مفاوضات السويد.. جهود التحالف تطيح باستراتيجية إيران التوسعية في اليمن

الإثنين 17/ديسمبر/2018 - 01:51 م
طباعة مفاوضات السويد.. فاطمة عبدالغني
 
في أعقاب انتهاء مشاورات السلام اليمنية في السويد، الخميس الماضي، التي انطلقت في قلعة جوهانسبيرج بإحدى ضواحي العاصمة ستوكهولم، جاء أول لقاء بين طرفي الأزمة، منذ أكثر من عامين، بعد انهيار آخر جولة من المحادثات في 2016، في محاولة لإيجاد حل سياسي لليمن الذي بات تعيسًا تحت وطاءة انقلاب المليشيات الحوثية التابعة لإيران منذ ما يزيد على 4 أعوام. 
وأثمرت جهود التحالف ومساعيه في حل الأزمة بإعلان الأمم المتحدة انتهاء محادثات السويد باتفاق نص على انسحاب ميليشيات الحوثي من مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي. 
ووفق مصادر حكومية يمنية، فإن اتفاق الحديدة يقضي بانسحاب ميليشيات الحوثي من المدينة والميناء خلال 14 يوما، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها. 
وأكدت المصادر، أن الاتفاق ينص أيضا على انسحاب الميليشيات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى شمال طريق صنعاء، في مرحلة أولى خلال أسبوعين. 
وبحسب المراقبون تعكس الاتفاقيات نجاح الضغط العسكري الذي مارسته قوات التحالف والقوات المشتركة على الحوثيين في الحديدة خلال الشهور الأخيرة، حيث كان هدف التحالف العربي منذ تدخله في اليمن قبل 3 سنوات بناء على طلب من الحكومة الشرعية، خلق المناخ الملائم للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية. 
وفي هذا السياق صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مؤتمر صحفي "توصلنا إلى تفاهم مشترك فيما يخص تعز، وهذا سيؤدي إلى فتح ممرات إنسانية وإدخال مساعدات".
 كما عبر الأمين العام للأمم المتحدة، خلال الجلسة الختامية للمباحثات في السويد، عن سعادته النتائج التي توصلت إليها المشاورات اليمنية قائلاً "مستقبل اليمن في أيديكم، لدينا فرص يجب اغتنامها.. كانت محادثات صعبة لكننا حققنا نتائج إيجابية".
وأضاف غوتيريش: "هناك وقف لإطلاق النار أعلن عنه في محافظة الحديدة بأكملها، وسيكون هناك انسحاب لكافة القوات من المدينة والميناء". وأوضح أن الأمم المتحدة ستتولى دور "مراقبة الميناء، بينما ستشرف قوى محلية على النظام في المدينة".
من ناحية أخرى، أشار وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، إلى أن "اتفاق الحديدة إنجاز، لأنه يتضمن انسحاب الحوثيين للمرة الأولى منذ الانقلاب على الحكومة الشرعية قبل أكثر من 4 سنوات".
كما رحبت دولة الإمارات العربية المتحدة بالنتائج التي توصلت إليها مفاوضات السويد بشأن اليمن ، حيث قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، "نرحب باتفاق السويد ، ونرى نتائج الضغط العسكري الذي مارسته قوات التحالف العربي والقوات اليمنية على الحوثيين في الحديدة يؤتي ثماره ويحقق هذه النتائج السياسية".
وأضاف، في تغريدات على تويتر، "التحالف العربي أوفى بالتزامه بتجنيب مدينة الحديدة ومينائها العمليات العسكرية حفاظاً على أرواح المدنيين والبنية التحتية الإنسانية، واليوم بإمكان الميناء ممارسة دوره المهم على الصعيدين التجاري والإنساني".
وتابع قائلا "الضغط العسكري المتمثل بتواجد 5000 جندي إماراتي مع القوات اليمنية واستعدادهم لتحرير الميناء في أقرب وقت شكل الضغط المطلوب على الحوثيين وأجبرهم على التعامل بواقعية والقبول بالحل السياسي".
وفي الإطار ذاته، أكد الأمير محمد بن سلمان دعم المملكة التام والكامل، لجهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، وتطلعها إلى تحقيق نتائج إيجابية في المشاورات المنعقدة في مملكة السويد. في إشارة إلى أن المملكة ترحب بأي اتفاق سلام عادل، يعزز الشرعية في اليمن، ويحافظ على استقراره وأمن مواطنيه.
كما أعرب نائب الرئيس اليمني، الفريق الركن علي محسن صالح الأحمر، عن التقدير والعرفان لدول تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية، ومساندة كبيرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، على وقفتهم إلى جوار اليمنيين، ومساندتهم جهود استعادة الدولة.
وأكد الأحمر، خلال لقائه أول أمس، مع محافظ حضرموت، اللواء الركن فرج البحسني، أن هذه المواقف المساندة للشرعية ولوجود الدولة، ستظل محل تقدير اليمنيين، واعتبار القيادة السياسية.
وعلى صعيد متصل، أشاد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، بموقف التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن وما اتخذه من إجراءات بناءة لتذليل العقبات لعقد ونجاح مشاورات السلام اليمنية في السويد، مؤكداً أن الموقف جاء حقناً للدماء وحفاظاً على المصلحة العليا للشعب اليمني.
كما صرح المدير التنفيذي لوكالة أنباء الإمارات، محمد جلال الريسي، إنه لولا قدرة قوات التحالف المتواجدة في الحديدة على الحسم العسكري، لما تحقق الاختراق السياسي الذي تحقق في لقاءات السويد من اتفاق الحديدة.
وقال الريسي في سياق تحليل إخباري حول نتائج مشاورات السويد، إنه "منذ الإعلان عن خروج الميليشيات الحوثية الانقلابية على إرادة الشعب اليمني الشقيق، واغتصاب السلطة بقوة السلاح الخارجي، وأجندات الشر الإقليمية التي سعت لنشر الفوضى في هذا البلد، كان التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ينشد الخير ويدعم الشرعية في اليمن، ويحرص على الوصول إلى حل سياسي بناء على قرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها القرار 2216".
وتابع أنه "رغم كل محاولات التحالف العربي لدعم الانفراج السياسي في اليمن خلال العديد من جولات المفاوضات التي عقدت منذ أكثر من ثلاث سنوات لبلوغ الحل السلمي، فإن تمادي الانقلابيين الحوثيين في غيهم استوجب ممارسة الضغط العسكري، وذلك حفاظاً على وحدة التراب والدماء اليمنية".
وأوضح أن "أكبر صور ضبط النفس التي مارسها التحالف العربي تجلت في أحداث محافظة الحديدة التي طالما شهدت الدعوة إلى ضرورة تجنيب المدينة ومينائها العمليات العسكرية والانسحاب السلمي للميليشيات الحوثية منها، لكن هذه النداءات لم تجد الاستجابة المطلوبة، فكان لابد من استمرار الضغط الذي بدأ يؤتي ثماره وكان عنصراً حاسماً في الاتفاق الذي تم الوصول إليه في السويد، ووجد الترحيب من دولة الإمارات».
وأضاف "وفيما ننظر بإيجابية لما أسفرت عنه مشاورات السويد بشأن وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة ونتطلع لعودة مينائها لممارسة دوره المهم في خدمة الشعب اليمني، فإن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية مازال ملتزماً بالمسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة للتوصل إلى حل شامل للأزمة ضمن إطار سياسي محدد خلال الجولة المقبلة من المفاوضات التي أعلن عنها الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، في يناير المقبل، وذلك لضمان استقرار اليمن وازدهاره".
واختتم الريسي تحليله قائلاً: "إن الاختراق السياسي الذي تحقق في لقاءات السويد سيكون له انعكاسات إيجابية على الوضع الإنساني في اليمن بشكل عام، ومن الواجب الإشارة هنا إلى أنه لم يكن من الممكن حدوث مثل هذا الاختراق لولا قدرة قوات التحالف المتواجدة في الحديدة على الحسم العسكري، فكل التقدير لقوات التحالف العربي وللقوات المسلحة السعودية والإماراتية وقوات الجيش والمقاومة اليمنية، وتحية افتخار واعتزاز بتضحياتهم وبطولاتهم في ميدان الشرف التي وقفوا فيها مدافعين عن الأمن العربي بالأرواح والمهج".
يشار إلى أنه منذ انطلاق العمليات في محافظة الحديدة، دأب التحالف العربي والحكومة الشرعية على التأكيد على أهمية انسحاب ميليشيات الحوثي من المدينة، ومن الميناء الذي حوله الحوثيون إلى منصة لتهديد الملاحة في البحر الأحمر واستلام الأسلحة الإيرانية. كما يأتي إصرار التحالف على تحرير الميناء أيضا في إطار حرصه على إيصال المساعدات إلى اليمنيين بعد أن كانت الميليشيات تعمد إلى نهبها والتحكم بها، الأمر الذي تسبب في أزمة إنسانية حادة.
 ووفق مصادر حكومية يمنية، من المقرر أن تتشكل لجنة للإشراف على إعادة انتشار القوات اليمنية في الحديدة بإشراف من الأمم المتحدة، على أن تتولى السلطات المحلية الإشراف على المدينة وفق القوانين اليمنية. وستشرف لجنة تنسيق إعادة الانتشار على عمليات إعادة الانتشار والمراقبة، هذا إلى جانب عملية إزالة الألغام من الحديدة ومينائها. وينص الاتفاق أيضا، أن تودع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية بمحافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن.
أما فيما يتعلق بتبادل الأسرى فقد سلم كل طرف قائمة تضم أكثر من 16 ألف شخص من الأسرى والمخطوفين، للأمم المتحدة، بواقع (8500) شخص من المعتقلين المدنيين والمختطفين لدى الحوثيين، و(7500) أسير لدى قوات الجيش. وتولى الفريق الأممي المعاون للمبعوث الدولي إلى اليمن مارتن جريفيث، عملية تسليم قوائم كل طرف إلى الطرف الآخر، تمهيدًا لتنفيذ الآلية الخاصة بتبادل الأسرى والمختطفين، والتي تم تحديدها بستة أسابيع، مع إمكانية إضافة أسماء جديدة قد تكون غابت عن اللوائح الأولية المقدمة، وشملت كشوفات الحكومة جميع المعتقلين الذين وصلت أسماؤهم إلى لجنة الأسرى والمعتقلين، ومن ضمنهم المعتقلون من الطائفة البهائية وعائلة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، إلى جانب جميع فئات الشعب اليمني الذين تضرروا من الحوثي. ويعتقد أن تبدأ الجولة السادسة من مشاورات السلام اليمنية، في النصف الثاني من يناير المقبل؛ دون تحديد دولة بعينها لاستضافة هذه المحادثات، وفقًا لما أكده مصدر مطلعة.
وختامًا وبحسب المراقبون يمكن القول إن الحوثيون منذ انقلابهم وحتى اجتماع السويد لا يملكون لا قرار الحرب ولا قرار السلم، فالقرار بيد طهران، فهم ليسوا إلا ذراع لإيران في المنطقة، تمولهم لتحركهم كيفما تشاء، كما أن نتائج مشاورات السويد وقبولهم بالتنازل مرغمين عن الحديدة ما هي إلا ترجمة لتراجع استراتيجية إيران التوسعية  في اليمن.
وفي هذا السياق يقول الكاتب السعودي محمد آل شيخ، "إيران في نهاية الأمر لا يهمها اليمن، ولكنها تحاول جاهدة أن تنقذ استثماراتها الخارجية السياسية في المنطقة قدر الإمكان، والحصار الاقتصادي الأمريكي بدأ يخنقها، وجعل الحوثيين يقبلون ما كانوا يرفضونه في السابق. ومهما كابر ملالي الفرس وعملاؤهم، فإن تخلي الحوثيين عن الحديدة، هو بكل المقاييس هزيمة لهم". 

شارك