اشادات واسعة لاستراتيجية المغرب في مكافحة الإرهاب

الأربعاء 09/يناير/2019 - 02:49 م
طباعة اشادات واسعة لاستراتيجية حسام الحداد
 
كشف أمس الثلاثاء 8 يناير 2019، وزير الداخلية المغربي هشام الفوراتي إن المنظومة الأمنية الجديدة التي سيتم إعتمادها في ولاية القصرين، ترتكز على «توحيد القيادة في مجال مكافحة الإرهاب» وذلك عبر تخصيص قوة أمنية مشتركة بين الشرطة والحرس الوطنيين تعنى بمكافحة الإرهاب فقط وسيتم سحب هذه الخطة الأمنية مستقبلا على بقية الولايات الحدودية خاصة ولايتي جندوبة والكاف.
وبين الفوراتي، عقب جلسة استماع مغلقة له بلجنة الأمن والدفاع، أن القوة الأمنية الخاصة التي ستهتم بمكافحة الإرهاب ستتمتع بحرية المبادرة ولن تتقيد بمرجع النظر التراتبي أو تراجع القيادة بعد أن تتصرف» لاضفاء اكثر نجاعة وسرعة على عملها خاصة أن المجموعات الإرهابية غيّرت من خططها واصبحت تعتمد طرقا جديدة لتضليل قوات الأمن خاصة من خلال «تحرير مبادرة الخلايا النائمة بالاعتماد على أشخاص غير معروفين أمنيا لتعطيل تعقبهم» وفق الفوراتي.
هذا ما يدعونا إلى محاولة الاقتراب من الاستراتيجية المغاربية في مكافحة الإرهاب، لنقل الخبرات للمواطن العربي والأجهزة الأمنية والمختصة في هذا المجال.
ولأن عودة المغاربة الذين قاتلوا تحت راية تنظيم داعش إلى البلاد "يشكل خطرا حقيقيا"، ما دفع السلطات المغاربية إلى وضع خطة وإقرار قوانين وتدابير خاصة لمواجهة هؤلاء في مايو الماضي 2018، بعد أن فاق عدد الجهاديين المغاربة فى العراق وسوريا 1600 شخص سنة 2015.
وقد أيوضح مدير مكتب مكافحة الإرهاب فى المغرب عبد الحق الخيام فى حوار مع وكالة فرانس برس حينها أن "أكثر من 200 بين هؤلاء الجهاديين عادوا إلى المغرب وتمّ توقيفهم وتقديمهم للعدالة".
ويشير إلى "سقوط آخرين فى عمليات انتحارية أو فى عمليات نفذتها قوات التحالف الدولى الذى يحارب تنظيم الدولة فى المنطقة، بينما فرّ البعض منهم إلى بلدان مجاورة".
وبقى المغرب فى منأى عن هجمات تنظيم داعش، علما بانه شهد سابقا اعتداءات فى الدار البيضاء (33 قتيلا فى 2003) ومراكش (17 قتيلا فى 2011). وصدرت خلال السنوات الماضية عشرات الأحكام بالسجن فى قضايا إرهاب. وتم تشديد قوانين مكافحته.
وتبنى المغرب فى 2015 قانونا جديدا لمواجهة ظاهرة الجهاديين العائدين من بؤر التوتر ينص على عقوبات بالسجن تتراوح بين 10 إلى 15 سنة.
ونبه الخيام إلى أن هذا القانون "يتيح لمصالح الشرطة توقيف العائدين وإخضاعهم للإستجوابات قبل إحالتهم على العدالة".
وتعلن السلطات المغربية مرارا عن تفكيك "خلايا إرهابية". وسجل تراجع فى عدد الخلايا المفككة من 21 خلية سنة 2015 إلى 19 فى السنة التالية ثم تسع سنة 2017.
وعبر الخيام عن ارتياحه لكون "السلطات المغربية وضعت منظومة أمنية جد متطورة وعززت إجراءات المراقبة على مستوى الحدود".
وتابع "تسمح لنا التشريعات الجديدة بالقيام بعمليات استباقية. فمصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطنى تجمع كمّا هائلا من المعلومات الإستخباراتية، ولا ننتظر سوى تحرك الخلايا الإرهابية لننقض عليها".
وسجل تورط مهاجرين مغاربة فى تفجيرات عدة هزت بلدانا أوروبية فى الفترة الأخيرة، فى باريس (130 قتيلا فى 2015) وكاركاسون بفرنسا (4 قتلى فى 2016) وبروكسل (32 قتيلا فى 2016) وبرشلونة وكامبريس بإسبانيا (16 قتيلا فى 2017) كما فى مدريد (162 فى 2004).
ويرى مدير مكتب مكافحة الإرهاب فى المغرب أن هذه الظاهرة "تعكس مشكلا فى التأطير الدينى" داخل البلدان التى يعيش فيها هؤلاء، منبها إلى أن "الإرهاب لا جنسية له"، ويذكر أن المقاربة الأمنية فى المغرب توازيها سياسة لإصلاح الحقل الدينى، "وأن المقاربة القائمة على التأطير الدينى هامة".
ويشير إلى دور يقوم به المغرب فى مجال التعاون الأمنى الدولى لمحاربة الإرهاب، قائلا "بفضل مصالحنا تم تفادى عمليات إرهابية فى فرنسا وبلجيكا وألمانيا وانكلترا والدنمارك وإيطاليا واسبانيا"، من دون أن يكشف مزيدا من التفاصيل.
ويستدرك الخيام "يمكن أن تقع أخطاء"، كما حدث فى مارس الماضى عندما نفذ مواطن فرنسى يحمل الجنسية المغربية اعتداء فى كاركاسون فى جنوب فرنسا، مع أن اسمه كان مسجلا لدى مصالح الأمن. ويقول "إذا كان ثمة مواطنون مزدوجو الجنسية يشتبه فى صلتهم بجماعات إرهابية، فيجب إعلام سلطات بلدانهم الأصلية"، ويبدى أسفه "لكون السلطات المغربية لم تتوصل الى أية معلومات حوله مع أنه كان يأتى من حين لآخر قصد زيارة عائلته فى بلده الأصلى".
ويحذر الخيام من تحوّل منطقة الساحل الإفريقى إلى "أرض خصبة" للجماعات الجهادية بعد هزيمة تنظيم داعش، ما يشكل "تهديدا" و"قنبلة موقوته".
ويعبر عن "قلقه من التقاطعات بين الشبكات الإجرامية والتيارات الإرهابية"، بناء على "معلومات تؤكد استغلال أنشطة إجرامية فى المنطقة لتمويل الجماعات الإرهابية".
وتمتد هذه المنطقة شبه الصحراوية على مساحة شاسعة فى غرب إفريقيا تعادل مساحة القارة الأوروبية، وباتت مسرحا لتحركات عشرات الجماعات الجهادية ذات التحالفات المتقلبة، مستفيدة من الفراغ الأمنى فى تنفيذ هجماتها.
وتقود كل من النيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا المجتمعة فى "مجموعة الدول الخمس"، إلى جانب فرنسا، عملية عسكرية ضد المجموعات المتطرفة فى المنطقة.
وعلى خط مواز، تقاطعت تحليلات ومقالات العديد من مراكز التفكير وكبريات وسائل الإعلام بالولايات المتحدة، مع المواقف الرسمية المعبر عنها من قبل واشنطن، إذ أكدت أن المعالجة المغربية لظاهرة الإرهاب تقدم نفسها للعالم كنموذج رائد ومتفرد لدرء مخاطر آفة الإرهاب التي اتخذت أبعادا أكثر خطورة وتعقيدا.
ومن النماذج التي تجدر الإشارة إليها، على سبيل المثال لا الحصر، ما كتبته المجلة الأمريكية المتخصصة في القضايا الجيو استراتيجية (ناشيونال إنتريست)، التي دعت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى وضع، بمعية البلدان العربية الحليفة، استراتيجية لمكافحة الإرهاب تأخذ كنموذج المقاربة التي انخرط فيها المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، والتي تتميز بطابعها الشامل القائم على الدعوة إلى إسلام معتدل والقضاء على أسباب الإرهاب العنيف.
وذكرت المجلة الأمريكية المؤثرة، في مقال تحليلي، أن "الملك، بصفته أميرا للمؤمنين، يعتبر مؤتمنا على الشرعية الدينية لإلهام الزعماء الدينيين في العالم في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، من خلال تفكيك منهجي للخطاب التضليلي، والدعوة إلى القيم النبيلة للسلم والتسامح".
وسجلت (ناشيونال إنتريست) أنه في إطار هذه الرؤية الملكية الشاملة، حرص الملك دوما على دعم الجهود المشتركة، الرامية إلى محاربة الإرهاب والتطرف، مع البلدان الصديقة بالمنطقة العربية وبإفريقيا، خاصة من خلال تكوين الأئمة، باعتبار ذلك أحد المحاور الأساسية لقطع الطريق على التطرف العنيف.
وبدورها، دعت الصحيفة الأمريكية الواسعة الانتشار "هافينغتون بوست"، إثر الهجوم الإرهابي الذي كانت نيويورك مسرحا له شهر سبتمبر 2017، إلى الاستفادة من استراتيجية المغرب المتعددة الأبعاد في مجال مكافحة الارهاب والتطرف
الديني، مقترحة إنشاء هيئة جديدة في الولايات المتحدة بقيادة مسؤول كبير في البيت الأبيض، تتمثل مهمتها في العمل مع الدول الحليفة لواشنطن من أجل حماية الأجيال الصاعدة من هذه الآفة.
وأكدت الصحيفة في مقال تحليلي حمل توقيع أحمد الشرعي، الناشر وعضو مجلس إدارة العديد من مراكز التفكير الأمريكية، أن "المغرب يملك الوسائل اللازمة للمساهمة بفعالية في هذه الجهود بفضل، على الخصوص، مقاربته المتعدد الأبعاد المرتكزة على الهوية المتعددة: العربية الإسلامية والعبرية والإفريقية والأندلسية والمتوسطية".
وذكرت في هذا السياق، بأن الدستور الذي صادق عليه الشعب المغربي سنة 2011، يعزز التزام المغرب بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار بين مختلف الثقافات والديانات والحضارات في العالم.
كما أبرزت صحيفة (ذ هيل) التي يصدرها الكونغرس الأمريكي، النموذج المغربي في مجال إصلاح الحقل الديني، وتكوين الأئمة والمرشدات على تعاليم الدين الإسلامي السمحة القائمة على الاعتدال والوسطية، مذكرة بأن هذه البرامج تستفيد منها اليوم العديد من البلدان الإفريقية والعربية.
ومن جانبه، أكد رئيس "أميريكن ديفانس انترناشيونال" ومؤلف كتاب "الإرهاب الجديد، كيف تقاتله وتهزمه"، فان هيب، أن المغرب، الذي يعد أقدم حليف للولايات المتحدة الأمريكية، مؤهل أكثر من غيره ليشكل صلة وصل نحو القارة الإفريقية والشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وأوضح فان هيب، في مقال تحليلي نشر على موقع "نيوزماكس.كوم" ان "الولايات المتحدة تواجه اليوم ظرفية دولية، هي الأكثر تعقيدا في تاريخنا. والمغرب، أقدم حليف للولايات المتحدة، في موقع جيد ليكون صلة وصل نحو إفريقيا، حيث يتنامى تهديد الإسلام المتطرف، وكذا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عموما (...)، من هنا تبرز ضرورة أن تعمل واشنطن على تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع المملكة".
إن المواقف المعبر عنها في الولايات المتحدة سواء على المستوى الرسمي أو من قبل مراكز التفكير المتعددة، تضع الأصبع على مكمن القوة في المقاربة المغربية المتكاملة الأركان لمكافحة الإرهاب والتطرف، ألا وهي المقومات الحضارية والثقافية المتفردة التي جعلت المملكة على مر التاريخ نموذجا للتعايش بين الأديان ومنارة للإسلام الوسطي الذي ينبذ التطرف والإرهاب بمختلف أشكاله، وينشر المحبة والسلام بين الشعوب. وهو نموذج ما أحوج العالم اليه اليوم.

شارك