تجاهل " طهران " للآقليات المذهبية والدينية .. يهدد جمهورية الخوف

الإثنين 15/أكتوبر/2018 - 12:08 م
طباعة  تجاهل  طهران  للآقليات روبير الفارس
 
تغيب الصورة الرسمية  للاعلام الايراني التعدد العرقي والمذهبي داخل ايران   لذلك يظن البعض ان ايران باكملها  فارسية العرق وشيعية المذهب حيث يتم تجاهل عمدي لكل من  الأذريون والجيلاك والأكراد والعرب والبلوش والتركمان  والارمن  واليهود من هذه العرقيات في إيران.

فحسب المصادر الرسمية يشكل الفرس 51% من السكان البالغ عددهم قرابة 70 مليون نسمة، في حين يشكل الأكراد 24% والجيلاك المازندارنيون 8% والأذريون 7% واللور 7% والعرب والبلوش والتركمان 2% لكل منهم، وبقية العرقيات 1% من السكان. هذه الأرقام قد تزيد وتنقص حسب مصادر بعض هذه القوميات التي تدعي أرقاما أعلى من تلك الأرقام الرسمية.ويتميز المشهد القومي الإيراني بتداخل ما بين المذهبية والقومية كما أن امتداداتها الجغرافية الإقليمية تضيف إليه بعدا إقليميا مما يجعل الأمر غاية في التعقيد.

فمعظم الأقليات العرقية في إيران يقطنون المناطق الحدودية, فالعرب في الجنوب والجنوب الغربي، والبلوش في الجنوب والجنوب الشرقي، والتركمان في الشمال والشمال الشرقي، والأذريون في الشمال والشمال الغربي وأجزاء في الوسط، والأكراد في الغرب.

وبنظرة سريعة على الخريطة العرقية في المنطقة المحيطة نجد أن هذه العرقيات لها امتداداتها في الخارج، فالعرب يمتدون إلى العراق ودول الخليج في الجنوب، والبلوش لهم امتدادهم في إقليم بلوشستان في باكستان وأفغانستان، أما التركمان فيجاورون تركمانستان، والأذريون يقطنون جنوب جمهورية أذربيجان، والأكراد جزء من الحلم الكردي الكبير في تركيا وكردستان العراق. والارمن في ارمينيا 

وأما العامل المذهبي في النسيج العرقي الإيراني فيشكل بعدا هاما آخر, فحسب الأرقام الرسمية فإن 89% من سكان إيران يدينون بالمذهب الشيعي ويشكل أهل السنة 10% ويتوزع 1% بين  المسيحيين الأرمن واليهود والزرادشتة وغيرهم.

وفيما يشكل معظم الفرس والأذريون والجيلاك والعرب سواد الشيعة، يشكل الأكراد والبلوش والتركمان وبعض العرب والفرس في الأقاليم الجنوبية والشرقية سنة إيران الذين يدعون أن نسبتهم تفوق 20% وينتقدون سياسات التضييق والتجاهل المتعمد من قبل الحكومة المركزية في طهران خصوصا في فترة ما بعد الثورة الإسلامية التي طالما رفعت شعار الوحدة الإسلامية.

تاريخيا ورغم التسلط السياسي للأتراك لحقب طويلة في إيران فإن اللغة والثقافة الفارسية بقيت هي المسيطرة على إيران والمنطقة بشكل كبير، ومع انتقال السلطة السياسية إلى الأسرة البهلوية الفارسية بعد انتهاء حكم القاجاريين في عشرينيات القرن الماضي أصبحت اللغة والثقافة الفارسية أحد أهم عناصر الهوية الإيرانية في القرن العشرين، كما لعب المذهب الشيعي دورا مهما كذلك في ترسيخ دعائم هذه الهوية التي سعت لإثبات نفسها أمام المنافسين الأتراك والعرب في المنطقة.

ورغم النجاح الكبير الذي لعبته إيران في إيجاد الهوية الإيرانية -ولو على حساب بعض حقوق الأقليات العرقية والمذهبية- فإن الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها إيران حاليا وما يحدث حولها من تطورات سياسية واجتماعية وأمنية في حقبة ما بعد الانهيار السوفياتي وعصر التفرد الأميركي، يبدو أن المشكلات العرقية التي كانت قد خمدت تحت رماد الأيام وجدت من ينفخ فيها، مما يجعل التحدي أمام طهران سافرا وقويا لترتيب العلاقة مع هذه الأقليات حفاظا على تماسكها العرقي وعدم السماح لأميركا باستخدام ورقة العرقيات ضدها في هذه المرحلة الحرجة من مواجهتها ضد الغرب.

السياسة الحالية

السياسة الحالية
لقد دأبت الحكومات الإيرانية خلال الثمانين عاما الأخيرة التي استلم فيها الفرس البهلويون دفة الحكم من الأتراك القاجاريين، على ترسيخ الهوية الإيرانية المتمثلة في اللغة والتاريخ والثقافة الفارسية والمذهب الشيعي خصوصا في فترة ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979.

غير أن هذا التوجه أدى إلى إيجاد الكثير من عدم الثقة لدى العرقيات الأخرى وصل إلى حد المواجهات الدموية في فترات مختلفة من تاريخ إيران المعاصر.

لقد حاول الأكراد إقامة جمهوريتهم عام 1946 باسم جمهورية مهاباد غربي إيران غير أنها سقطت بعد 11 شهرا وتم إعدام قادتها وبقيت المعارضة الكردية اليسارية فعالة ضد طهران في حقبتي الشاه والثورة الإسلامية إلا أن معظم بقية قادتها تمت تصفيتهم من قبل المخابرات الإيرانية في الغرب.

وشهد نفس العام تحركات من القوميين الأذريين لإيجاد جمهورية مستقلة للأذريين شمالي إيران غير أنها فشلت وبسطت حكومة الشاه سيطرتها بالكامل على تلك المناطق.

وعبر مراجعة التعامل الرسمي لطهران مع ملفاتها العرقية نجد أنها آثرت التعامل بجدية مع أي نزعات عرقية متطرفة وتحجيم التطلعات العرقية عبر مطاردة وتضييق الخناق على التيارات التي تتحرك وسط الأقليات بأطروحات تعتبر عدائية للحكومة المركزية.

ويتم التضييق والمطاردة تحت مسميات كثيرة مثل مكافحة التيارات الشيوعية والوهابية والعمالة للمخابرات الأجنبية ومكافحة التهريب والمخدرات خصوصا في الحالة البلوشية حيث تنشط فيها تجارة المخدرات وتهريبها من باكستان وأفغانستان.

وبعيدا عن هذا التعامل المتشدد تعاني هذه الأقليات التي تقطن الحدود في معظم الحالات (خصوصا الأكراد والبلوش والعرب) من الفروق الواضحة من حيث مستوى المعيشة والتعليم وفرص التعليم والعمل والرعاية الصحية والاجتماعية إضافة إلى شعورهم بأنهم مواطنون من درجة ثانية أو ثالثة أحيانا.وفي أعقاب هجوم الثاني والعشرين من سبتمبر في الأهواز، في إقليم خوزستان الإيراني، أشار الكثيرون إلى السكان العرب في المنطقة. لكن على خلاف الأقليات العرقية الأخرى في البلاد - على سبيل المثال، الأكراد في الشمال الغربي والبلوش في الإقليم الشرقي سيستان وبلوشستان ومحافظة كردستان الغربية - فإن هؤلاء العرب هم في الغالب من الشيعة. ومنذ عقد من الزمن، قامت مجموعة كبيرة من الإيرانيين في المنطقة باعتناق الإسلام السني-  وهولاء غير السنة  الاصليين - وذلك رداً على التمييز المنهجي ضد المواطنين العرب ورغبتهم بأن يتم الترحيب بهم من قبل الحركة القومية العربية، ولكن سرعان ما تبدّد هذا المسار. وربما حدث ذلك لأن الهوية القبلية تعلو على النزعة الدينية في التركيبة الاجتماعية للمجتمع العربي في الأهواز.ويقول الباحث مهدي خلجي بتقريره المنشور في معهد واشنطن لسياسيات الشرق الادني 
ان هذه القاعدة القبلية شكلت  عقبة رئيسية أمام التوحيد والتجدد على الصعيد الوطني في ظل حكم رضا شاه بهلوي، الذي حاربت حكومته ضد قوات الشيخ خزعل الكعبي، الرجل القوي الذي ترأس المنطقة. ومع الانتصار النهائي للحكومة المركزية عام 1925، تولّت السيطرة الكاملة على خوزستان. ومع ذلك، سعى رضا شاه إلى التوفيق بين أهالي المنطقة، من خلال اتخاذه تدابير مثل حظر التعليم المدرسي في اللغات المحلية ومنع طباعة المنشورات بأي لغة غير الفارسية - اللغة الرسمية للبلاد. ومنذ ذلك الحين، أثارت مثل هذه الإملاءات الخلافات والاحتكاكات.

تجاهل الاقليات

وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، اتبعت القيادة الإسلامية نهج قيادة سلالة بهلوي من خلال الاستمرار في تقويض مطالب الأقليات العرقية. ففي عهد البهلويين، أصبحت خوزستان الغنية بالنفط، والتي تعج بالشركات النفطية ومعامل التكرير، إحدى أكثر المحافظات الإيرانية تطوراً وازدهاراً، لكن حرب الثماني سنوات مع العراق ألحقت دماراً واسعاً بالإقليم.

وقدم الباحث " خلجي "  احتمالين  لتفسير الروابط بين العرب الإيرانيين - الذين يتركزون بشكل كبير في خوزستان - والعرب في الخارج هما 

التفسير الاول  ويرجح العلاقة القبلية التاريخية بين عرب خوزستان والعرب في محافظة البصرة المجاورة، في العراق. في الواقع، أدّت الحدود التي رُسمت في القرن العشرين إلى إحداث تقسيم في كل من القبائل والعشائر، مثل بني كعب وبني سعيد وبني طرف وبني خالد وبني تميم وبني أسد وكنانة. وعلى مدى العقد الماضي، سهّل فتح الحدود قيام تفاعل وعلاقات على نطاق واسع ضمن الأُسر والقبائل، مما خلق بدوره مخاوف أمنية للحكومة الإيرانية. ويظهر ذلك بشكل خاص من خلال قدرة العناصر المناهضة للحكومة مثل جماعة "مجاهدي خلق" والجماعات السلفية على العبور إلى البلاد. وبالنظر إلى مكانة البصرة كمركز تاريخي للشيعة الأخبارية، فإن العرب في خوزستان لا يثقون كثيراً في المؤسسة الدينية الشيعية الرسمية. ولا يشاطر الأخباريون - أو "الحرفيون" [الذين يؤولون إلى تفسيرات حرفية للنصوص المقدسة]- وجهات نظر المدرسة الأصولية المهيمنة في إيران، ويتسمون بالهدوء سياسياً. كما أنهم لا يؤمنون بشرعية "الاجتهاد" وليس لديهم أي "مراجع تقليد"، كما تقتضيه الأصولية الشيعية. بالإضافة إلى ذلك، تعزز العلاقات القبلية وأوجه التقارب اللاهوتية المشاعر المعادية للحكومة داخل عرب خوزستان والمشاعر المعادية لإيران داخل المجتمع الشيعي في جنوب العراق.
والتفسير الثاني  ويرجح دور النخب العربية الإيرانية، التي أصبحت عصرية على الطراز الغربي نتيجة لتحديث عصر البهلوية، وتميل إلى أن تكون علمانية وداعية للوحدة العربية. منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، شكّلت القومية العربية مصدر قلق أمني للنظام، ووصل ذلك ذروته أثناء الحرب بين إيران والعراق وظهور جماعات مؤيدة لصدام. وأدت العروبة المتضافرة مع الطموحات الانفصالية إلى ظهور جماعات معارضة منظمة وصراع مستمر بين الحكومة والنشطاء العرب. ويتهم هؤلاء النشطاء الجمهورية الإسلامية بتنفيذ سياسات تمييزية ضد العرب، بتعمدها إبقاء الإقليم متخلفاً وفقيراً، ومنعها المواطنين العرب من شغل مناصب حساسة أو رفيعة المستوى في المكاتب الحكومية.
وبشكل عام وغير محدد، يوضح المجتمع العربي في خوزستان السبل التي غالباً ما تتجاوز فيها الانقسامات في الشرق الأوسط تلك القائمة بين السنة والشيعة، أو بين العرب والفرس. وبالنسبة للنظام الإيراني على وجه الخصوص، وفي ضوء الاعتداء الإرهابي الأخير، قد تكون الطموحات العرقية والقبلية المعقدة في خوزستان مصدر مشاكل مستقبلية، إن لم تكن مصدر أزمات.
ويتوقع محللون مع استمرار سياسية طهران في تجاهل متطلبات الاقليات العرقية والمذهبية بها  ان تتحول هذه الاقليات لقنابل تفجر الجمهورية التى تدعي الحكم الديني من الداخل  خاصة مع تأزم المشاكل الاقتصادية  بايران 

شارك