الشيخ سيد طنطاوي.. صوت التسامح والحوار

الأربعاء 27/مارس/2019 - 03:05 م
طباعة الشيخ سيد طنطاوي.. حسام الحداد
 
شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي رحل عن دنيانا 10 مارس 2010 في الرياض عن عمر يناهز 81 عاما إثر نوبة قلبية تعرض لها في مطار الملك خالد الدولي، والشيخ سيد طنطاوي الذي تولى مشيخة الأزهر 27 مارس 1996، يعد عن جدارة صوت الايمان والتسامح والحوار، شيخ المجددين في بداية الألفية الثالثة، والذي سار على درب شيوخ وعلماء الأزهر المجددين من أمثال الشيخ شلتوت والشيخ مخلوف حسنين والشيخ عبد الحليم محمود ومحمد عبده. برؤيته الثاقبة للتجديد ومراعاة المستجدات وقراءة التراث قراءة عصرية تمثلت في رؤيته لأعمال وفوائد البنوك التي تبناها بعد ذلك مجمع البحوث، ورأيه في قضية النقاب وانه ليس مفروضا، وإباحته زراعة الأعضاء وتبرعه بأعضائه
ليس هذا فقط بل عمل على تجديد المناهج في الأزهر وأثراها بمؤلفاته التي ملأت المكتبة الأزهرية في لغة عصرية سهلة بعيدة عن الحشو والتعقيد وكثير من القضايا الجدلية التي لا تقوى أفهام التلاميذ على استيعاب عباراتها التي وردت ببعض كتب التراث.
كما خلص كتب المعاهد الأزهرية من جميع القضايا التي تدعو للتشدد والتعصب أو الاحتقان الطائفي في رؤية وبصيرة نادرة سابقة لعصره وزمنه وللأحداث التي نعيشها الآن. مما يجعلنا ندعو إلى إعادة النظر في هذه الكتب التي يسرت كتب التراث وقررتها لطلاب المعاهد الأزهرية في الفقه والتفسير والعقيدة إضافة الى ما كان يمتلكه الراحل رحمه الله ويتميز به من قدرات دعوية خطيبا ومحاضرا مما يجعل من محاضراته في ندوة للرأي والمراجعات الفكرية ما يستحق التأمل والدراسة.
طنطاوي وقضية المرأة
"الإسلام يساوى بين الرجل والمرأة في ستة أمور هي: أصل الخلقة، والتكاليف الشرعية، واعتناق الفضائل واجتناب الرذائل، وطلب العلم، والعمل الشريف، وأخيرا الكرامة الإنسانية»، بتلك الكلمات كان شيخ الأزهر السيد طنطاوي يدافع عن حقوق المرأة في المحافل والندوات.
ويعد الإمام الراحل نصير المرأة في المجتمع المصري، فهو أول من أجاز للمرأة شرعا تولى رئاسة الدولة، وأكد ان المرأة لها حق الترشح والانتخاب وولاية القضاء، وأنه لا يتفق مع من ينكر على المسلمات حقوقهن السياسية.
وقال إن من حق المسلمة البالغة العاقلة في الشريعة أن تباشر الانتخاب وأن تنتخب من تشاء، بل إن لها أن ترشح نفسها للمقاعد النيابية العليا، وأكد حق المرأة في تولى القضاء، قائلا: "لم أجد نصا يمنع المرأة من ولاية القضاء"
وكان الإمام الراحل المدافع الأول عن قضية تجريم الختان في مصر، وكان دائمًا ما يؤكد أن ختان الإناث لم يأت ذكره في القرآن أو السنة النبوية، وأن الختان في الإسلام للرجال فقط، وقال: "من وجهة النظر الدينية لم أجد شيئًا يقول إن الختان واجب للنساء"
وأيد شيخ الأزهر قانون محكمة الأسرة الجديد قائلا: «إن القانون بجميع مواده جاء مطابقا للشريعة الإسلامية، وإنشاء محكمة جديدة للأسرة وإصدار قانون خاص بها يعد خطوة جيدة، والمحكمة ستكون قادرة على سرعة الفصل في الحكم التشريعي، والوصول إلى العدل في أقرب وقت ممكن".
وعندما سُئل عن الاستعانة بالمرأة في لجنة الفتوى، قال: «لو طلبت لجنة الفتوى بالأزهر الاستعانة بالمرأة فلا مانع من ذلك».
حوار الأديان
حول اتهام العرب والمسلمين بالإرهاب أكد الدكتور طنطاوي: أن هذه التهم غير صحيحة لأن شريعة الاسلام تصون دماء الناس، وتصون أموالهم واعراضهم وحريتهم وكرامتهم وقد كرم الله الانسان فقال (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات)، وبين لنا القرآن الكريم أن من قتل نفساً واحدة بدون حق، فكأنه قتل الناس جميعا ومن تسبب في احيائها فكأنه أحيا الناس جميعا فشريعة الاسلام بريئة من هذا الاتهام الباطل، لأنها شريعة الحق والعدل والسماحة، وتعتبر الناس جميعاً من أب واحد ومن أم واحدة. واضاف: وإذا كان في المسلمين من يسيء إلى دينه فليس معنى ذلك أن جميع المسلمين يفعلون هذا، وكل دولة فيها الخير وفيها الشر. أميركا فيها الخير وفيها الشر، فيها العقلاء وفيها غير العقلاء، وأوروبا كذلك، وآسيا وأفريقيا كذلك. فإذا ارتكب الانسان جريمة أو أخطأ فليس معنى ذلك أن ننسب هذا الخطأ إلى الناس جميعاً. وشدد على أن كل اتهام للإسلام بانه دين يدعو إلى القتل هذا اتهام باطل وليس له أساس من الصحة والواقع التاريخي ونصوص القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية يؤيد هذا.
وحول الحوار بين الحضارات والذي نشرته جريدة الشرق الأوسط في نوفمبر 2001، يضع الشيخ طنطاوي معايير للحوار الهادف بين الحضارات مهاجماً ما يصفهم بالسفهاء الذين يسوقون نظرية تصادم الحضارات فيقول: مسألة الحوار نحن نؤيدها في جميع الناس لأن الذي يقرأ القرآن يجد أنه قد ساق ألوانا من المحاورات التي دارت بين أهل الجنة وأهل النار، بين الرسل وبين أقوامهم، بين العقلاء والسفهاء بين المنافقين والمؤمنين، نجد ألوانا عديدة من الحوارات بل نجد أن الله عز وجل قد فتح بابه للحوار حتى مع ابليس ونجد ذلك في سورة الاعراف وسورة ص وغيرها من السور القرآنية وكلها تعلمنا ان الحوار مطلوب مع الاعداء ومع الاصدقاء، لكي تقيم الدليل على أن شريعة الإسلام هي الشريعة التي اختارها الله سبحانه للناس وأن دين الإسلام هو الدين الذي جاء من جميع الانبياء ونجد هذا على لسان سيدنا ابراهيم «إذ قال له ربه اسلم قال أسلمت لرب العالمين» ووصى بها ابراهيم ـ أي بكلمة التوحيد.
ويضيف الدكتور طنطاوي ان من يرى أن الحضارات تتصادم فهو مخطئ. فالحضارات تتصادم عند السفهاء أما عند العقلاء فالحضارات تتعاون. كل دولة لها حضاراتها، ولا مانع من الأخذ من الحضارات الاخرى طالما فيها التقدم الصناعي والصحي والاجتماعي، وثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يرسل بعض اصحابه الى بلاد الاعداء لكي يتعرفوا على أنواع الاسلحة التي لديهم ليصنعوا ما هو أفضل منها أو ليأخذوا هذه الاسلحة للاستفادة منها عندما يحدث نزاع بينهم وبين أعدائهم.
حياته
ولد الدكتور سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر، بقرية سليم الشرقية في محافظة سوهاج 28 أكتوبر 1928، تعلم وحفظ القرآن في الإسكندرية، توفي في الرياض بالمملكة العربية السعودية صباح يوم الأربعاء 10 مارس 2010.
حصل على الإجازة العالية "الليسانس" من كلية أصول الدين جامعة الأزهر 1958.
عمل كإمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف 1960.
حصل على الدكتوراة في الحديث والتفسير العام 1966 بتقدير ممتاز.
عمل كمدرس في كلية أصول الدين جامعة الأزهر 1968.
أستاذ مساعد بقسم التفسير بكلية أصول الدين بأسيوط 1972، ثم انتدب للتدريس في ليبيا لمدة 4 سنوات.
أستاذ بقسم التفسير بكلية أصول الدين بأسيوط في 1976.
عميد كلية أصول الدين بأسيوط 1976.
في عام 1980، انتقل إلى السعودية حيث عمل في المدينة المنورة كرئيس لقسم التفسير في كلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.
عين مفتيًا للديار المصرية في 28 أكتوبر 1986، وكان قبلها أستاذا جامعيا وكل المفتين قبله تدرجوا في سلك القضاء الشرعي.
في 27 مارس 1996 عين شيخًا للأزهر
الشيخ والبابا
بدأت العلاقة بين الدكتور محمد سيد طنطاوي والبابا شنودة منذ عام 1986، بالإخوة الإنسانية الصادقة وبالتشاور فيما بينهما في كل ما يتعلق بمصلحة مصر.
ومن أكثر المواقف التي تدل على هذه الصداقة وأنه ليس هناك فرق بين مسلم ومسيحي عندما قام قداسة البابا شنودة بعد عودته من رحلة علاج في أميركا بزيارة شيخ الأزهر للمشيخة، وتقديم التهنئة بقدوم العيد والصعود إلى الدور الثاني وقد رفض طنطاوي بشدة نظرا لظروف مرضه، ولكن البابا أصر علي الصعود لتقديم التهنئة وكان معه وفد من الكنيسة للغرض نفسه.
وأكد البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية في عديد من المحافل: ... كنا دائماً نتناقش ونتفاهم ثم نخرج برأي واحد مثلما حدث في قانون نقل الأعضاء البشرية ومسألة الإجهاض ولم نكن نختلف مطلقاً وكنا باستمرار رأياً واحداً وفكراً واحداً وتصرفاً واحداً.
تكريم الإمام 
وجهت الكنيسة الدعوة له عام1995م، لزيارة أميركا ومنحته جامعة وستين متر درجة الدكتوراه الفخرية في صنع السلام، كما التقى بنائب الرئيس الأميركي آل جور وأعضاء الكونجرس الأميركي وقتها والقيادات الدينية، ثم تلقى دعوة للمرة الثانية من الكنيسة في (رمضان 1422هـ/نوفمبر2001م) بهدف توضيح وجهة النظر الإسلامية والعربية في أحداث سبتمبر وتوضيح رأي الإسلام في الإرهاب ومقاومته المشروعة وموقف الإسلام من الإرهاب والتطرف.
حرص الملك محمد السادس ملك المغرب على استدعاء شيخ الأزهر والاستماع إليه في الدروس الحسينية أثناء شهر رمضان من كل عام وتميزت جلساته بأنها ذاخرة بالعلم النافع والنابع من القرآن والسنة، اختير رئيساً شرفياً للمؤتمر التاسع عشر للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية المنعقد في الفترة من 27- 30 مارس 2007م عن مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة والذي حضره ثمان وثمانون دولة ومنظمة إسلامية يمثلون مختلف قارات العالم .
أهم مؤلفات الشيخ سيد طنطاوي
* التفسير الوسيط للقرآن الكريم خمسة عشرة مجلداً
* بنو إسرائيل في القرآن والسنة
* القصة في القرآن الكريم “مجلدان
* أدب الحوار في الإسلام
* الاجتهاد في الأحكام الشرعية
* معاملات البنوك وأحكامها الشرعية
* جوامع الدعاء من القرآن والسنة
* أحكام الحج والعمرة
* الصوم المقبول
* الحكم الشرعي في أحداث الخليج
* كلمة عن تنظيم الأسرة
* السرايا الحربية في العهد النبوي
* فتاوي شرعية
* المرأة في الإسلام
* عشرون سؤالاً وجواباً
وفاته
توفي صباح يوم الأربعاء 24 ربيع الأول 1431 هـ الموافق 10 مارس 2010 في الرياض عن عمر يناهز 81 عاما إثر نوبة قلبية تعرض لها في مطار الملك خالد الدولي عند عودته من مؤتمر دولي عقده الملك عبد الله بن عبد العزيز لمنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها عام 2010، وقد صليَّ عليه صلاة العشاء في المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة ووري الثرى في مقبرة البقيع. وقد نعته الفاعليات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي خاصةً مصر.
وبمجرد إعلان وفاة الشيخ طنطاوي توالت على مصر ومشيخة الأزهر برقيات التعازي من العالم كله حيث نعى البيت الأبيض رحيل شيخ جليل هو شيخ الأزهر وقال البيت الأبيض في بيان له: إن الدكتور طنطاوي كان صوتا مدويا للإيمان والتسامح ويتمتع باحترام في مصر والعالم الإسلامي والعالم كله ومن قبل أولئك الذين ينشدون بناء عالم يقوم على الاحترام المتبادل وذكر البيان أن الشيخ طنطاوي شارك في استضافة خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة وأنه يتذكر كرم الضيافة الذي أبداه، فيما أعربت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون عن حزنها لرحيل الإمام الأكبر مؤكدة أنها تشعر ببالغ الأسى والحزن لرحيله وقالت إن شيخ الأزهر كان يحظى باحترام كبير ويقود واحدة من أهم مؤسسات التعليم الإسلامية في العالم ومثلما قال الرئيس باراك اوباما في القاهرة في صيف 2009، فإن الأزهر يمثل منارة للعلوم الإسلامية لأكثر من ألف عام ولايزال يلعب دورا نشطا حتى اليوم. وأضافت أن الإمام طنطاوي كان صوتا مهما في الحوار بين الأديان والمجتمعات وأعربت عن تعازيها لأسرة الإمام الأكبر وأصدقائه والعديد من طلابه وللعالم الإسلامي قاطبة.
فيما اعتبر الفاتيكان أن وفاة شيخ الأزهر الشيخ محمد سيد طنطاوي بالنسبة لعاصمة الكاثوليك هي بمثابة فقدان صديق. وقال الكاردينال جان لوي توران رئيس المجلس الاسقفي للحوار بين الأديان: فقدنا صديقا لأنه كان يبدي على الدوام تفهما كبيرا تجاهنا، وكان يستقبلنا بكثير من الود. وكان شخصية مهمة جدا في الحياة العامة المصرية وانه يتشارك في الحزن مع الأصدقاء المصريين. 
كما أعربت السفارة البريطانية بالقاهرة عن عميق حزنها لوفاة المغفور له فضيلة الأمام الأكبر محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف المفاجئة، وأصدر مجلس كنائس الشرق الأوسط، بيانا جاء فيه: تلقي مجلس كنائس الشرق الأوسط بمزيد من الألم خبر رحيل العالم الجليل فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي والذي عرفناه رجل تسامح ومحبة ساعيا لكل ما فيه الخير لمصر والأمة العربية.

شارك