الجماعات المتطرفة في بلجيكا.. صناعة الإرهاب في قلب أوروبا

الإثنين 12/نوفمبر/2018 - 04:42 م
طباعة الجماعات المتطرفة فاطمة عبدالغني
 
في إطار زخم الحديث عن الجماعات المتطرفة في أوروبا، أسفرت الجهود التي قامت بها الأجهزة الأمنية والقضائية البلجيكية على وجه الخصوص عن تحجيم تحركات الجماعات المتطرفة، فتراجعت عمليات استقطاب وتجنيد الشباب من قبل الجماعات إلى تنظيم “داعش”،  كما أصبح هناك سيطرة على المخاطر بشكل أكبر مما كان من قبل.  
إذ شهدت بدايات 2018 خفض السلطات البلجيكية مستوى التهديد الأمني في البلاد وكشفت عن أن الهزائم التي مني بها تنظيم “داعش” في كل من العراق وسوريا تعني أن احتمالات تنفيذ هجوم إرهابي باتت أقل، خاصة بعد أن كشف تقرير سري في العام الماضي أنَّ الشرطة البلجيكية اكتشفت 51 منظمة في مولينبيك يُشتبه في وجود صلات تربطها بالحركات الجهادية، وتؤشر جهود السلطات البلجيكية إلى أن مستوى التهديد انخفض من “خطير" إلى “متوسط”، وفي هذا الإطار يتناول التقرير التالي أبرز الجماعات المتطرفة في بلجيكا وأنشطتها ووسائل وأساليب عملها.
1- الشريعة من أجل بلجيكا
حركة «الشريعة من أجل بلجيكا» تعد من أخطر الجماعات المتشددة في البلاد. أُسس هذا التنظيم في 3 مارس 2010  متأثرًا بالجماعات السفية الأوروبية من أمثال "الإسلام من أجل بريطانيا"، حيث أعلن رفضه للديمقراطية وسعيه لفرض الشريعة في بلجيكا، ينتمي معظم مؤسسي حركة "الشريعة من أجل بلجيكا" إلى الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين العرب والمسلمين الذي جرى تجنيدهم في السجون، وأيضًا من خلال حملات دعوية في الشوارع والحدائق العامة. ويعتبر فؤاد بلقاسم، الملقب بـ«أبو عمران»، العنصر الرئيس والفعال في التنظيم. وهو من أصول مغربية، ومعروف بسوابقه القضائية قبل أن يتحوّل إلى التطرف. من بين أفكار الدعوة علنًا ضد الدولة الديمقراطية والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في بلجيكا باستخدام لغة استفزازية تطالب بتنفيذ حكم الإعدام بحقّ المثليين جنسياً والدعاء بالرحمة لأسامة بن لادن. 
وفي أبريل 2010  وفي أثناء إلقاء الكاتب الهولندي بينو بيرنارد محاضرة في إحد إلى القاعات الدراسية في جامعة انتويرب دخل التنظيم عنوة وبدأ أعضاء التنظيم بإطلاق شعارات إسلامية وانتهت المحاضرة بتدخّل قوات الشرطة واعتقالهم، وإغلاق الموقع الرسمي للتنظيم، ولكن هذا لم يُثني أعضاء التنظيم عن المشاركة في تظاهرة احتجاجية تطالب بالسماح للمسلمات بارتداء النقاب وقد استعمل المحتجّون عبارات استفزازية وصفوا خلالها غير المسلمين بالقردة والخنازير وتوعّدوا بالمواجهة العنيفة.
في مطلع شهر سبتمبر 2010 دعا بلقاسم الشباب البلجيكي المسلم إلى حرق العلم الأمريكي كردّة فعل على حملة القس الأمريكي تيري جونز إلى حرق القرآن في ذكرى 11 من سبتمبر .
وبسبب تحريضه على التمييز والكراهية أصدرت المحكمة الجنائية في مدينة انتويرب بياناً رسمياً في منتصف مايو 2011 استدعتْ فيه فؤاد بلقاسم للمثول أمام القضاء، وقال البيان: "إنّ حرية التعبير هي أهم الحقوق ولكن أبو عمران تجاوز جميع الخطوط الحمراء، وأنّ تصريحاته حول المثليين وحول أحقية المسلمين في الحكم وتعليقاته على مرض ماري روز موريل ووفاتها هي تجاوزات يجب أخذها إلى الجهات القضائية المختصة". تولى أبو عمران الدفاع عن نفسه أمام القضاء في 17 يونيو من العام ذاته.
وفي أواخر ديسمبر العام 2011 قامت السلطات باعتقال 15 عضواً من حركة "الشريعة من أجل بلجيكا" في مدينة انتويرب بسبب النمط «العدواني» لنشاطات الدعوة العلنية التي كانوا يقومون بها. حيث كانوا يوزعون المنشورات في مركز المدينة لإقناع المارّة بأن الطريق القويم الوحيد هو طريق الإسلام كما أخذوا ينددون بالقيم الغربية والديمقراطية بشكل أزعج المارّة، على حد وصف السلطات البلجيكية.
وللمرة التاسعة عشرة أدين بلقاسم في مطلع شهر فبراير 2012 وحُكمَ عليه بالسجن سنتين وتلقّى غرامة مالية مقدارها 550 يورو وكان هذا الحكم هو الأقسى في هذه التهم. بعدها تراجع ضجيج التنظيم نسبياً، ولكن نشاطاته تواصلت بعد أنْ تسلّم زعامته قادة جدد، حيث هاجمت الجماعة بعض الأفلام التي تحدثت عن جرائم يتم ارتكابها باسم الإسلام، مثل فيلم "نساء في الشراع" الذي تناول التمييز الجنسي والتحرش من قبل المهاجرين والمسلمين، و"براءة المسلمين" الذي دعت الجماعة المسلمين في أنتويرب إلى التظاهر ضده، وبالفعل تصاعدتْ حدّة التوتر وتحوّل الاحتجاج إلى شغب، اعتقلت الشرطة على إثره حوالي 230 متظاهراً. 
وفي 2012 تم الإعلان عن حل الجماعة ولكن تبيّن لاحقاً أنّ العديد من أعضاء الشريعة من أجل بلجيكا قد رحلوا إلى سوريا للقتال، حيث اعتبرت تقارير إعلامية وبحثية أن جماعة "الشريعة من أجل بلجيكا" من أبرز الخلايا الإرهابية التي تجند الشباب للانضمام إلى تنظيم "داعش" في سوريا. 
وفي 11 فبراير 2015، أصدرت محكمة الجنح في مدينة أنتويرب حكمها على فؤاد بلقاسم بالسجن لمدة 12 عامًا وغرامة 30 ألف يورو بتهمة تزعم خلية سلفية متطرفة واقناع شبان بالتطرف وتجنيدهم وارسالهم للقتال في صفوف جماعات جهادية في سوريا، وأدانت نحو 40 آخرين ينتمون للجماعة في أكبر محاكمة لمتهمين بالإرهاب في بلجيكا.
وفي أبريل من نفس العام، تم إعلان الجماعة منظمة إرهابية وعلى الرغم من عدم وجود التنظيم اليوم على أرض الواقع، فزعيمه الأصلي فؤاد بلقاسم معتقل كما أنّ الزعامة التي خلفتهُ لم يعدْ فيها أحد على قيد الحياة إلا هشام شعيب؛ إذْ لقي نور الدين أبو علال مصرعه في سوريا كما قُتلَ فيصل يامون في فبراير 2015 في سوريا. إلّا أنّ دورهُ يعدّ أساسياً ومهماً في تجنيد المقاتلين للذهاب إلى سوريا. فلا يزال أمر هذا التنظيم يلفّه الكثير من الغموض، وقد تنتظرُ هؤلاء المقاتلين العائدين من سوريا محاكمة مهمة قد تظهر لنا الكثير من الحقائق.
2- حزب الإسلام البلجيكي
تأسس الحزب الإسلامي البلجيكي في 2012 على يد "رضوان أحروش" أحد المسلمين المغاربة، تحت اسم "حزب النور" ثم تغير اسمه إلى "حزب الإسلام" من أجل جذب انتباه وعضوية مسلمي بلجيكا إليه، وإبراز وجود وانتشار الإسلام والمسلمين في أوروبا، رئيسه الحالي هو البقالي الطاهر وهو مهاجر من أصل مغربي، الذي أكد بأن حزبه يتلقى الدعم والمساعدات المالية من المغرب وباكستان وتركيا وأنه تلقى دعوة لزيارة طهران وأنه لا مانع في تلقي الدعم من أي دولة إسلامية. 
ينادي الحزب بإقامة الدولة الإسلامية في بلجيكا يسمونها "الديموقراطية الإسلامية" بحلول عام 2030، ليمارس المسلمون بها دورهم بعد انهيار حلم إقامة دولة الخلافة الإسلامية لداعش في العراق وسوريا،  ينادي الحزب كذلك بتطبيق متشدد للشريعة من خلال حظر منشأت القمار واليانصب، إلى جانب المطالبة بالسماح بارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس، والتوصل إلى اتفاق بشأن الأعياد الدينية الإسلامية، كما يطالب الحزب أن تقدم جميع المدارس في بلجيكا اللحم الحلال في قوائد الطعام، واقترح رضوان أحروش مؤسس الحزب الفصل بين الرجال والنساء في وسائل النقل العام، ويزعم زعماء الحزب أن الأحرف الأولى لاسم "حزب الإسلام" (ISLAM Party) باللغة الفرنسية ترمز إلى: "النزاهة، والتضامن، والحرية، والأصالة، والأخلاق". 
بزوغ نجم حزب الإسلام بعد حصوله على مقعد في المجلس البلدي بكل من ضاحية مولينبيك وضاحية اندرلخت في الانتخابات البلدية عام 2012، إلا أنه خسر الانتخابات البلدية 2018 حيث حصل الحزب على نسبه 1.8% من الأصوات في "مولينبيك وهي نسبة لا تخوله حق الحصول على مقعد في المجلس البلدي، وحصل في مدينة بروكسيل على نسبة 1.6% فقط، يذكر أنه تنافس أربعة مرشحين فقط من الحزب في هذه الانتخابات اثنان في مولنبيك واثنان في مدينة بروكسل ولم ينجح اي منهم في الحصول على مقعد كما تم تجاهل قائمته.
3- خلية بروكسل الإرهابية
هي خلية تابعة لتنظيم "داعش" تتألف من مجموعة من الأشخاص ارتبطت أسماؤهم بشنّ سلسلة هجمات إرهابية منسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن حدثت في 13 نوفمبر 2015 في العاصمة الفرنسية باريس، إضافة إلى سلسلة تفجيرات وقعت في 22 مارس 2016 حيث وقع في مطار بروكسل الدولي تفجيران وتفجير في محطة مترو مولينبيك في بروكسل- بلجيكا، فضلًا عن هجمات إرهابية أصغر حجمًا في أنحاء متفرقة من الاتحاد الأوروبي. 
يتزعمها الجهادى المتطرف “عبد الحميد أباعوض” إرهابي بلجيكي من أصل مغربي، مشهور بكونه معقل تدريب وتجنيد الجماعات المتطرفة، مضى بعض الوقت في سوريا، ويشتبه في تورطه في تنظيم هجمات إرهابية متعددة في بلجيكا وفرنسا من بينها هجمات باريس نوفمبر 2015. أما مسئول الخدمات اللوحستية للجماعة فهو صلاح عبدالسلام وهو أيضًا بلجيكي مولود في فرنسا ومن أصل مغربي، ويعتبر مسئول عند تقديم الدعم اللوجستي للمهاجرين ونقلهم إلى مواقعهم المستهدفة،  فككت الخلية الإرهابية في مدينة “فيرفيه” البلجيكية في أوائل عام 2015 بعد الهجوم على هيئة تحرير مجلة “شارلي إيبدو". إلا أن عبد الحميد أباعوض البلجيكي المغربي، قد نجح في إعادة تشكيل الخلية الإرهابية من جديد كما قام بتجنيد مقاتلين نفذوا اعتداءاتهم في الـ 13 من نوفمبر 2015 في باريس، غير أن جميع عناصر هجمات باريس لقوا مصرعهم باستثناء صلاح عبد السلام وهو الناجي الوحيد الذي لم يستخدم حزامه الناسف، وفر إلى حي مولينبيك ببروكسيل. أما الأعضاء الآخرون ففجروا أنفسهم أو قُتلوا في إطلاق النيران مع الشرطة في حي سان دوني بباريس حيث قُتل أيضا أباعوض. وتم اعتقال عدد من الأعضاء البارزين في الخلية.
وفي 22 مارس 2016 هزت 3 تفجيرات قلب العاصمة البلجيكية اثنان منها في مطار بروكسل وثالث في محطة مترو الأنفاق في منطقة مولينبيك أسفر عن 32 قتيلا. 
وصرح الادعاء البلجيكي أنذاك "إن مدبري تفجيرات بروكسل كانوا يخططون في الأصل لشن هجوم في فرنسا، لكنهم شنوا هجومهم في بلجيكا حيث يقيمون بعد اعتقال مشتبه بهم بارزين". كما أكد المدعي الاتحادي أيضًا "أن عوامل عديدة في التحقيق أظهرت أن الجماعة الإرهابية كانت تنوي في بادئ الأمر شن هجوم في فرنسا مجددا، وعندما فوجئوا بسرعة التقدم في التحقيق اتخذوا قرار شن الهجوم في بروكسل".
ومن هنا تتضح الصلة بين إرهابيين بلجيكيين وفرنسيين، إذ شكلت بلجيكا نقطة إعداد لهجمات باريس.
4- المركز الإسلامي البلجيكي
هو مركز يسعى لنشر الفكر السلفي المتشدد يقع مقره في مولينبيك، تأسس عام ١٩٩٢ على يد “بسام العياشي” وهو مهاجر سوري، اقفل المركز عام ٢٠٠٢ لكن “العياشي” بقي يمارس نشاطه، حيث سبق أن اعتقل في إيطاليا وحكم عليه بالسجن بتهمة مساعدة مهاجرين سريين، والاعداد لتفجير مطار فرنسي وتهم أخرى، غير أن غياب أي أدلة تدينه مباشرة، أجبر المحكمة الإيطالية على تبرئته وأطلق سراحه في العام 2012 بعد 4 سنوات من الاعتقال، ثم سافر إلى سوريا في 2013 للانضمام لصفوف الجماعات المسلحة هناك، وفقد إحدى ذراعيه بانفجار لغم في سيارة كان يستقلها في إحدى المدن السورية. وتم اعتقاله من جانب عناصر من جماعة "أنصار الشام" في العام ذاته، ثم القت السلطات الفرنسية القبض عليه، في باريس في أبريل 2018 حيث وجهت إليه الاتهام رسميا بالتورط في قضايا ذات صلة بالإرهاب.
وذكرت اللجنة البرلمانية البلجيكية في تقرير نشر في أكتوبر 2017 أن المركز الثقافي الإسلامي المسؤول عن إدارة المسجد التابع له يقوم بنشر أفكار متطرفة على حد وصفها. 
 وفي مطلع يوليو 2018 طالب آلان كورتوا مسؤول ممارسة المعتقدات الدينية ببلدية بروكسل إغلاق المسجد بصفة نهائية. كما رفعت وحدة التنسيق لتقييم التهديدات تقريراً إلى لجنة التحقيق البرلمانية البلجيكية تنبهها إلى وجود أفكار تدعو للسلفية والفكر المتطرف ولقتل المثليين ورجمهم، وبحسب التقرير ينشر المسجد خطاب كراهية يدعو لمعاداة السامية، وأمهلت سلطات بروكسل المركز الثقافي والإسلامي سنة لإخلاء مبنى المسجد الكبير
هذا وقد صرح لنا جورج دالمان-نائب في البرلمان البلجيكي ونائب لجنة التحقيق في أحداث 22 من مارس 2016 أنه "يوجد كثير من الشباب ممن كانوا يترددون على هذا المسجد وغادروا إلى القتال في صفوف داعش بسوريا فهم إما تلقوا تدريبا داخل المسجد أو كانوا على صلة به ويجب التذكير أن المسجد ليس الوحيد في نشر الفكر السلفي، فيوجد مولينبيك مسجد لقمان والذي تربطه صلات وثيقة بالمسجد الكبير، والذي كان هو ذاته على اتصال قوي بإرهابيين ارتكبوا هجمات على الأراضي البلجيكية".
وإدراكًا لحجم ومخاطر التطرف ومنابر التطرف التي تتخذ من الدين ستارًا لها إستطاعت بلجيكا اعادت سياساتها الامنية ومنحت الأجهزة الاستخباراتية المزيد من الصلاحيات لمواجهة الارهاب، خاصة الجماعات المتطرفة من الداخل. 
فليس من المستبعد أن تمدد الجماعات المتطرفة داخل أوساط المسلمين وتتسلل عبر منصات التواصل الأجتماعى وتمرر خطابها الدعائي المتطرف بنشر الأفكار المتطرقة واستقطاب وتجنيد العديد من الشباب، وهو الأمر الذي تعاملت معه الأجهزة الأمنية البلجيكية بالجدية المطلوبة حيث توفرت لأجهزة الاستخبارات الداخلية وأمن الدولة في بلجيكا، وسائل جديدة تستخدمها، كأسلحة جديدة في مكافحة الجماعات المتطرفة، من بينها مراقبة المتشددين، وكذلك التنصت الهاتفي على شخصيات معروفه بمواقفها المتطرفة وتدعو إلى الكراهية، بالإضافة إلى إلزام الجهات المختصة في شركات الاتصالات بالتعاون مع السلطات الأمنية في هذا الصدد.

شارك