مفاوضات طالبان وأمريكا.. السلام "الغامض" علي أنقاض أفغانستان

السبت 02/فبراير/2019 - 12:05 م
طباعة مفاوضات طالبان وأمريكا.. أميرة الشريف
 
المراوغة التي تحترفها حركة طالبان في المفاوضات مع الحكومة الإفغانية، تفشل جميع المساعي والاتفاقيات التي تقوم بها الولايات المتحدة مع الحركة، ورغم أن تقارير إعلامية أكدت من اقتراب التوصل إلى اتفاق بين الحركة والولايات المتحدة لإنهاء أطول حرب خاضتها أمريكا في تاريخها، إلا أن حركة طالبان تلعب دورا خبيثا لإطالة أمد الحرب في أفغانستان.
ويعد الأمريكيون بسحب قواتهم البالغ عددها 14 ألف جندي، شريطة أن توافق طالبان على عدم السماح مرة أخرى باستخدام أراضيهم من قبل متطرفين مثل القاعدة، وهي الشبكة الإرهابية التي شنت هجمات 2001 على الولايات المتحدة منطلقة من أفغانستان، وأطلقت شرارة الحرب.
وبعد ستة أيام من المفاوضات التي شهدت تعقيدات بالجملة من جانب الحركة، واستمرار المحادثات في الدوحة، لفترة طويلة وأطول من أي محاولة سابقة لإنهاء الصراع الذي دام 17 عاماً، تحدث الجانبان علانية عن حدوث تقدم، وهو أمر نادر الحدوث مقارنة بالمباحثات السابقة في هذا الشأن.
 وقال كبير المفاوضين الأميركيين، زلماي خليل زاد،  إن المحادثات كانت أكثر إنتاجية مما كانت عليه في الماضي، معربا عن عن أمله في استئناف المحادثات قريباً. وقال أيضاً إنه سيتوجه إلى العاصمة الأفغانية كابول، لإجراء مشاورات مع الحكومة، قائلاً: لدينا عدد من القضايا المتبقية لعلاجها. 
وأضاف أنه لن يتم الاتفاق على أي شيء حتى يتم التوافق على كل شيء، ويجب أن يتضمن ذلك حواراً بين الأفغان واتفاقاً على وقف شامل لإطلاق النار.
ووفق تقارير إعلامية، تشير تعليقات خليل زاد إلى أن النقاط الشائكة الرئيسة تتمثل في شروط  طالبان لوقف إطلاق النار، وإقناع المقاتلين بالتخلي عن رفضهم الطويل للتحدث مع الحكومة الأفغانية، التي يسخرون منها على أنها "دمية أمريكية".
وتعد هذه المرة هي الأولي منذ تسع سنوات من جهود السلام المتقطعة، التي تبدو فيها جميع الأطراف جادة بشأن التوصل إلى اتفاق يتم في مرحلته الأولى إعلان هدنة من جانب طالبان مقابل انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من البلاد، كما تتعهد طالبان بعدم السماح للجماعات الإرهابية الدولية باستخدام أفغانستان كمنصة لانطلاق للهجمات ضد الولايات المتحدة.
وفي كل مرة يضع الأفغان وطالبان شرطا لبداية السلام في ما يتعلق بتقاسم حركة طالبان السلطة، حيث يري نائب وزير الخارجية الأفغاني السابق، حكمت خليل كرزاي، الذي يرأس مركز دراسات النزاعات والسلام، ويشارك في جهود السلام: منذ أن بدأت الولايات المتحدة في إشراك طالبان في مثل هذه المباحثات، فإن هذه هي المرة الأولى التي تبدو فيها الأطراف أقرب إلى الاتفاق منذ سنوات. 
وأضاف: أشعر بأن هناك جدية من كلا الجانبين، وأشعر بأن هناك التزاماً، وأن هناك عزيمة. 
في سياق متصل أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالمفاوضات التي تجريها حكومته مع حركة طالبان لإنهاء النزاع في أفغانستان.
وقال ترامب عبر حسابه في تويتر إن المفاوضات بشأن إنهاء الحرب التي استمرت 18 عاما في أفغانستان تسير بشكل جيد.
وأضاف أن القتال يتواصل في أفغانستان، لكن الشعب الأفغاني يريد السلام وإنهاء هذه الحرب التي "لا تنتهي". وتابع أن الولايات المتحدة سترى ما إذا كانت تلك المفاوضات ستكلل بالنجاح في نهاية المطاف.
وكان وزير الدفاع الأميركي بالإنابة باتريك شاناهان قد وصف مفاوضات بلاده مع طالبان بأنها "مشجعة".
ويقول وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو على تويتر: إن الأنباء الواردة مشجعة، والولايات المتحدة جادة في سعيها لتحقيق السلام.
وتوجه المبعوث الأميركي بعد مفاوضاته مع طالبان إلى أفغانستان للتشاور مع الحكومة الأفغانية.
من جانبها، قالت حركة طالبان إن مفاوضاتها مع الإدارة الأمريكية التي تواصلت خلال ستة أيام في الدوحة، ناقشت انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وقضايا مصيرية أخرى.
وأضاف البيان أن الطرفين اتفقا على استئناف المفاوضات في اجتماعات مستقبلية مماثلة من أجل إيجاد حل مناسب لإنهاء الصراع في أفغانستان.
وأعلن سهيل شاهين المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر أن الحركة تبحث عن سبل للتعايش مع المؤسسات الأفغانية.
ووفق وكالة أنباء (باجفاك) ألأفغانية أضاف المتحدث أن طالبان ستتعايش مع الأفغان وتبدأ حياة جديدة معهم باعتبارهم أشقاء ، وذلك فور انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان .
كما أوضح - في تسجيل صوتي:"بعد انتهاء الاحتلال يتعين على الشعب الأفغاني أن ينسى الماضي وأن يتسامح مع بعضه البعض"، مشيرا إلى أن طالبان لا تسعى لاحتكار السلطة عقب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ومؤكدًا أن الحركة تؤمن بمجتمع أفغاني شامل حيث يرى كل الأفغان أنفسهم فيه.
ووصف شاهين انسحاب كل القوات الأجنبية من أفغانستان بأنه مسئولية مشتركة وفخر لكل الشعب، لافتا إلى أنه من المقرر إجراء جولة أخرى من المحادثات بين طالبان والمبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، زلماي خليل زاد، في 25 فبراير المقبل، وأضاف أن الطرفين سيشكلان فرقًا تقنية مشتركة لوضع تفاصيل انسحاب القوات الأمريكية مستقبلا من أفغانستان.
يشار إلى أن حركة طالبان كثفت من هجماتها على قوات الأمن الأفغانية والمنشآت الحكومية خلال الأشهر الماضية، كما كثفت القوات الأفغانية والأميركية من عملياتها ضد القادة الميدانيين لطالبان.
وتشير العمليات الأخيرة التي تقوم بها حركة طالبان في أفغانستان، إلي أن الحركة الإرهابية لا تسعي إلي  الجلوس علي طاولة المفاضاوت، ما يشير إلي أن الحركة مستمرة في التخريب والتدمير، وكان دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسى (ناتو) ينس ستولتنبرج حركة طالبان والجماعات المسلحة الأخرى إلى وقف الأعمال القتالية والانضمام إلى محادثات السلام.
من جانبها، نشرت صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، تقريرًا تناول الأوضاع في أفغانستان بعد المشاورات التي جرت في الأيام الماضية في العاصمة القطرية الدوحة، بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان.
وتقول الصحيفة الفرنسية، في بداية تقريرها إن التغطية الإعلامية للمفاوضات التي انتهت في قطر، تكذب حقيقة أن العملية التفاوضية برمتها في غاية الغموض، كما أنه لا يبدو أن هناك أي علامة على وجود اتفاق حول القضايا المثيرة للجدل.
وعلى الرغم من تصريحات الجانبين حول نجاح المفاوضات، إلا أن معظم التقارير تشير إلى أنه لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء حول النقاط الرئيسية التي تمسّها المفاوضات: فلم يتوقف إطلاق النار، ولم يتم تحديد موعد لرحيل القوات الأجنبية، كما أن طالبان لا ترغب في التحدث إلى الحكومة الأفغانية.
من المتوقع، بحسب الصحيفة الفرنسية، استئناف المحادثات في نهاية فبراير الجاري، على الرغم من أن الطرفين ينتظران إذا ما كان سيتم تحقيق أي تقدم نحو اتفاق سلام دائم، ومن الجدير بالذكر أن يتم إلقاء نظرة على الأسباب التي أدت إلى إثارة الجدل حول هذه المحادثات الأخيرة، وأصبحت موضع شك بين أكثر الخاسرين -والغائبين أيضًا عن المحادثات- وهم الأفغان.
وتقول الصحيفة الفرنسية، إن استبعاد الحكومة الأفغانية من العملية بطلب من طالبان- أدى إلى توجيه اتهامات بأن الولايات المتحدة تقوم بنزع الشرعية عنها في المفاوضات في فترة ما قبل الانتخابات الحاسمة.
ووفق الصحيفة فإن الأسوأ من ذلك، أنه يغذي التصورات بأن الأمريكيين عازمون على الخروج من أفغانستان لدرجة أنهم يتجاهلون حقيقة بسيطة: أنهم يتفاوضون على مصير الشعب الأفغاني دون أن يكون هناك صوت للأفغان أنفسهم، ويرى العديد من الأفغان أنهم وحيدين وبلا صوت في بلدهم.
السفير الأفغاني السابق للمملكة المتحدة أحمد والي مسعود، لا يرى الموضوع بشكل شخصي، ولكن بشكل وطني، وقال للصحيفة: "أي عملية تفاوض للسلام يجب أن تكون وطنية ويشارك بها جميع الأطراف، خاصة ضحايا الحرب"، مشيرًا إلى أن هناك مفاوضات جارية الآن بالفعل ولكن لا يعرف عنها الأفغان شيئًا.
 وأوضح مسعود أن الكل يريد السلام بالطبع وأنهم (الأفغان) لا يعارضون إجراء مفاوضات مع طالبان، ولكننا لا نعرف ماذا يحدث خلف الأبواب المغلقة، فحتى الحكومة الأفغانية نفسها تم إعلامها بالمفاوضات قبل يومين فقط، ونحن نعيش بين خوف وأمل.
وتعتبر حركة "طالبان" من أكبر الحركات الإسلامية التي حكمت أجزاء كبيرة من أفغانستان مطلع سبتمبر 1996، وقد أعلن الملا عمر منذ سيطرته على مساحات واسعة من أفغانستان، تأسيس إمارة إسلامية في أفغانستان.
ونشأت حركة "طالبان" في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994م، وقال الملا عمر إنه استهدف من إعلان أفغانستان إمارة إسلامية هو القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي، وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994م.

شارك