دراسة: تكلفة إعمار العراق وسوريا بعد داعش ما بين الاقتصادي والسياسي

الخميس 17/يناير/2019 - 01:11 م
طباعة دراسة: تكلفة  إعمار روبير الفارس
 
تحتاج إعادة الاعمار في العراق  مابين 88- 150 مليار دولار .وذلك بعد الدمار الذى تسبب فيه تنظيم داعش الارهابي بينما كلفة اعمار سوريا تصل الي  ما بين 250 – 400 مليار دولار  .وحول فاتورة التعمير للدولتين مابين الاقتصادي والسياسي كتب الدكتور" الناصر دريد "دراسة مهمة جاء فيها  تضرب الشرق الأوسط اعاصير لا تقل خطورة عن إعصار داعش الذي لف الهلال الخصيب خلال السنوات القليلة الفائتة , وتبدو مهمة الحفاظ على الوضع السياسي الراهن ( سواء بانظمة ام بحدود الدول الحالية ) هي المهمة الأصعب والأكثر الحاحا في وقتنا الحاضر لكل من يريد التصدي لزعامة او تشييد النفوذ في الشرق الأوسط , وتبدو هذه المهمة مرهونة بشكل أساسي بالاستقرار الاقتصادي لدول المنطقة , وبغض النظر عن الفشل الاقتصادي المزمن والاحادية الريعية وانتشار الفساد والزبائنية السياسية وانعدام الفرص والتنوع الاقتصادي وغلبة تجارب القطاع العام الفاشلة وغيرها من المشاكل التي تصادف اقتصاديات المنطقة , فانه يبرز لدينا وبشكل واضح مشكلة اعمار اهم دولتين في الشرق الأوسط واللتان ثبت خلال العقدين الماضيين انهما يمكن ان تتحولا الى سر استقراره او الى أساس خراب وبؤس المنطقة , الا وهما سوريا والعراق . واللتان ضربتا بالحروب والفشل والدكتاتورية وأخيرا داعش التي أطاحت بما تبقى من بنى تحتية ومجتمعية في المناطق التي اجتاحتها , والحقيقة ان مشكلة العراق وسوريا تتخطى قضية داعش بكثير فالعراق عانى من التدمير والإهمال والحروب منذ حوالي الأربعين عام ناهيك عن الفساد الكارثي منذ اكثر من عقد ونصف اما سوريا فقد شمل التدمير معظم مساحة سوريا خلال السنوات الفائتة بشكل أوسع كثيرا من المساحة التي احتلتها داعش في عمليات قمع المعارضة المسلحة في كل انحاء البلاد. ولايختلف اثنان على انه لايمكن المراهنة على استقرار وبقاء الأوضاع السياسية الحالية, الامن خلال الاستقرار الاقتصادي وإعادة الاعمار لهذين البلدين , فما هي فاتورة هذا الاعمار وما هي إمكانيات روسيا الحقيقة في هذا الجانب , والسؤال الأهم هو ما هي العوائد المتوقعة سياسيا واقتصاديا لروسيا من كل هذه العملية الضخمة ؟!! ويقول الباحث يمكن القول ان اعمار العراق ممكن بامكانياته الذاتية وقدراته الاقتصادية الضخمة اذا قدرت إعادة الاعمار مابين 88- 150 مليار دولار بينما وصل الناتج المحلي الإجمالي للعراق في 2017 الى حوالي 193 مليار دولار وحتى لو افترضنا ان العراق بأكمله بحاجة لحملة اعمار شاملة لكل مناطقه حتى تلك التي لم تعان بسبب عصابات داعش , وحتى لوعرفنا اننا لانستطيع ان نستخدم بديهيا كل الناتج القومي الإجمالي في إعادة الاعمار فان ما ممكن تخصيصه للاعمار وعلى مستوى البلد بأكمله كاف لاعماره في سنوات قلائل من اقصى شماله الى اقصى جنوبه , فيما لو توفرت إدارة كفؤة ونزيهة وانتهت صراعاته السياسية والطائفية والقومية ووضعت سياسة حكيمة للإنتاج وإعادة بناء اقتصاده , وهي سمات ليست بالمستحيلة ابدا , لكن المشكلة في العراق هو النفوذ المتشابك بين المصالح الإيرانية فيه حاليا وبين مختلف الجماعات المتنفذة نظامه السياسي والتي تجعل من أي مشروع إصلاحي فيه مستحيل ومتوقف وغير قابل للتنفيذ رغم كل الإمكانات المادية المتوفرة والحاجة الماسة لتنفيذه . اما بالنسبة لسوريا فالقضية اصعب بكثير , فقد راهنت روسيا بكل إمكاناتها العسكرية والسياسية على إبقاء نظام بشار بالحكم ودعمته ضد كل خصومه واعداءه الداخليين والاقلميين والدوليين واصبح لزاما عليها ان تحافظ على بقاءه وبقاء نظامه الى النهاية , وكل من يراهن على تخلي موسكو عن بشار طواعية واهم الى حد كبير , لان روسيا تطمع في ان تقدم للمنطقة كلها بروفة ناجحة عن إمكانات واحتمالات التعاون معها مسبقا لاي نظام , وهي تريد ان تقول من خلال بشار ونظامه . تعالوا التي وارتبطوا بي فانا التزم بحلفائي وبمن ينشدون حمايتي والتزم بحمايتهم وحماية انظمتهم الى النهاية وافضل كثيرا من التزام الامريكان بحلفائهم والذين ظلت واشنطن تتفرج عليهم وهم يهوون امام شعوبهم وثوراتها مثل شاه ايران وبن علي في تونس ومبارك في مصر …الخ . لاسيما وان التهديد الذي ذكرناه بعدم حصول الاعمار في العراق متحقق أيضا بالنسبة لسوريا , فعدم اعمار سوريا المدمرة يعني انهيارا أكيدا لنظام بشار ولكل السلام الهش الذي تحقق فوق ركام المدن وبيوت السوريين وجماجم ابناءهم ,ورصد الباحث  ثلاثة  نقاط قال انه ينبغي التذكير بها في قضية اعمار سوريا ابتداء وهي
اولا -ان التدمير الذي حدث في سوريا اكبر واعظم بكثير من ذاك الذي حدث في العراق لانه امتد تقريبا على طول التراب السوري الاباستثناءات بسيطة , وفي حين تعتبر محافظات الموصل والانبار من اكثر المحافظات معاناة بينما عانت ديالى وصلاح الدين وكركوك من تدمير متوسط اما بقية مناطق العراق فقد عانت من الإهمال وليس التدمير وهو اخف درجة وادنى وطأة
ثانيا ان دول العالم المانحة قد أعلنت منذ مرحلة مبكرة ان مساهمتها في اعمار سوريا مرتبط بمدى تحقق اصلاح سياسي حقيقي ومحاسبة قانونية لكل المسئولين عن الجرائم الكارثية التي ارتكبت في سوريا على يد النظام وزبانيته وهو ما رفضه النظام كما هو متوقع ومعه روسيا بطبيعة الحال , كما ان معظم الأطراف الدولية بينت بوضوح انها لاتنوي استئناف علاقتها بنظام بشار وبالتالي الاعتراف بالنتائج التي خلفتها روسيا على الأرض بقصف وتدمير المدن وهذا يعني ان أي تعويل على مشاركة دولية في اعمار سوريا هو من قبيل الأوهام الغير ممكنة التحقيق
ثالثا ان إمكانات سوريا الاقتصادية ضعيفة لاسيما بعد الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس فدخلها لم يصل الى مستوى ال 45 مليار دولار سنويا , ناهيك عن العلاقات الفاترة او حتى المقطوعة بينها وبين دول المنطقة ( باستثناء العراق والأردن واللذان هما اما مستغنى كالعراق او معتمد كالاردن !! ) وهذا يعني ان مهمة اعمار سوريا ستقع بالنتيجة على عاتق الروس وحدهم وتقدر الإحصاءات كلفة اعمار سوريا ما بين 250 – 400 مليار دولار ( حسب تقدير بشار نفسه في حديثه لوكال في البداية دعونا نذكر بكلفة الحرب التي خاضتها روسيا في سوريا ( وقتلت فيها 5233 شخص منهم 1417 طفل و886 امراة في غارات فقدت فيها 30 طائرة مقاتلة وهليوكبتر كانت 15% منها فقط على مناطق سيطرة داعش ) والتي قدرت المصادر كلفتها المادية ما بين 80-115 مليار دولار أي ان مصروفات روسيا لابقاء نظام مثل نظام الأسد ( سواء العسكرية منها او الاعمارية ) قد تصل الى نصف ترليون دولار ( أي حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي لكل روسيا , في حين تعاني روسيا من انخفاض في نمو الناتج القومي من 1,27 ترليون روبل كما كان متوقع الى 440,6 مليار روبل فقط ( من 1,3 الى 0,4 % ) في عام 2018 .

شارك