عمر رحمون.. محطات صوفي سوري من الحضرة إلى حمل السلاح

الثلاثاء 21/أغسطس/2018 - 02:53 م
طباعة عمر رحمون.. محطات سارة رشاد
 
قضى عمر رحمون (صاحب الثلاثين عامًا) سنوات ما قبل الأزمة السورية (2011) متنقلًا ذهابًا وإيابًا بين الحضرات الصوفية التي كانت تُقام في مختلف المحافظات السورية، مرتديًا عمامةً بيضاء، وجلبابًا أنيقًا، وفوق عينيه عدسات طبية مستقرة، وكانت إطلالته المعتادة والمحببة إلى قلوب الدراويش المتصوفة تنبع من شغفهم بعذوبة صوته، وتمكنه من إنشاد قصائد صوفية نُظِّمَت في حبِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته.
«رحمون»، شيخ صوفي، وُلِدَ بـ«حلفايا»، في ريف حماة بوسط سوريا، وحصل على درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، ومن ثَم استقرت حياته كرجل ديني عادي يعمل إمامًا لمسجد حلفايا، ومنشدًا في الحضرات الصوفية.

هذا الوضع لم يستمر كثيرًا؛ إذ غيرت اندلاع الأزمة السورية شكل الحياة في بلاد الشام، ولأن الظرف السوري لم يكن عاديًّا فقد كانت التغييرات جذرية وعنيفة، حتى تجد الصوفي صاحب المنهج السلمي الداعي للحب والسلام قد تحول فجأة لمتطرف حاملًا للسلاح، وبالطبع كان الشيخ الصوفي من بين هؤلاء الذين مسهم هذا التغيير.

وتبدأ قصة تقلبات «رحمون»، من حضوره بشكل فاعل في دعوات إسقاط النظام عام 2011، ورغم ابتعاد الصوفية دائمًا عن السياسة؛ فإن صورًا ومقاطع فيديو التقطت لـ«رحمون»، مرتديًا جلبابه الصوفي، وهو يتزعم التظاهرات ويهتف بعبارات غريبة على الصوفية من حرية وتغيير النظام.
العام 2012، كان هو تاريخ التحول الأعنف في حياة «رحمون»؛ إذ انتقل من العمل السياسي السلمي، إلى العسكري ومعه تخلى عن هيئته الصوفية ليطل بلباس سلفي داخل مسجد مخيم الضباط المنشقين عن الجيش السوري بتركيا، وفي هذه الفترة عمل إمامًا وخطيبًا للمسجد، ولم تكن خطبه (المقدمة تحت رعاية الدولة التركية) كتلك التي اعتاد قولها بمسجد قريته في حلفايا قبل 2011؛ إذ دخلت عليه مصطلحات لم يكن يرددها من قبل مثل: «الكفر، والردة، والدولة الإسلامية».

في هذا الوقت كانت الساحة السورية تشهد صعود كيانات دينية مسلحة، بعضها كان محلي المنتج، وبعضها الآخر قدم من الخارج بفعل تدخلات دولية، ومن بين هذه الجماعات كانت «حركة أحرار الصوفية الإسلامية»، التي قرأ «رحمون» بيان تأسيسها بنفسه في 7 أبريل 2012.

مثلت «أحرار الصوفية» صدمة في الساحة العربية؛ إذ جاءت متناقضة مع منهج الصوفية المناهض للعنف، ورغم الخلفية الصوفية للحركة الجديدة، فإنها لم تحتفظ بأي خصوصية عن تلك الجماعات المسلحة القادمة من خلفيات جهادية.
والأكثر من ذلك أن الحركة الصوفية جاءت منفتحةً على أي فصيل جهادي دون أدنى تحفظ على فكرة، حتى إن البيان التعريفي بها جاء فيه: «هي حركة إسلامية وسطية غايتها إسقاط نظام الأسد، والدفاع عن المدنيين، وإنني أدعو الكوادر الصوفية كافة في سوريا إلى الانضمام لهذه الحركة المباركة، وإننا نمد يدنا لجميع المقاتلين والمجاهدين في هذا البلد، وبابنا مفتوح ولا عدو لنا إلا الأسد».

هذا الانفتاح لم يقابل بانفتاح مثله من بعض التكفيريين في المشهد السوري؛ إذ تلقت الحركة انتقادات من قبل أصوات تمسكت بلغة الهجوم على الصوفية، واتهامها بالتخلي عن «الجهاد» كفريضة مكتفية بالجلوس داخل الزوايا والمساجد.

وفي المقابل دفعت جماعات تكفيرية في دول أخرى باتجاه دعم الحركة؛ إذ ظهر في مقطع فيديو عبر القناة الرسمية لـ«أحرار الصوفية» على «اليوتيوب» سيارة مشحونة بمواد غذائية، مصحوبًا بصوت شخص يقول: «هذه السيارة دعم من إخواننا المجاهدين في ليبيا لحركة أحرار الصوفية الإسلامية».
وتُعد «أحرار الصوفية»، مدخل «رحمون» إلى العمل العسكري؛ إذ كانت بوابته للانخراط في صفوف جماعات تكفيرية ليست صوفيةً عملت في مناطق حلب (شمال غربي سوريا)، وريف حماة (وسط سوريا)، وإدلب (شمال سوريا)، وشغل في هذا الفترة أكثر من منصب قيادي، من بينهم تعينه ناطقًا رسميًّا باسم «جيش الثوار»، الذي يعمل تحت راية قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أمريكيًّا، وكان أحد رموز العمل المسلح في سوريا، ودعمه في ذلك شقيقه سامي رحمون، زعيم كتيبة «أبوالعلمين» التابعة للجيش الحر (كيان منشق عن الجيش السوري النظامي).

وفي العام 2015، اختفى «رحمون»، من المشهد ثم تفاجأ التكفيريون بعودته في ديسمبر 2016 مفاوضًا باسم النظام السوري في اتفاق ما عرف بـ«شرق حلب»، الذي أدى إلى السماح بخروج 4 آلاف مسلح بأسلحتهم الفردية، ومن رغب من المدنيين، وتسبب توقيع «رحمون» باسم النظام في شن هجوم عليه؛ إذ اعتبره مسلحون جاسوسًا على ما يسمونه «الثورة»، وكان يعمل بها لنقل أخبارهم للنظام.

ورد «رحمون»، عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، على المزايدين، قائلًا: إنه لم يكن ممثلًا مباشرًا عن النظام، بل كان مفوضًا منه للتفاوض عنه. وفي لقاء له مع إحدى الصحف قال، إن تدخله في الاتفاق جاء بطلب مما يُعرف بـ«حركة أحرار الشام الإسلامية».
وعلى خلفية هذا التدخل والهجوم عليه تعرض لمحاولة اغتيال من قبل ما يعرف بـ«جبهة النصرة» (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا)، ليتواصل بعدها مع النظام ويسوي أموره معه ليعمل من وقتها في العمل الإنساني، وتناول الوضع السوري بالتحليل.

ولم يعد «رحمون»، يرى أن ما يحدث في سوريا «ثورة»، ويقول حول هذا عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، إنه لم يثُر ضد النظام السوري من أجل أن يسيطر داعش، والقاعدة على بلاده، مؤكدًا أن الثورة السورية تم اختراقها من قبل كيانات إرهابية؛ ليصبح العمل الوطني من وجهة نظره في هذه الوقت هو الوقوف إلى جانب النظام.

شارك