة استطلاع هلال شهر رمضان، وتقول أمه إنه ترك ثديها منذ طلوع الفجر وحتى آذان المغرب.

ويضيف هو نفسه إلى كراماته إقامته داخل خلوة لعشرين عامًا، ولم يخرج منها إلا عند وفاة والده لتوديعه ودفنه، وحينما انتهى وهمّ بالعودة إلى الخلوة أقسم عليه الناس بألا يعود.

ويعترف الصوفيون بأن تراث الدسوقي ليس كثيرًا، ولا يُعرف ما إذا كان قليلًا فعلًا أم أنه تعرض للتلف بفعل الزمن، إلا أن ما يُنسب له اليوم بشكل مؤكد بعض الأشعار وكتب: «فقه السادة الشافعية»، و«الجوهرة»، و«برهان الحقائق».

كُلف الدسوقي في عصر الظاهر بيبرس (أحد حكام مصر في القرن 13 الميلادي)، بمنصب شيخ الإسلام، وهو أعلى منصب ديني في هذا الوقت، وقضى حياته في تربية مريديه، إلى أن توفي في 1297م، ودُفن في زاوية صغيرة باتت اليوم أحد أكبر مساجد مصر «مسجد إبراهيم الدسوقي».

ويُقام للقطب مولدان كل عام، أحدهما في أبريل ويُسمى بـ«الرجبي» نسبة لشهر رجب، وهو مناسبة أكثر منها مولد كبير، فيها يُغسل الضريح وتُغير كسوته وعمامته، ويعطر بالمسك والبخور، أما المولد الرئيسي والأكثر أهمية فيأتي في أكتوبر، ويجذب نحو مليون صوفي، بعضهم من داخل مصر، وآخرون يتبعون الشيخ من بلدان عربية.

وعلى الرغم من المكانة التي يحظى بها في نفوس المتصوفة، وحرصه على الدراية بأمور الدين، فإن انتقادات واسعة طالته وطالت طريقته بعدما نُسبت لها «تجاوزات»، وهاجم الأزهر (المؤسسة الدينية الأولى في العالم الإسلامي) الطريقة على الرغم من موقفه الداعم للصوفية، متهمًا إياها بأنها تحمل بعض الأفكار الدافعة بشكل صريح نحو الكفر.

شارك