«تحريك جعفرية باكستان».. إرهاب إيراني يعصف بدول آسيا

الأربعاء 26/سبتمبر/2018 - 08:38 ص
طباعة «تحريك جعفرية باكستان».. نورا بنداري
 
تُعد باكستان ثاني دولة (بعد إيران) يعتنق مواطنوها المذهب الشيعي، حيث يمثل الشيعة الباكستانيون 20% من تعداد سكان البلاد، وهذا ما جعل النظام الإيراني يعمل على توسيع دائرة نفوذه في دول جنوب آسيا عامة، وفي الأراضي الباكستانية بشكل خاص، معتمدًا في هذا على ميليشياته وتنظيماته الشيعية الموجودة هناك.

 

ومن أبرز الميليشيات والتنظيمات الشيعية الموجودة على الأراضي الباكستانية؛ قوة ميليشيا «لواء زينبيون» وهم مقاتلون شيعة باكستانيون يعملون كقوة قتاليَّة إقليميَّة تخدم الأجندة الإيرانيَّة خارج الحدود، وجماعة «تحريك جعفريَّة باكستان» وهي جماعة شيعيَّة تنشط في مدينة «فيصل آباد» بوسط باكستان، وتلقى دعمًا كاملًا من إيران، وصنفتها الحكومة الباكستانيَّة بـ«المنظمة الإرهابيَّة»، وأصدرت قرارًا بحظرها، وتسببت هذه الجماعة في حدوث العديد من مشاحنات بين السُّنة والشِّيعة في إسلام آباد.


وفي 13 من سبتمبر عام 2018؛ نشر موقع «فوكس نيوز» الأمريكي، تقريرًا أوضح فيه أن طهران تبذل جهودًا عديدة لتوسيع نفوذها في باكستان من خلال تقديمها الدعم للجماعات الشيعة والطائفية هناك، وأشار الخبير الاستراتيجي في مركز لندن للدراسات «أنتوني شافر» في تصريحات للموقع أن إيران تساعد متمردين شيعة في باكستان على تنظيم صفوفهم، وتجري محاولات عدة لتمويل ومساعدة جماعات انفصاليَّة من «السند» و«بلوشستان»، لزعزعة جهود «واشنطن» في محاربة الإرهاب، مؤكدًا أن أبرز تلك الجماعات هي جماعة «تحريك الجعفريَّة» الباكستانيَّة.

 

ووفقًا لما نشره الموقع الأمريكي؛ فإن نائب زعيم جماعة «تحريك جعفريَّة باكستان»، المعروف بـ«ديدار»، اعترف بأن لجماعته صلة بإيران، قائلًا: «لدينا آيديولوجية مشتركة تدعونا للوقوف متحّدين خلف المرشد الأعلى «علي خامنئي» الذي نعتبر كلماته أمرًا لنا»، وتسعى إيران من خلال دعمها لهذه الجماعة المحظورة (حسبما أورد «فوكس نيوز») إلى تجنيد معظم شيعة باكستان، وإقناعهم بالانضمام إلى المقاتلين الشيعة في سوريا.


تغلغل إيراني

حينما قامت ما يُسمى بـ«الثورة الإسلاميَّة» في إيران عام 1979، اتجه «شيعة باكستان» إلى ممارسة العمل السياسيّ بطريقة أوسع، وذلك من خلال تأسيس منظمات وجمعيات وحركات شيعيَّة خاصة بهم، وقد شهدت فترة الثمانينيات تناميًا هائلًا في أعداد المنظمات الدينيَّة والسياسيَّة الشيعيَّة داخل باكستان (يُقدر عدد هذه المنظمات بـ33 منظمة شيعيَّة دينيَّة وسياسيَّة تقريبًا، جرى تشكيلها بباكستان في أعقاب اندلاع الثورة الإيرانية، ونشطت غالبية هذه المنظمات في المجال السياسي، إضافة إلى النشاطات الطائفيَّة الأخرى)؛ كما طالب الشيعة الحكومة الباكستانية بإعطائهم حقوقًا دينية وسياسية مميزة.

 

وعمد «شيعة باكستان»، في أعقاب قيام الثورة الإيرانية إلى استخدام العنف، بعد أن نظموا صفوفهم، بُغية تصدير الثورة الإسلامية وتحويل باكستان إلى مرتكز شيعي تابع لـ«نظام الخميني»؛ إلا أن هذا الأمر واجهه السُّنة في باكستان بكل حزم، رافضين محاولات التغلغل الإيراني في المجتمع الباكستاني، مما أدي إلى حدوث صراع طائفي مازالت باكستان تعاني منه حتى الآن.

 

للمزيد: التوجه شرقًا.. التمدد الإيراني في «أفغانستان» و«باكستان»

تأسيس «تحريك الجعفرية»

وفي خضم هذه الأحداث؛ تأسست جماعة «نفاذ فقه الجعفري» أو ما تعرف حاليًا باسم «تحريك الجعفرية» عام 1979، برئاسة «جعفر حسين»، وكان هدفها الأساسي تغيير هوية باكستان، وجعل مرجعيته شيعية، وتغليب الفقه الجعفري الإثنا عشري على فقه أهل السنة والجماعة، مما أدي إلى حدوث خلافات طائفية عدة بين أبناء البلد الواحد، هددت أمن واستقرار إسلام آباد.



وفي عام 1980، حاولت جماعة «تحريك الجعفرية» فرض سيطرتها، عن طريق إظهار قوتها والدخول في معترك السياسة ومنافسة السلطة الباكستانيَّة الحاكمة آنذاك، وقد جاءت هذه الخطوة عقب أن أقر الحاكم العسكري الباكستاني الراحل «ضياء الحق»، قانونًا جديدًا يفرض خصم الزكاة من أموال كل المسلمين في باكستان، فما كان من الجماعة المدعومة من طهران إلا أن نظمت مظاهرة كبرى في إسلام أباد اعتراضًا على هذا القانون، بهدف إجبار الحكومة على إعفاء الشيعة من الخصم الإلزامي للزكاة، وجرت اشتباكات دموية مع السلطات، أرغمت الحكومة الباكستانيَّة على تنفيذ مطالب الشيعة.



وتمخض عن هذه الاشتباكات ما عُرف بـ«اتفاق إسلام أباد»، الذي أعفى الشيعة من البنود القانونية المتعلقة بخصم الزكاة من حساباتهم المصرفية، إضافة إلى الاتفاق على أن يدرس الطلبة الشيعة منهجًا منفصلًا في مواد الدراسات الإسلاميَّة عن نظرائهم من السنة، وتدخل وقتها مرشد الثورة الإيرانيَّة الراحل «آية الله الخميني» في التوصل إلى هذا الاتفاق، وطلب الحصول على تأكيدات من «ضياء الحق» بتلبية مطالب الشيعة.

«الخميني» ينهي خلافات الجماعة

بعد أن توفي رئيس «تحريك الجعفرية»، «جعفر حسين»، في أغسطس من العام 1983، نشب صراع بين من يرغبون في تولي قيادة الجماعة (كل منهم كان يرى نفسه أحق من غيره بالدعم المالي القادم من إيران)، واستمر هذا الصراع حتى فبراير 1984، بقيت خلالها الجماعة بدون رئيس، حيث انشق المتصارعون إلى مجموعتين، الأولي: في مدينة «باراجنار» الباكستانيَّة، مقر شيعة البشتون من المناطق الشمالية، والذين اتفقوا على تعيين «عارف حسين الحسيني»- من علماء الدين الباكستانيين وأحد تلامذة «الخميني» -رئيسًا للجماعة، بينما المجموعة الثانية كانت في مدينة «جهلم» الواقعة في قلب إقليم بنجاب، وبدورهم اختاروا «حامد علي شاه الموسوي» رئيسًا.



ولأن هذا الصراع كان يؤثر على مشاريع «الخميني» الطائفية في المنطقة؛ فقد تدخل المرشد الإيراني للفصل في هذا الأمر، وبادر بإصدار قرار رسمي عين خلاله «عارف الحسيني»، رئيسًا لجماعة «تحريك الجعفرية»، وكان دافعه في هذا الاختيار كون الأخير من المناطق النائية البعيدة عن العاصمة الباكستانيَّة، والناقمة على الحكومة المركزية، لذلك يسهل استغلاله في المخطط الذي وضع لتفتيت باكستان وتدميرها، وبالفعل استجابت الجماعة الثانية التى كانت معارضة لتعيين «الحسيني» لقرار «الخميني» لكي لا تحرم من الأموال الطائلة التي كانت تأتيها من إيران.


الذراع المسلحة للجماعة

تولي «سيد ساجد علي نقوي»، المعروف بـ«ساجد نقوي»، قيادة الجماعة بأمر من طهران، ليكون نائبًا لنظام «ولاية الفقيه» في باكستان، وذلك خلفًا لسابقه «عارف الحسيني» الذي وقع ضحية الصراع على القيادة في مؤامرة قادها «نقوي» ليتولى مكانه، لأنه كان يرى نفسه أحق بقيادة الحركة من «الحسيني»، لذلك اشترك مع «حامد الموسوي» (كانت تربطهما صداقة قديمة) في اغتيال «الحسيني» عام 1988،  وبالتالي تولى قيادة الجماعة بعده.



وعقب أن تولى «ساجد نقوي»، رئاسة الجماعة، غير اسمها من جماعة «نفاذ فقه الجعفري»، إلى «تحريك الجعفرية الباكستانيَّة»، وفي عام 1993 كلف اثنين من أتباعه، هما: «مريد عباس يزداني» و«غلام رضا نقوي»، بتشكيل جناح عسكري، فظهرت مجموعة داخل صفوف الجماعة ينتهجون العمل العسكري، وأطلق عليهم «سباه محمد» أو «جيش محمد» (صنفت كمنظمة إرهابية)، ونفذت هذه المجموعة وفقًا لما قاله «محمد أمير رنا» في كتابه «المنظمات الجهادية في باكستان»، ما يقارب الـ250 عملًا إرهابيًّا، وذلك بدءًا من عام 1993 وحتى 2001، كما أنها ارتكبت أبشع الجرائم في باكستان؛ من تفجير مساجد السنة، واغتيال أشهر العلماء والقادة، أمثال: الشيخ إيثار القاسمي، والعلامة حق نواز جنكوي، والدكتور حبيب الله مختار، وغيرهم.



وفي أغسطس من عام 2001، صنفت الحكومة الباكستانيَّة «سباه محمد» الجناح العسكري لجماعة «تحريك الجعفرية»، منظمة إرهابية، وفي يناير من العام 2002، أصدرت الحكومة قرارًا بحظر وتفكيك الجماعة؛ لذلك أصدر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الحالي «علي خامنئي»، أمرًا لـ«ساجد نقوي» بتشكيل منظمة تحمل اسم «شيعة علماء كونسل»، لتكون ذراع إيران في تنفيذ المخطط الشيعي في باكستان، ومازالت هذه المنظمة الطائفيَّة تنفذ ما يملى عليها من قبل المرشد الإيراني، وقد شكلت عدة ميليشيات عسكريَّة تقوم بالأعمال الإرهابيَّة تحت عناوين مختلفة، منها: «جيش مختار» أو «مختار فورس»، و«مهدي ميليشيا»، و«سباه محمد»، وفي ديسمبر 2015 أحالت وزارة الداخلية الباكستانيَّة قائمة بأسماء 61 تنظيمًا وجماعة محظورة إلى مجلس الأعيان، بعد أن ثبت تورطهم في أنشطة إرهابيَّة، وصدر قرار بعدم السماح لأية منظمة ذات صلة بالإرهاب والتطرف بالعمل في البلاد، خاصة الجماعات المحظورة التي تحاول العودة تحت أسماء جديدة، والتي من بينها «تحريك الجعفرية» التي تمخضت عنها تنظيمات عدة.

للمزيد: جوانب التوغل الإيراني في باكستان.. التأثير والمستقبل

ورغم حظر الحكومة الباكستانية لجماعة «تحريك الجعفرية»؛ لكن الجماعة ما زالت تعمل على تهديد أمن باكستان، من خلال تغذية العنف الطائفي بدعم وأوامر من طهران التي تحاول التوغل ونشر مذهبها الشيعي داخل باكستان، التي تربطها معها حدود مشتركة، فالمسافة بينهما قريبة، فالحدود «الإيرانيَّة - الباكستانيَّة» المتعرجة يصل طولها إلى أكثر من 1000 كم، ولذلك عمل النظام الإيراني على تدشين عدة منظمات شيعيَّة ما بين معاهد وجامعات تعليميِّة، هدفها الأول والأخير اتباع الولي الفقيه، واستغلالهم لإحداث الفتن في دول العالم الإسلامي.

شارك