جهاز الاغتيالات السري لحركة النهضة وتهديد الأمن القومي التونسي

الخميس 14/مارس/2019 - 01:02 م
طباعة جهاز الاغتيالات السري حسام الحداد
 
شهدت الجمهورية التونسية في الأيام القليلة الماضية تصعيدا للتوتر السياسي بين حركة النهضة التونسية وحزب النداء الحاكم، على خلفية اتهام قائد الأخيرة "الباجي قايد السبسي" لقادة الحركة بتهديد الأمن القومي، وجاءت اتهامات السبسي لحركة النهضة في وقت تستعد فيه تونس لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والمزمع عقدها في نوفمبر من العام الجاري.
وقد طالب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مجلس الأمن القومي بضرورة اتخاذ موقف من ملف جهاز الاغتيالات السري لحركة النهضة، وقال قائد السبسي خلال اجتماع مجلس الأمن القومي والذي يضم رئيس البرلمان ورئيس الحكومة ووزراء الدفاع والعدل والمالية والخارجية إن الجهاز السري يهدد الأمن القومي لذلك وجب التدخل.
ونشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية مضمون كلمة الرئيس قائد السبسي حيث أبدى قلقه من ملف الجهاز السري، بعد أن أصبح مطروحا بقوة في وسائل الإعلام ومحل نقاش لدى الرأي العام.
وتحدث السبسي عن تعرض القضاء لضغوطات في محاولة للدفاع عن بعض الجهات والشخصيات المتورطة في تهديد أمن التونسيين، ورفض الرئيس التونسي التدخل في الشأن القضائي ولكنه طالب بالتسريع في معرفة حقيقة وجود جهاز سري وإنارة الرأي العام.
وقال السبسي "لا يجب أن نتوقف عند هذه النقطة، هذا استهداف للأمن القومي، ويجب أن ننظر في الملف ونتخذ موقفا في ذلك، لكن هذا لا يعني أنّنا قضاء موازي".
ورفع العشرات من نواب البرلمان التونسي، الأربعاء 6 مارس 2019، دعوى قضائية ضد سياسيين وأمنيين للمطالبة بالكشف عن حقيقة التنظيم السري لحزب حركة النهضة الإسلامية والاغتيالات السياسية، كما أفاد الأمين العام لحزب حركة الشعب والنائب في البرلمان زهير المغزاوي بأن 43 نائبا من عدة أحزاب وكتل في البرلمان أودعوا دعوى قضائية لدى محكمة تونس العاصمة.
وأوضح المغزاوي أن موضوع الدعوى القضائية يتعلق بشخصيات سياسية وأمنية بوزارة الداخلية ومدى ضلوعها فيما يعرف "بالجهاز السري" الذي يتهم حزب حركة النهضة الإسلامية بإدارته لأغراض التجسس واختراق أجهزة الدولة.
وترى أحزاب وهيئة الدفاع عن السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين اغتيلا عام 2013، أن للجهاز علاقة بتلك الجرائم، وقال المغزاوي إن "القضية هي دعم لمطالب هيئة الدفاع من أجل كشف الحقيقة عن الجهاز السري والاغتيالات السياسية".
وكانت الهيئة كشفت في وقت سابق عن معطيات لدى القضاء تفيد بضبط وثائق حساسة بوزارة الداخلية تعود لفترة حكم النهضة الإخوانية بين عامي 2011 و2013، قالت إنها تتضمن معلومات عن عمليات اختراق وتجنيد داخل الأجهزة الأمنية ووثائق مهددة لأمن الدولة.
ونفت النهضة مرارا أي ارتباطات لها بالجهاز السري أو التورط في الاغتيالات السياسية، وهي تزعم أن مصدرها خصومها السياسيين الذين يريدون تشويهها قبل أشهر من الانتخابات التي ستجري في البلاد.
لكن الهيئة كشفت قبل أسبوعين عن معطيات خطيرة تفيد بأن مصطفى خذر المتهم بقتل شكري بلعيد حصل على 300 ألف دينار (100 ألف دولار) وحجز وثيقة تفيد بذلك، وتتهم الهيئة خذر بقيادة الجهاز السري للنهضة.
ومن بين الوثائق التي كشفت عنها الهيئة "تقرير يفيد بأن الجهاز السري أشرف على المؤتمر التاسع للنهضة، سنة 2012".
ونهاية العام الماضي، قالت هيئة الدفاع عن القياديين اليساريين المغتالين إن حركة النهضة تمتلك "جهازا سريا متورطا بالاغتيالات وتصفية الخصوم".
وتمر حركة النهضة الإسلامية والتي تسيطر حاليا على المشهد السياسي في تونس، بمنعطف خطير على اثر الاتهامات بإدارة الجهاز السري داخل الدولة وعلاقته الوثيقة بسلسلة الاغتيالات التي وقعت في البلاد بعد ثورة يناير 2011.
يذكر أنه قبل نهاية العام الماضي، تحديدا منتصف ديسمبر 2018، أذنت النيابة العمومية في تونس بفتح تحقيق طبقا للفصل31 من مجلة الإجراءات الجزائية بشأن ما تم الإدلاء به خلال المؤتمر الصحفي لـ"هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي".
ويتضمن التحقيق كذلك حول ما ذكر خلال المؤتمر الصحفي بخصوص "الجهاز السري" لحركة النهضة، وفق ما أفاد به الناطق باسم المحكمة الابتدائية بتونس والقطب القضائي لمكافحة الإرهاب سفيان السليطي في ديسمبر 2018.
انتقادات للحركة:
وفي نفس السياق انتقد السياسي التونسي منذر قفراش رئيس جبهة إنقاذ تونس، والذى أعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة التونسية، حركة النهضة – إخوان تونس- مؤكدا أنها شكلت جهازا سريا بالاغتيال معارضيها السياسيين فى تونس".
وأشار "قفراش" إلى  أن هناك  43 نائبا في البرلمان التونسي قدموا عريضة للمحكمة الابتدائية بتونس يطالبون فيها بفتح تحقيق جدي حول المعطيات التي نشرتها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي و التي تثبت بالأدلة أن للنهضة جهازا سريا عسكريا أخترق كل مفاصل الدولة  التونسية وتنصت على مكالمات المعارضين".
 وأضاف أنه منذ إلقاء القبض على الإخوانى مصطفى خضر المتورط في اغتيال السياسي شكري بالعيد اعترف أنه ينتمي للجهاز السري لحركة النهضة وحجزت بمنزله وثائق تثبت أن هذا الجهاز متورط في الاغتيالات السياسية بتونس كما يخترق كل مفاصل الدولة من أمن ويعمل على ضرب خصوم النهضة ومراقبة المعارضين و شراء ذمم الإعلاميين كما يمول الحركات الإخوانية في عدة دول".
وأشار "منذر" إلى أنه لحين فصل القضاء فى الملف الخطير خاصة أن جهاز النهضة قادر على تزوير الانتخابات و قد طالبت  رئيس الدولة لضرورة حل حركة النهضة بموجب قانون الأحزاب الذي يقر بحل أي حزب يلجأ للعنف أو يستعمل وسائل عدوانية تجاه الدولة والشعب ونبه من خطورة إجراء الانتخابات في ظل جهاز عسكري و أمني لإخوان تونس يهدد السلم و الأمن القومي.
حركة النهضة والضغط على الحكومة:      
في الوقت ذاته تواصل حركة ”النهضة“ الإسلامية، ضغطها على رئيس الحكومة التونسية، حيث اتهمته بالتقصير في الحرب على الفساد، وذلك بعد أيام من تهديدها بتغيير يوسف الشاهد قبل الانتخابات المرتقبة بالبلاد، وقال النائب عبد اللطيف المكي عن "إخوان تونس" الثلاثاء 12 مارس 2019، "كان بإمكان يوسف الشاهد تقديم الأفضل، لأنّ ضرب الفساد يزيل العقبات ويسهم في تحقيق مزيد التطور والتقدّم ومن لا يزيل العقبات يظل رهينة مكانه".
وأضاف "الفساد يسود الأوساط السياسية والمنظمات والإعلام والوزارات وشتّى القطاعات".
ودعا القيادي البارز في حركة النهضة التونسية، إلى ضرورة مكافحة الفساد الذي قال انه كان أحد أسباب سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي ، متابعا بالقول، "أكبر عنصر أسقط بن علي، هو الفساد، ولو كان مستبدا عادلا، ربّما صبر عليه الشعب، فما يشفع للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة أنه لم يسرق، غير أن بن علي حوّل الفساد إلى منظومة"، حسب قوله، وأضاف المكّي: "يوسف الشاهد حليف حركة النهضة، لكن لا يمكن الجزم بأنّنا نتّفق معه في كلّ الأشياء، فجلّ التحالفات السياسية تقوم على توافقات معيّنة رغم وجود اختلافات".
ويأتي ذلك في الوقت الذي ألمحت فيه حركة "النهضة" الإسلامية، إلى إمكانية وقف دعمها لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، وذلك في تطور لافت، يأتي وسط ضغوط متصاعدة يواجهها "إخوان تونس"، بسبب جهاز الاغتيالات السري المتهم بالوقوف وراء اغتيال المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وقال رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، خلال إشرافه مؤخّرا على اجتماع تجديد الهياكل المحلية لحركته في محافظة المنستير الساحلية، إن فرضية تغيير الحكومة قبل الانتخابات "غير مستبعدة".
وأضاف الغنوشي، أن "حركة النهضة بصدد التشاور مع كل الأطراف حول إمكانية الإبقاء على حكومة يوسف الشاهد إلى حين الانتخابات المقرر إجراؤها أواخر العام الحالي، أو تغييرها بحكومة تكنوقراط، أو حكومة انتخابات".
و تصاعدت الضغوطات على "الشاهد" في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، من أجل دفعه إلى توضيح مشروعه السياسي، "تحيا تونس"، والحسم في فرضية ترشّحه إلى الانتخابات الرئاسية، وسط أنباء متواترة حول إمكانية استقالته من رئاسة الحكومة في أبريل القادم.
ويتواتر الحديث في الساحة السياسية والكواليس، بشأن إمكانية إعلان يوسف الشاهد لاستقالته من رئاسة الحكومة في أواخر أبريل القادم، وذلك من أجل التفرّغ لمشروعه السياسي الجديد، والاستعداد لترشح مرتقب في الانتخابات الرئاسية.
حركة النهضة:
وحركة النهضة (حركة الاتجاه الإسلامي سابقاً) هي الحركة التاريخية التي تمثل التيار الإسلامي في تونس، والتي تأسست عام 1972 وأعلنت رسمياً عن نفسها في 6 يونيو 1981.
ولم يُعترف بالحركة كحزب سياسي في تونس إلا في 1 مارس 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشي الثانية بعد هروب الرئيس زين العابدين بن علي البلاد على إثر اندلاع الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010.
وتُعد حركة النهضة في الوقت الحاضر من بين أهم الأحزاب السياسية في تونس.
وفازت حركة النهضة بانتخابات 23 أكتوبر 2011، أول انتخابات ديمقراطية في البلاد، ومارست الحكم عبر تحالف الترويكا مع حزبين آخرين، ضمن حكومة حمادي الجبالي وحكومة علي العريض القياديين فيها، وذلك حتى 2014.
وفي انتخابات 26 أكتوبر 2014، حلت في المرتبة الثانية وشاركت في حكومة الحبيب الصيد ضمن تحالف رباعي، ولكنها لم ترشح أحدًا من صفوفها في الانتخابات الرئاسية التونسية 2014.
تجدر الإشارة إلى أن تونس في العام الماضي 2018، شهدت عدّة تحوّلات اقتصاديّة وسياسية وحتّى اجتماعية كبرى، واعتُبر عام الصدمات التي بدأت ولم تنتهِ بالصراع السياسي الذي طال رأسيْ السلطة في تونس، مروراً بقرار إنهاء التوافق بين الأحزاب الرئيسية، وصولاً إلى تحولات اجتماعية، وتحذيرات من إفلاس.

شارك