داعش بعد هزائمه على الأرض.. محاولاته للعودة الافتراضية عبر مشروع "شباب الخلافة"

الأحد 11/نوفمبر/2018 - 04:27 م
طباعة داعش بعد هزائمه على حسام الحداد
 
لا شك أن هزائم "داعش" المتكررة على الأرض جعلته يتشبث أكثر بالمواقع الإلكترونية، حيث يحاول خلق وجود بديل عن وجوده على الأرض، ذلك الوجود الذي بدأ في التقلص منذ عام تقريبا بعد هزائم متتالية في العراق والشام أصابت التنظيم في عدد ليس قليل من كوادره، وهو الأن يحاول بكل الطرق تجنب التجمعات الكبيرة في وحدات عسكرية، حتى لا يكون هدفا سهلا للأنظمة، فاتخذ استراتيجية الذئاب المنفردة لتنفيذ أعماله من ناحية ومن ناحية أخرى يحاول بكل الطرق أن يتواجد على الشبكة الإلكترونية بإصدارات جديدة بعد أن فقد الكثير من مواقعه على نفس الشبكة في الآونة الأخيرة.
من بين المنصات الجديدة التي دشنها داعش مجلة "شباب الخلافة" ليقوم من خلالها بجذب أجيال جديدة من الإرهابيين الذين يسهل استقطابهم والتأثير عليهم، مدعين أن تلك المجلة تحتوي على مواد لم تُنشر من قبل في المؤسسات المناصرة حيث كان السبق في نشرها في المجلة، زاعمين أن هذا تطور وتنسيق عال بين المؤسسات المناصرة، حسب زعمهم. 
ويحتوي العدد الثاني من المجلة على العديد من التصميمات الدعائية التحريضية، حيث بدأها بالتحذير من استعمال الهاتف المحمول واعتباره الجاسوس المثالي مقتبسًا إياه من مجلة النبأ الرسمية التابعة للتنظيم الإرهابي، ثم اتبعه بمقدمة تعريفية للمجلة بأنها "مناصرة للعناصر الداعشية، والقائم عليها هم مجموعة من أنصار التنظيم الإرهابي ومن مؤسسات عدة".
ومن بين تلك المؤسسات "أشهاد الإعلامية، والدرع السني، والصقري للعلوم الحربية، والعبد الفقير"، منوهين على أن الكتابة في المجلة ليست حكرًا على أحد أو على كادر، بل يمكن للجميع أن يشارك فيها من خلال إرسال المواد المرئية أو المقالات أو الخواطر، في محاولة منهم لجذب العديد من الشباب المتحمس إليهم. 
وردا على الإصدار الجديد من "شباب الخلافة" قال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية إن تنظيم داعش الإرهابي قد أطلق مجلته الجديدة "شباب الخلافة" بهدف أن تكون منبرًا لجذب الشباب وتجنيدهم وحثهم على الانضمام إلى التنظيم أو القيام بالأعمال الإرهابية تحت اسم "الذئاب المنفردة".

مضمون المجلة:
بالبحث والتدقيق في مضمون المجلة ورسائلها، نجد أنها مجلة تعتمد على الصورة أكثر من الكلمة، وإن كان إخراجها أقل مما اعتاد عليه تنظيم داعش، وربما يعود ذلك إلى رغبة داعش أن يظن الجمهور أنها مجلة من إخراج المناصرين وليست من منابر التنظيم الإعلامية كما يدعي هو، إضافة إلى أن كافة رسائلها تعتمد على الإثارة والتشويق وسرد قصص للمنضمين للتنظيم من الدول الأوروبية من المناصرين ومدى تحملهم العناء في سبيل نصرة "الحق".
كما أنه -على غير عادة التنظيم في إصداراته السابقة- يفسح المجال أمام المشاركات الأدبية كالشعر والنثر والمقال، باعتبارها أشكالًا من المشاركة التي يمكن أن يسهم فيها الشباب، والتي تعكس حجم الدعم والمساندة للتنظيم، غير أن المساحة الكبرى في المجلة متاحة للصورة، وهي إحدى أهم لغات شبكات التواصل الاجتماعي، وتلقى قبولًا واسعًا لدى فئات الشباب على تلك الشبكات.
وتحث المجلة الشباب وبشكل متكرر على المشاركة في تلك المجلة وإرسال الكتابات والتصميمات إلى حسابات التنظيم على التليجرام، وهو الموقع الذي يشهد رواجًا كبيرًا لدى معظم التنظيمات التكفيرية، واحتل المرتبة الأولى في سلم المواقع المفضلة لدى الإرهابيين.

الفئة المستهدفة:
 الفئة الأولى المعنية بهذا الإصدار هم الشباب من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة أصحاب العاطفة الدينية الكبيرة وقليلي العلم ممن يميلون إلى اتباع الشعارات الكبرى التي ترفعها تلك التنظيمات كالخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة، والجهاد، وأرض الإسلام، وغيرها من الشعارات الكبرى التي تستخدم مدخلًا لدى فئات الشباب صغير السن، ويتضح هذا الاستهداف المباشر والقوي للشباب وخاصة صغير السن منهم، من الكلمات والمصطلحات المستخدمة في هذا الخطاب، وتغيير اسم "الذئاب المنفردة" ليكون "الأسود المنفردة" وهي كلمات تحفيزية تثير حماسة الشباب وتدفعهم إلى البذل والتضحية ومواجهة الصعاب، للوصول إلى الحور العين في الجنة الموعودة، التي تكرر ذكرها في القصص التي وردت في المجلة، والتي يدرك التنظيم أنها أساليب ناجحة في خطاب الشباب وإقناعهم بالانضمام إلى التنظيم والقتال في صفوفه.
كما أن أبيات الشعر التي وردت في العدد الأول من هذه المجلة تهدف بشكل مباشر إلى إثارة حماس الشباب بشكل كبير، والبعد بهم عن الخطاب الديني المبني على النصوص، والتركيز على الخطاب الحماسي الذي يخاطب الحس والشعور لدى الفئات الشبابية الأكثر استجابة لتلك الأبيات.
ما بين السطور:
بالرغم من ادعاء التنظيم أن هذه المجلة لا تعبر بشكل رسمي عن التنظيم، وإنما هي مجموعة منتقاة من مشاركات المناصرين، لكن التدقيق في المواد المنشورة ومضمونها، وطريقة التحرير، وعرض الصور واختيارها، يخبرنا أنها نتاج العقل الداعشي نفسه الذي صَدَّر مجلات "النبأ – رومية – دابق ... إلخ"، وهذا الاختلاف في الشكل والمضمون إنما هو عمل متعمد لإقناع جمهور الشباب بأنها مجلة شبابية من نتاجهم وإخراجهم بما يدعوهم إلى المشاركة فيها بالكتابة وصورة، ومن ثم استدراجهم للانضمام إلى التنظيم والقتال في صفوفه.
كما أن إطلاق هذه المجلة في هذا التوقيت يحمل دلالة غاية في الأهمية وهي أن التنظيم بات يعاني بشكل غير مسبوق من غياب المقاتلين والمناصرين، للقتال في الجبهات، والترويج للتنظيم على شبكات التواصل ومواقع الإنترنت، وهو ما دفع التنظيم لمحاولة خلق هذا الزخم حوله، والإيحاء للعالم بأن مناصري التنظيم كثر، وأنهم يسهمون في نشر أفكار التنظيم وترويجها، بل أنهم يضمنون بقاء التنظيم وأفكاره على المدى الطويل، حتى لو تمت هزيمة التنظيم في الوقت الراهن، فإن أفكاره ستظل باقية.

شارك