بناء قواعد الدعم.. أساليب الاستقطاب عند «الإخوان»

الخميس 16/أغسطس/2018 - 11:44 ص
طباعة بناء قواعد الدعم.. دعاء إمام
 
منذ نعومة أظفاره، دأب حسن البنّا، مؤسس جماعة الإخوان (1928)، على البحث عن دور ديني يقوم به، وحين وجد ضالته في تكوين جمعية إسلامية داخل المدرسة، أطلق عليها جمعية «منع المحرمات»، وهي تؤدي نفس عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واقترن دوره الدعوي آنذاك بآخر اقتصادي؛ إذ كان مسؤولًا عن جمع اشتراك من أعضاء الجمعية يتراوح بين 5 و 10 مليمات أسبوعيًّا للفرد.

كان النشاط الدعوي حُجة «البنّا» لجمع المال، وكانت المدرسة هي أول مكان يزاول فيه هذا النشاط؛ لذا ربط مؤسس جماعة الإخوان بين التعليم والاقتصاد فيما بعد، فكانت نصائحه لجماعته أن يكثروا من إنشاء المدارس والفصول الليلية والاهتمام بالمراكز التعليمية التي أصبحت ركنًا أساسيًّا في سياسة الجماعة، لما لها من أثر بالغ في تربية النشء على مبادئ الإخوان، وتيسير انضمامهم للجماعة في الكِبر.

 

وكشفت وثائق سرية، أفرجت عنها المخابرات الأمريكية قبل أيام، تحمل عنوان: «بناء قواعد الدعم»، عن آليات تجنيد عناصر جماعة الإخوان، من خلال المدارس والنقابات المهنية ومراكز الشباب.


الاستقطاب في الصغر

اهتم «البنا»، بمبدأ «الاستقطاب في الصغر»؛ لذا أوصى جماعته بـ: «إنشاء مدارس لتعليم البنات وهذا يكون بعد أن يشتد ساعد الجمعيات وتقوى، وتجد المعاونة من أغنياء الأمة»، تلك المعاونة النقدية لم تكن لتدخل جيوب الإخوان إلا برفع شعارات إسلامية على المدارس، تشجع الآباء على حفظ صغارهم من موجة التغريب التي ضربت المجتمع المصري آنذاك.

 

ويكمل «البنّا» تعاليمه ووصاياه، قائلًا: «لابد من إلزام الطلاب والمدرسين بأداء الفروض بدار المدرسة، وإعداد مسجد خاص بهم تقام به الشعائر كالأذان والإقامة يقوم بها التلاميذ أنفسهم، ويقابلها أساتذتهم بالامتثال والاحترام والخشوع، فيشب التلميذ على ذلك ويقلدهم فيه، بعد هذا يمكننا أن نتصور المدرسة التي ننشدها في التعليم الأولي أو الابتدائي مدرسة كاملة المعدات على طراز أبنية المدارس الأميرية أما الذي يقوم بالإشراف العام على هذه المدارس فهي جمعيات الشبان المسلمين».

 

ومع السنوات الأولى لتأسيس جماعة الإخوان، تحصل «البنّا» على «500 جنيه منحة إنجليزية من شركة قناة السويس (شركة مصرية بيعت أسهمها كاملة لبريطانيا عام 1875) لدعم بناء مسجد ومقر الجماعة (وذلك حسبما أورد البنّا في مذكراته)»، وما فاض من هذا المال أنشأ به مدرستين بمدينة الإسماعيلية، إحداهما للبنين (معهد حراء الإسلامي)، والأخرى للبنات (معهد أمهات المؤمنين)، وفي عام 1946 ترأس «البنّا» لجنة لتأسيس عدة مدارس إخوانية.


مدارس إخوانية مدعمة

وفي يوليو 1946، زفت مجلة الإخوان المسلمون (الذراع الإعلامية للجماعة آنذاك)، نبأ مشروع المدارس الذي وصفه «البنّا» بأنه سيجلب الخير للأمة كلها، دون أن يحدد إن كان هذا الخير دينيًّا أم اقتصاديًّا، معلنًا عن فتح باب التبرع لبناء هذه المدارس، وقام عقب ذلك بتطوير الأمر ووضعه في إطاره الاقتصادي الاحترافي من خلال تأسيس شركة إخوانية، تكون مهمتها إدارة هذا المشروع الذي دلّت بداياته على أرباح ضخمة تُضاف إلى أرصدة الجماعة.

 

ولم يدخر «البنّا» جهدًا لتوسيع استثماره في مجال التعليم، فاستغل مؤسس الجماعة علاقته بمحمد حسن عشماوي، وزير المعارف، آنذاك (التعليم حاليًا)، وأرسل إليه خطابًا بتخصيص دعم مالي لمدارس الجماعة، فأرسل وزير المعارف إلى البنا رسالة جاء فيها إن وزارته ستقدم دعمًا لمدارس الإخوان يقدر بـ 75 قرشًا لكل تلميذ فى تلك المدارس، مع تحمل نفقات الكتب والأدوات المدرسية، ثم أعلن إسماعيل باشا صدقى رئيس الوزراء (تولى رئاسة الوزراء من 1930 وحتى 1933) عن تقديم دعم كامل لمدارس الجماعة.

 

انفردت مدارس الإخوان الخاصة بالدعم الحكومي، فكان هذا سببًا في انضمام آلاف الطلاب إليها، وهو ما ضمن استمرار مورد الجماعة من الأعضاء، إضافة إلى مزيد من الأموال التي كانت تُوفر للجماعة من الحكومة والتبرعات والمعونة التي كانوا يتحصلون عليها من الأثرياء؛ لدعم مشروعهم الإسلامي، بما يضمن تدفق هذا المصدر المهم لتمويل الجماعة.


الإمداد البشري

خفت نجم الجماعة في فترة الستينيات وقلّ نشاطهم، ثم عادوا مع عقد السبعينيات باتفاق مع النظام السياسي، إذ سمح الرئيس الراحل أنور السادات (1970-1981) للتيار الإسلامي بالظهور مجددًا مقابل دعمه في ضرب الشيوعيين، واستمرت تلك المدارس حتى الثمانينيات، وكان «الإخوان» يحاربون بشتى الطرق لبقائها، ليس فقط لاستمرار النشاط الوعظي ولكن لحماية الجانب الاقتصادي.

 

ومن المدارس التي ظهرت فى منتصف السبعينيات «المنارات الإسلامية»، وفى الثمانينيات زادت المدارس الإخوانية، وظهرت مدارس «الجيل المسلم» فاستقطبت نحو 7 آلاف طالب وطالبة، في مراحل التعليم المختلفة واستخدمت تلك المدارس أسلوبًا تربويًّا قائمًا على الفصل بين البنين والبنات، والحرص على أداء الصلوات، إضافة إلى الدروس الدينية التي تتخلل الحصص.

تحايُل وهروب

مع كل مرحلة زمنية كانت تلجأ الجماعة إلى حيّل للهروب من التضييق الأمني على أنشطتها، تارة يشيدون المدارس باسم الجمعيات الأهلية، وتارة أخرى يوكلون إدارتها إلى شخص من خارج الجماعة بشكل صوري، على أن تكون إدارة المدرسة فعليًا تابعة لهم؛ لاسيما أن المدارس هي بالأساس مشروع رأسمالي يهدف للربح المادي والسياسي.

 

ولم تكن المدارس الإخوانية، مقصورة على أبناء الجماعة، وإنما كانت تستقبل جميع القادرين، بينما تقتصر الإدارة على أبناء الجماعة فقط، الذين يدفعون من رواتبهم 5% أو أكثر كاشتراك شهري يتم استغلاله لتمويل أنشطة الجماعة المعتادة، إضافة إلى مزاولة الأنشطة الصيفية وأبرزها النادي الصيفي الذي يمارس أنشطة دعوية لحساب الجماعة، ويحاول اجتذاب الصغار للدعوة.

 

المراكز التعليمية أيضًا كانت محل اهتمام الجماعة؛ خاصة أن فوائدها كثّر، وأول هذه الفوائد، أنها مثلت مصدر ربح للقائمين عليها، وللإخوان ككل، والفائدة الثانية، هي استقطاب الطلاب وتحويلهم بالتدريج إلى منتسبين للجماعة، من خلال تلقينهم منهجًا تربويًّا خاصًا بالإخوان، أما الثالثة، فظهرت بعد سقوط حكم الإخوان في 2013، إذ كانت تلك المراكز مقرات لاجتماع قيادات الجماعة المطاردين من الأمن، وهو ما حدث في مارس الماضي، حين وردت معلومات إلى الأجهزة الأمنية، أفادت تردد 13 من الكوادر الإخوانية على مركز تعليمي في الإسكندرية لعقد لقاءات تنظيمية.


نقابة المعلمين

قدّم الرئيس المعزول محمد مرسي (2012-2013) كل التسهيلات للجماعة، فأمر بتعيين أحمد الحلواني نقيبًا عامًّا للمعلمين، وعمل بدوره على أخونة النقابة، كما وجهت له اتهامات عدة من بينها إهدار المال العام، واستغلال أموال النقابة في دعم اعتصامي «رابعة العدوية والنهضة»، عقب سقوط الجماعة عبر ثورة 30 يونيو 2013.

 

وكان لنقابة المعلمين أهمية اقتصادية وأخرى تعليمية: الأولى، أظهرتها نتائج تحقيقات النيابة التي كشفت عن حصول قيادات الجماعة الذين تقلدوا مناصب رفيعة داخل النقابة، على مبالغ تصل إلى نصف مليار جنيه، في الفترة من النصف الأول من عام 2013 وحتى النصف الأول من 2014، إضافة إلى فك وديعة تمتلكها إحدى النقابات الفرعية بالإسكندرية بـ2 مليون و775 جنيهًا، وتم إرسالها إلى النقابة العامة، ومن ثم توزيعها على الأوجه التي تخدم أنشطة الإخوان.

 

أما الأهمية التعليمية، فتكمن في خدمة المشروع الإخواني، الذي أراده المؤسس، إذ رأى أن استمرار تدفق العامل البشري للجماعة، لن يتم إلا من خلال السيطرة على النشء وتربيتهم منذ الصغر على مبادئ الإخوان.


مراكز الشباب

ومن الطرق الفعالة لبناء قواعد إخوانية، نشر فكر الجماعة داخل مراكز الشباب؛ تنفيذًا لتعليمات «البنّا»، إذ طالب شباب الجماعة بأن ينخرطوا في الأندية الرياضية ومراكز الشباب، وفي حال وجدوا مضايقة، فإن الحل (بحسب مؤسس الجماعة)، «أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة».

 

وقال عمرو الأشقر، عضو مجلس النواب: «إن هناك خلايا نائمة زرعتها جماعة الإخوان في مراكز الشباب، لكنها فشلت أن تكرر الأمر ذاته في الأندية الرياضية؛ نظرًا لتمتع أعضائها بثقافة عالية»، مشيرًا إلى أن انتخابات مراكز الشباب لم تجر منذ عام 2008، وهذا ما جعلها مخترقة من قبل الإخوان.

 

وأكد «الأشقر»، خلال كلمته في اجتماع لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب، والذي انعقد الإثنين 14 مايو2018، أن سيطرة الخلايا الإخوانية على مراكز الشباب تُعَجِّل من سرعة إجراء الانتخابات، قائلًا: «مش هندفن دماغنا فى الرمل».


حشد الأطفال

وقال سامح عيد، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، إن بناء القواعد الإخوانية، يعتمد بشكل أساسي على المُدرس؛ الذي يكتسب أهميته من تشكيل وعي الطفل وإقناعه منذ الصغر بمنهج الجماعة، خاصة أن مرحلة الطفولة هي مرحلة التراكم المعرفي، والتي يمكن من خلالها عسكرة الناس وحشدهم لحضور أنشطة ثقافية ورياضية، والتعاطف مع الإخوان والانضمام إلى جماعتهم، لافتًا إلى أن السلفيين كانوا يتعجبون من قدرة الإخوان على الحشد؛ ما دفعهم إلى الاستعانة بكتب الجماعة في الدعوة الفردية وبقية الكتب التي تدرس في الأسر.

 

وأكد «عيد»، في تصريحات خاصة لـ«المرجع»، أن هناك فتاوى خاصة بأهمية العمل في التدريس كانت تخص نساء الجماعة، إذ يعتبرون أن أفضل مهنة لقسم الأخوات هي التدريس، مشيرًا إلى أن دورهن كمعلمات يسمح لهن بالتواصل مع الأطفال في مرحلة الصغر.

 

وأوضح القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، أن الإخوان وصلوا للنقابات المهنية وسيطروا عليها من خلال القسم المهني داخل الجماعة، الذي ضم كل المهن المختلفة، من معلمين ومهندسين وأطباء، ومن خلاله تمكن الإخوان من اختراق العديد من النقابات المهنية والحصول على عدد من المقاعد فيها

شارك