حرب الشاشة الفضية على الإرهاب.. السينما المصرية في المواجهة

الثلاثاء 14/أغسطس/2018 - 02:38 م
طباعة حرب الشاشة الفضية حامد المسلمي وسالي يوسف
 
مقدمة

اعتادت السينما- منذ نشأتها الأولى- مناقشة ومواجهة الظواهر والمشكلات الاجتماعية التي تؤرق المجتمع، فعلى سبيل المثال مع بدايات السينما المصرية، تفشى في المجتمع المصري تعاطي مخدر الكوكايين في عشرينيات القرن الماضي، تصدت السينما للظاهرة بفيلم «الكوكايين» إنتاج 1930 ومن تأليف وإخراج توجو مزراحي، وفي السبعينيات تصدى المخرج والسيناريست سعيد مرزوق بفيلم «أريد حلًا» لمشكلات قانون الأحوال الشخصية في مصر، وقد لعب هذا الفيلم دورًا محوريًّا في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر.

ورغم أن ظاهرة الإرهاب المنظم بدأت في مصر في أواسط السبعينيات مع حادث الفنية العسكرية 1974، وما تلاها من أحداث مثل اغتيال الرئيس السادات، فإن السينما لأسباب متعددة- أهمها انتشار سينما المقاولات مع التغيرات الجوهرية التي طرأت على النمط الإنتاجي والاقتصادي المفاجئ في المجتمع في هذه الفترة- لم تناقش الظاهرة بشكل واضح إلا في عام 1989 بفيلم الإرهاب للمخرج نادر جلال.

إلا أن السينما المصرية ناقشت في فترة السبعينيات صعود منحنى ظاهرة التطرف في أفلام متعددة مثل أفلام «غرباء»، و«خلي بالك من زوزو»، و«أبناء وقتلة» وغيرها من الأفلام التي ناقشت الظاهرة.

ومع صعود الخطاب المتطرف والإرهابي، الذي صدّر خطابًا معاديًا للفنون بشكل عام وللسينما بشكل خاص، وصاحبت هذا الخطاب المتطرف تجاه الفنون حوادث إرهابية ممنهجة ضد دور السينما ونوادي الفيديو والمسارح في تسعينيات القرن الماضي على وجه الخصوص، وذلك إضافة إلى التهديدات المستمرة للمبدعين، ومن بينها محاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ (أديب نوبل)، وتهديدات بالاغتيال للفنان المصري الكبير عادل إمام بعد عرض فيلمه الشهير «الإرهابي»؛ ما دفع عادل إمام إلى أن ينظم عرضًا سينمائيًّا خاصًّا للفيلم في محافظة «أسيوط»- محافظة في صعيد مصر- معقل الجماعات المتطرفة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.

وفي هذا الإطار تهدف الدراسة إلى بحث الطرق المتعددة، التي تصدت بها السينما المصرية لظاهرة الإرهاب في مصر.

وحاول المبدعون معالجة ظاهرة الإرهاب انطلاقًا من ذاتية الفن في طرح رؤى مبدعيه، فظهر لنا على الشاشة الكبيرة العديد من المعالجات السينمائية لظاهرة الإرهاب، بعضها أرجع الظاهرة لأسباب أيديولوجية، فيما أرجعها آخرون إلى أسباب داخلية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فيما رأى غيرهم أنها لأسباب خارجية لتخريب المجتمعات، وفي هذا الإطار نستعرض بعض الاتجاهات الفنية في مواجهة ظاهرة الإرهاب.

1-            الإرهاب مؤامرة أجنبية ممولة خارجيَّا

أولى المعالجات السينمائية للظاهرة الإرهابية في البلاد تناولتها باعتباره فعلًا تخريبيًّا ممولًا من الخارج، يستهدف أمن البلاد؛ لتحقيق أغراض سياسية معينة، وبدأت هذه الموجة مع فيلم «الإرهاب» إنتاج 1989، مرورًا بأفلام «انفجار» إنتاج 1990، وفيلم «كشف المستور» إنتاج 1994، وفيلم «مافيا» إنتاج 2002، وفيلم «أمير الظلام» إنتاج 2002، والفيلم الكوميدي «كتكوت» إنتاج 2006، وفيلم «أنا مش معاهم» إنتاج 2007، وتنوعت هذه المعالجات بين معالجات سينمائية في إطارات كوميدية ودرامية.

2-            الإرهاب الأيديولوجي

شكل حادث اغتيال الجماعات الإسلاموية للمفكر العلماني المصري «فرج فودة» في 9 يونيو 1992 نقطة تحول في طريقة تناول السينما والدراما المصرية لظاهرة الإرهاب، وشهد عقد التسعينيات العديد من الأعمال التي تناولت الظاهرة الإرهابية من جوانب عدة، وكان قد تناول الإطار الأيديولوجي عند الحركات الإرهابية ومحاولات المواجهة أحد أهم هذه المعالجات، التي بدأت بالفيلم الأشهر في السينما المصرية لتناول الظاهرة الإرهابية «الإرهابي» إنتاج 1993، ثم توالت الأفلام التي تناقش هذه الظاهرة مثل فيلم «المصير» إنتاج 1995، فيلم «كبارية» إنتاج 2008، وفيلم «الجزيرة 2» إنتاج 2014، وفيلم «جواب اعتقال» إنتاج 2017. وفي هذه الأفلام سعى الإرهابي إلى انتهاج العنف- المبني على أيديولوجية خاطئة- كوسيلة لتغيير المجتمع بالقوة.

3-            الإرهاب وضياع الهوية

رغم أن الأعمال الدرامية تناولت الظاهرة الإرهابية من ناحية محاولة البحث عن الذات، وضياع الهوية وبخاصةً كتابات الأستاذ الكبير السيناريست «أسامة أنور عكاشة» (مسلسل «أرابيسك» نموذجًا)، إلا أن السينما المصرية تصدت هذه الظاهرة من هذه الزاوية في فيلم «الناجون من النار» إنتاج 1994، لكن يعتبر أهم الأعمال السينمائية المهمة في هذا الإطار فيلم «دم الغزال» إنتاج 2005، الذي تناول شخصية «الطبال» الذي يتحول إلى «أمير جماعة إرهابية»، في محاولة للبحث عن دور له في المجتمع عبر تغيير مجتمعه المحلي بالقوة وإعلان نفسه «حاكمًا عامًّا للمنطقة»..

4-            الإرهاب كنتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والفساد الحكومي

فيلم «الإرهاب والكباب» إنتاج 1992، الذي لم يفكر أن يصبح إرهابيًّا، ولكنه نتيجة لمشادة بينه وبين موظف حكومي داخل مجمع التحرير وتدخل عسكري الأمن لفضها من جانب وقمع المواطن من جانب آخر، استولى المواطن على السلاح فأصبح إرهابيًّا بالصدفة، وكذلك فيلم «الأبواب المغلقة» إنتاج 2001، الذي تحول بطله إلى إرهابي نتيجة الفراغ الذي أحدثته الدولة، وتركت دورها للجماعات والجمعيات تتلقف المهمشين والفقراء وتعمل على تجنيدهم، أما فيلم «عمارة يعقوبيان» إنتاج 2006، مثل صرخة في وجه المجتمع وأن غياب تكافؤ الفرص والفساد الحكومي يمكن أن يدفع الشباب إلى الالتحاق بالجماعات المتطرفة، ويمكن أن ينتج «إرهابي الصدفة».

5-            الإرهاب والإسلام الحركي

هناك بعض الأفلام التي ناقشت ظاهرة الإسلام الحركي ورغبتها في استخدام الخطاب الإسلاموي للوصول للسلطة من جانب، وانتهاج العنف السري من جانب آخر، وتصدى السيناريست وحيد حامد لهذه الظاهرة في العديد من أعماله الدرامية والسينمائية وبخاصة فيلم «طيور الظلام»، والذي بين عداء هذه الجماعات للفن والسينما.

6-            الإرهاب والدور البطولي للشرطة في التصدي له.

كل هذه الأفلام تناولت دور الشرطة البطولي في التصدي لهذه الظاهرة الإرهابية الإجرامية، التي تعصف باستقرار الوطن، وتهدف لنشر الفوضى في البلاد، ومحاولة تغيير المجتمع بالعنف، إلا أن فيلم «الخلية» إنتاج 2017، والذي تناول الدور البطولي لرجال الشرطة في تتبع الإرهاب ومحاربته، وبيان ما يعانيه رجال الشرطة من إصابات يمكن أن تقعده عاجزًا بقية حياته فداءً لوطنه.

•  تقييم دور السينما المصرية في مكافحة الإرهاب

بعد هذا الاستعراض للسينما المصرية ومعالجتها لظاهرة الإرهاب، يجدر على الباحث طرح سؤال مهم، لماذا جاء عدد الأفلام التي صنعت في مصر عن الظاهرة الإرهابية لا تتناسب مع حجم الظاهرة وتأثيرها على البلاد؟ ولماذا جاءت هذه الأفلام متأخرة لما يقرب 15 عامًا، شهدت العديد من الحوادث الإرهابية كحادث الفنية العسكرية، واغتيال السادات فضلًا عن عنف الثمانينيات والتسعينيات ضد الشرطة والجيش والسياح، إضافة إلى صعود التطرف، ومحاربة الشباب الجامعي المتطرف للفن الجامعي والاختلاط والتعدي على زملائهم الطلبة الفنانين بالأسلحة البيضاء والجنازير!

هل كان هذا تقاعسًا إنتاجيًّا؟ أم عزوفًا جماعيًّا من المبدعين عن معالجة الظاهرة؟ أم هو بناء على تعليمات حكومية ورقابية غير مكتوبة؟

يجدر بنا التفريق بين 3 مراحل، الأولى ما قبل اغتيال فرج فودة، والثانية ما قبل ثورة 30 يونيو 2013، والثالثة ما بعدها وإلى الآن.

بشكل عام، إن تفاعل المبدعون مع الظواهر الاجتماعية غالبًا ما يكون مؤقتًا ومرهونًا باستمرار الظاهرة بشكل متوالي لفترة طويلة؛ ما يجعل من تفاعله معها تأييدًا أو رفضًا أو نقدًا أمرًا شبه حتمي، أما الظواهر العابرة فلا يتصدى لها إلا من يتبنى مشروعًا فكريًّا لنقدها.

المرحلة الأولى: هناك العديد من الأسباب من الممكن أن تكون أثرت في تأخر مناقشة الظاهرة الإرهابية وبخاصة مع حادث جلل بحجم اغتيال رئيس الدولة وعدد من الوزراء ورجال الأمن في احتفال رسمي عبر عدد من الإرهابيين، منها.

-              شهدت البلاد منذ أواسط السبعينيات والثمانينيات تغيرًا جذريًا في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد، فضلًا عن التغير الأيديولوجي في شكل الحكم، وانتقال مصر من المعسكر الاشتراكي إلى المعسكر الرأسمالي، صاحب هذا خضوع السينما في هذه الفترة لمفهوم سينما المقاولات التجارية، والتي يسعى من خلالها الإنتاج إلى صناعة الأفلام السريعة والربح السريع بغض النظر عن جودة الصناعة ومضمونها في عصر الانفتاح.

-              شكل تصالح السادات مع التيارات الإسلامية والاستعانة بهم ضد الناصرية والاشتراكية، وتصعيدهم والعمل على تغيير هوية الشعب، صدمة عنيفة عند المبدعين وانتشرت الأفلام التي تحاكم عصر السادات والانفتاح في الثمانينيات مثل أفلام «كتيبة إعدام»، «الغول»، «سواق الأتوبيس»، «الصعاليك»، وغيرها من الأفلام.

                لم تكن آثار الصحوة الإسلامية تمكنت من البلاد بشكل كامل مع بالطريقة التي تجعل من تفاعل المبدعين مع الظاهرة أمرًا ملحًّا.

المرحلة الثانية: اغتيال فرج فودة، شكل اغتيال المفكر المصري فرج فودة والذي اشتبك مع الإسلاميين وعمل على تفنيد أيديولوجية العنف عند هذه الجماعات سواء عبر كتبه أو عبر مناظرات وندوات، وكان اغتيال الاسلاميين له نقطة تحول مهمة، تبعها محاولة اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ؛ ما ألهم المبدعين لمناقشة أبعاد ظاهرة التطرف والإرهاب عبر الأعمال السينمائية والدرامية، ولكن سرعان ما انحصرت هذه الموجة السينمائية لصالح موضوعات أخرى استقطبت العاملين بالسينما (إنتاج وكتاب ومخرجين) كالسينما الشبابية والكوميدية، كما استقطبت الجمهور في الوقت نفسه، ولعل أبرز أسباب التراجع كانت:

-              قدرة الشرطة المصرية على محاصرة الظاهرة معدودة في سنين معدودة، وحصار الجماعات الإرهابية في مناطق معينة، وأصبحت الحوادث الإرهابية نادرة الحدوث طوال العقد الأول من التسعينيات.

-              خفوت الخطاب المتطرف للإرهابين في المساجد، وانحصار عملهم في شبكات سرية كانت الشرطة توقع بهم الواحدة تلو الأخرى.

المرحلة الثالثة: عقب الثورة المصرية في 30 يونيو 2013، صاحب هذه الثورة اندلاع أعمال عنف من الجماعات الإسلاموية (وبخاصة جماعة الإخوان التي أزاحها الشعب عن سدة الحكم)، واستهدفوا قوات الجيش والشرطة والقضاة، كما استهدفوا الشعب المناصر للثورة المصرية عبر زرع عبوات ناسفة في الطرق ووسائل المواصلات وغيرها، لتبدأ موجة جديدة من الإبداع السينمائي للتصدي لهذه الظاهرة، إلا أن الإنتاج لم يتناسب- إلى الآن- مع حجم التدمير الذي أحدثه الإرهاب في مصر في الخمس سنوات الأخيرة، رغم ما تتمتع به هذه الأفكار من عنصري (الفكر والحركة)، وأهم هذه الأسباب التي أدت إلى قلة هذه النوعية من الأفلام في المراحل الثلاثة تمثل في غياب الإنتاج الحكومي لمثل هذه النوعية والتي تحتاج إنتاجًا ضخمًا.

وختامًا، إذا ما رجعنا إلى شهادة العديد من السياسيين الشباب- وبخاصةً الاشتراكيين منهم- عن فترة السبعينيات والثمانينيات وصعود التيارات الإسلاموية المتطرفة، فإننا نجدهم بأنهم كانوا يروا في مفهوم الحرية المطلقة للعمل السياسي، وأنهم تضامنوا مع الحركات الإسلاموية وحقها في التعبير رغم عنف هذه الجماعات الأيديولوجي الذي يكفر الجميع ويثنون على كتابات سيد قطب وعبدالسلام فرج وسيد إمام وغيرهم من أعلام الكتاب الذين تشكل كتاباتهم دستورًا للعمل الجهادي حتى اليوم، ويتخذون منها إطارًا وأيديولوجيةً لعملهم.

وهذا يعني أن المواجهة الضعيفة للسينما لظاهرة الإرهاب تعود بشكل عام إلى طبيعة السوق، والتعامل الآني مع الظواهر من قبل المبدعين، والخلط في مفهوم الحرية للجميع حتى للجماعات التي لا تؤمن بها من الأساس، ويستخدمون الأدوات الديمقراطية للصعود للسلطة من جانب والاستئثار بالحكم بعد ذلك، أو التغيير العنيف للمجتمع عبر الضربات الإرهابية سواء في الجامعات للطلاب أو للجيش والشرطة والمواطنين.

وبناء عليه، ونظرًا لقدرة السينما العظيمة على التغيير عبر ترك أثرها الممتد والمستمر على المشاهدين، يجب على قطاع الإنتاج السينمائي والمؤسسات الحكومية المعنية بالسينما الاضطلاع بالدور المنشود منها في التصدي لمثل هذه الظواهر، عبر إنتاج العديد من الأفلام الجيدة التي تناقش الظاهرة من مختلف جوانبها

شارك