تقرير أمريكي يكشف خطط جمع وإخفاء وتهريب أموال "داعش"

الثلاثاء 26/مارس/2019 - 12:47 م
طباعة تقرير أمريكي يكشف فاطمة عبدالغني
 
نشر موقع مجلة "ذي أتلانتيك The Atlantic " الأمريكية تقريراً حول الأساليب والطرق التي جمع بها تنظيم "داعش" الإرهابي ثروته.
ويتحدث التقرير عن سبل نقل هذه الأموال ضاربًا مثال بقصة أبو شوكت الذي يعمل في مكتب صغير في ضاحية فقيرة من بيروت، وهو جزء من نظام "الحوال" الذي يستخدم عادة لنقل الأموال بين أماكن لا يعمل فيها النظام المصرفي أو يكون فيها مثل هذا النظام مكلفًا جدًا، وتقول المجلة، "إذا وافق أبو شوكت على العملية يعطي العميل كلمة مرور ويأخذ المال ثم يعطيه معلومات عن وسيط حوالة في المدينة التي تنقل الأموال إليها، ويمكن لمن يقدم كلمة المرور لوسيط معين أن يحصل على المال، وهكذا يمكن أن ينتقل المال عبر الحدود من دون أي تحقيق في شأن مرسله أو متلقيه أو هدفه".
ويضيف التقرير أنه "على الرغم من أن القوات المدعومة من الولايات المتحدة تستعيد الآن آخر جزء من أراضي تنظيم داعش في سوريا، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا في مكان قريب من إسقاط الإمبراطورية الاقتصادية لهذا التنظيم الإرهابي، فهو لايزال قويا ماليًا، ولايزال لديه إمكانية الوصول إلى مئات الملايين من الدولارات، وفقًا لتقديرات الخبراء، ويمكنه أيضًا الاعتماد على قواعد اللعبة التي تم اختبارها في المعركة لاستمرار تدفق الأموال إلى خزائنه، ولكن هذه الثروة المستمرة لها مخاطر حقيقية، حيث تهدد بمساعدته على الحفاظ على ولاء البعض له، فضلا عن الخراب الناتج عن الهجمات الإرهابية لسنوات مقبلة".
تقرير أمريكي يكشف
وأشار التقرير إلى أن واشنطن في إطار جهدها للضغط على التنظيم مالياً، اضطرت إلى الاعتماد على استراتيجية مختلفة اختلافًا جذريًا عن تلك التي استخدمتها في حملتها العسكرية، حيث لم تستخدم الضربات الجوية، وقنابل المدفعية، بل استخدمت أدوات أكثر نعومة، مثل فرض العقوبات على الشركات المرتبطة بالتنظيم، وحرمانها من الوصول إلى النظام المالي الدولي، ولكن هذا النهج سيستغرق سنوات عديدة، وليس هناك ما يضمن نجاحه".
وأكد التقرير على أن نهاية أيام داعش وحكمه، تمثل سيفاً ذا حدين للمسؤولين الذين يتطلعون إلى سلبه موارده، فقد بات من الصعب على التنظيم الاعتماد على مصدرين رئيسيين للدخل: استغلال حقول النفط في العراق وسوريا، وفرض الضرائب على المواطنين الذين يعيشون تحت حكمه، فهذه الأساليب لعبت دوراً رئيسياً في السماح له بجمع حوالى مليون دولار في اليوم، وفق ما أشار إليه مسؤول أمنى عراقي رفيع المستوى، رفض الكشف عن هويته، ما جعل داعش أغنى منظمة إرهابية في العالم- بحسب المجلة-.
من ناحية أخرى، أوضح التقرير "أن فقدان التنظيم للأراضي قد حرره من التكاليف المرتبطة بمحاولة بناء "الخلافة"، مما سمح له بالتركيز على نشاطه الإرهابي فقط.
 وقال التقرير نقلاً عن مسؤول بوزارة الخزانة الأمريكية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن تنظيم داعش يعمل الآن مثل تنظيم القاعدة في العراق، فلم يعد بحاجة إلى الموارد نفسها التي كان يحتاجها عندما كان يسيطر على الأراضي، كما أنه لايزال يجنى العائدات من النفط.
ولايزال التنظيم يعتمد على الثروة الهائلة التي جمعها خلال ذروة قوته، وبحسب المجلة الأمريكية يقول كبير الاقتصاديين في مؤسسة راند، ومؤلف مشارك في العديد من الدراسات حول الشؤون المالية لداعش، هوارد شاتز: "ما نعرفه هو أنهم جمعوا مبالغ كبيرة من الأموال، وغيرها من الأصول، ولكن لا نعرف إلى أين ذهبت هذه الثروة"
ويرى التقرير يبدو أن بعض هذه الأموال تم استثمارها في مشروعات تجارية مشروعة، ففي أكتوبر الماضي، كشفت سلسلة غارات على الشركات المرتبطة بالتنظيم  في مدينة أربيل العراقية، عن مستندات تشير إلى أن التنظيم استثمر في كل شيء، من العقارات إلى توكيلات السيارات، وغالبًا ما تُدار هذه الشركات من قبل وسطاء يتشاركون مع التنظيم، وذلك ليس بسبب التعاطف الأيديولوجى بل من أجل الربح.
وبحسب التقرير أفاد المسؤول الأمني العراقي، رفيع المستوى، أن الجزء الأكبر من أصول التنظيم تم نقله إلى تركيا، وعلى الرغم من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركات الخدمات المالية في سوريا والعراق، التي لها صلات بعيدة مثل منطقة البحر الكاريبي.
ويقال إن بعض هذه الأموال يحتفظ بها نقداً من أفراد في تركيا، بينما تم استثمار جزء منها أيضاً في الذهب.
وتقول المجلة الأمريكية إنها ليست المرة الأولى التي تغض فيها أنقرة الطرف عن نشاط المنظمة الإرهابية على أراضيها، فقد اعتاد التنظيم جني ملايين الدولارات عن طريق بيع النفط المهرب للمشترين الأتراك.
واستهدفت مداهمات أكتوبر في أربيل أيضاً الشبكة المالية التي أنشأها فواز محمد جبير الراوي، أحد قادة داعش الذي تزعم وزارة الخزانة الأميركية أنه يمتلك ويدير شركات خدمات مالية مقرها سوريا، وتتولى تحويل ونقل الأموال إلى تركيا. وتنفي الحكومة التركية باستمرار توفير الملاذ الآمن لأفراد التنظيم أو لأصوله المالية.
كذلك، توفر الدولتان سوريا والعراق، اللتان مزقتهما الحرب، فرصاً واسعة للتنظيم لإحياء التكتيكات التي تم من خلالها تمويل القاعدة. فمن عام 2008 إلى عام 2012، عندما نشط تنظيم القاعدة في العراق لجأ إلى أساليب سرية مثل عصابات المافيا تحت الأرض، حيث اقتنص عقود البناء، خاصة في مدينة الموصل شمال العراق؛ وسرق البضائع وأعاد بيعها؛ وخطف أفراداً من العائلات الثرية للحصول على فدية.
وتابع التقرير "على الرغم من ظروفها المتوترة، كان التنظيم يحقق إيرادات شهرية تبلغ حوالي مليون دولار فقط في محافظة نينوى العراقية في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009.
واليوم، بات لدى داعش المزيد من العوامل التي تصب في صالحه، فتدمير مناطق شمال العراق التي كانت ذات يوم تحت سيطرته سيستلزم جهود إعادة إعمار ضخمة، وفى مؤتمر العام الماضي تعهدت الدول بمبلغ 30 مليار دولار لإعادة بناء المنطقة، وهو رقم لايزال أقل بكثير مما قالت الحكومة العراقية إنها بحاجة إليه، ولكن ضخ الأموال على نطاق واسع يوفر لداعش فرصة أكبر للاستفادة من الفساد، وتظهر الوثائق التي تم رفع السرية عنها أن كبار السياسيين العراقيين، والأكراد، والأتراك، تعاملوا مع القاعدة في العراق عام 2009، ومن المرجح أن يكون الإشراف على كيفية إنفاق الأموال أسوأ الآن، بالنظر إلى حجم المهمة، كما أن التنظيم يحتفظ بسجلات دقيقة لما يقرب من 7 ملايين إلى 8 ملايين شخص كانوا يعيشون تحت حكمه في ذروة قوته، ويمكنه استخدامها لابتزاز العراقيين والسوريين للحصول على الأموال.
وتابعت المجلة "مثل أي تنظيم ذكى، متعدد الجنسيات، فقد قام داعش بتنويع مصادر إيراداته، حتى إذا تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من وقف، على سبيل المثال، أعمال الخطف مقابل الفدية التي يقوم بها التنظيم، فيمكنه اللجوء إلى شركاته التجارية".
ويهدف داعش إلى استغلال انهيار الدول كوسيلة لتمويل منتجه الرئيسي: العنف السياسي، ثم يضعف هذا العنف الدولة بشكل أكبر، مما يخلق المزيد من الفرص المالية للتنظيم الإرهابي.
واختتمت المجلة تقريرها: "صحيح أن النصر العسكري ضد داعش هو سبب للاحتفال، كما أنه يؤدى لتراجع التنظيم عن الاستراتيجية الاقتصادية التي خدمته جيدًا لسنوات، ولكن لا تتوقعوا أن تتوقف هذه الاستراتيجية تماما في أي وقت قريب".

شارك