فرنسا ومواجهات المراكز الفكرية والاجتماعية للجماعات الإرهابية

الإثنين 29/أبريل/2019 - 11:22 ص
طباعة فرنسا ومواجهات المراكز حسام الحداد
 
شهد التوزيع الجغرافي لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي في أوروبا عدة نقلات نوعية منذ تأسيس المركز الإسلامي في جنيف عام 1961 باعتباره أول مؤسسة اخوانية في أوروبا، حيث ركزت الجماعة في مرحلة أولى- في إطار استراتيجيتها الرامية لتوظيف أوروبا كنقطة انطلاق لمهاجمة الأنظمة العربية - على التوسع الرأسي في ثلاثة بلدان أوروبية رئيسية وهى فرنسا وألمانيا ثم بريطانيا لاعتبارات التاريخ والجغرافيا السياسية في ضوء أنها أكبر بلدان الاتحاد الأوروبي من حيث المساحة وعدد السكان، فضلاً عن أنها تمثل مركز استقطاب للجاليات الاسلامية القادمة من البلدان العربية والإسلامية التي كانت خاضعة لتأثيرها الثقافي والاستعماري.
ولقد وظفت الجماعة وجودها المؤسسي في البلدان الثلاثة الذى أتاح لها بناء شبكة من التحالفات والاعتماد المتبادل مع الكيانات الممثلة للكتل الإسلامية الرئيسية في العالم، من خلال الانفتاح على الاسلام التركي الموجود بكثافة في ألمانيا. غير أن النجاح الأكبر تمثل في استغلال الجاليات المغاربية الكبيرة الموجودة في فرنسا كبوابة عبور لجماعة الإخوان إلى منطقة المغرب العربي باعتبارها إحدى الكتل الإسلامية الرئيسية في العالم العربى-الإسلامى. وقد عزز من ذلك، قيام العديد من الحركات الإسلامية المغاربية الموالية للجماعة أو القريبة منها بتأسيس مكاتب لها في فرنسا وبلجيكا بشكل خاص مثل حركة النهضة التونسية وجماعة العدل والإحسان المغربية، بالإضافة إلى عدد آخر من الأحزاب الإسلامية المؤثرة في المغرب العربي. كما أدى الوجود الإخوانى في الدول الأوروبية الثلاثة الكبرى إلى خلق امتدادات مؤسسية اخوانية في الدول الأصغر المجاورة التي تدور في فلكها، كما في حالة ايطاليا وبلجيكا بالنسبة لفرنسا وإيرلندا بالنسبة لبريطانيا وسويسرا بالنسبة لألمانيا.
وفي تطورات الأحداث خصوصا بعد موجات ما أطلق عليه الربيع العربي أصبح الإسلام السياسي يمثل تهديدا ويسعى للانعزال عن الجمهورية الفرنسية.. كما جاء في تصريح أطلقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ردا على مطالب محتجي السترات الصفراء والذي كشف عن أزمة جديدة في طريقها لجماعة الإخوان الإرهابية، بعد أن أدركت فرنسا المشروع التخريبي الذي تتبناه تلك الجماعة.


فقد قال ماكرون في مؤتمر صحفي 25 أبريل 2019: "لا حاجة إلى قناع عندما نتحدث عن العلمانية، نحن لا نتحدث حقيقة عن العلمانية، نتحدث عن طائفية قائمة في بعض الأحياء من الجمهورية"، وأضاف "نتحدث عن الانفصال (عن المجتمع) الذي ترسخ في بعض الأحيان لأن الجمهورية تخلت أو لم تف بوعودها، نتحدث عن الناس الذين لديهم تحت غطاء الدين مشروع سياسي، عن مشروع الإسلام السياسي الذي يسعى إلى الانفصال عن جمهوريتنا، وفي هذه النقطة تحديداً طلبت من الحكومة ألا تبدي أي تهاون".
وتوجه إشارات ماكرون بشكل واضح إلى نفوذ الجمعيات الدينية والخيرية والنشطاء الإسلاميين داخل الأحياء الشعبية التي تقطنها الجالية العربية المسلمة، ومساعيهم لتوسيع الهوة بين هذه الجالية وخاصة الأجيال الجديدة، وبين الدولة الفرنسية وثقافتها وقيمها، والاجتراء على رموزها.
وتبحث فرنسا مكانة الإسلام وتنظيمه على أراضيها، بينما ازداد عدد المسلمين فيها بشكل كبير منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويقدر عددهم بأكثر من 5 ملايين من مجموع سكان يناهز 67 مليون نسمة.
ويتغذى التوتر في المجتمع الفرنسي بشكل منتظم من قبل حالات محددة مثل الحجاب في المدرسة والنقاب، ومساحات للنساء في المسابح أو التشكيك في بعض البرامج المدرسية، واعتمدت فرنسا عام 1905 قانوناً ينص على الفصل بين الكنيسة والدولة بإنشاء جمهورية علمانية.
وتابع ماكرون "قمنا بتعزيز تطبيق (قانون عام 1905) في الآونة الأخيرة، عن طريق إغلاق المدارس عندما لا تحترم قوانين الجمهورية، عن طريق إغلاق المزيد من المؤسسات الثقافية عندما لا تحترم قواعد الجمهورية في ما يتعلق بالنظام العام أو محاربة الإرهاب".
وتأخذ معركة فرنسا مع التطرف الإسلامي بهذا المعنى، بعداً جديداً يضاف إلى البعد الأمني، وهو البعد الثقافي في مواجهة قيم متشددة لا تلقى أي اعتراف بها حتى في البلدان الأصلية للمهاجرين مثل مصر والمغرب وتونس، التي سنت قوانين أكثر تحرراً مما يسعى الإسلاميون إلى فرضه في المجتمعات المغلقة بالمدن الفرنسية.
وتعمل جمعيات ممولة في الغالب من الخارج، على زرع ثقافة متشددة لدى أبناء الجاليات مثل تحريم الاختلاط وتحريم الموسيقى والرقص وفرض لباس محتشم على الفتيات الصغيرات، فضلاً عن الزواج على غير الصيغ القانونية أو ما بات يعرف بزواج الفاتحة أو العرفي أو الشرعي.
ويتم الترويج لهذه الأفكار على نطاق واسع في المدارس الخاصة التي يمتلكها وجهاء وقياديون في التنظيمات الإسلامية المدعومة من دول مثل قطر وتركيا، أو في الأنشطة الموازية مثل النوادي أو المخيمات، أو في اللقاءات العائلية.
وفيما تعمل الدولة الفرنسية على إدماج الجالية وتمثيل ممثلي المسلمين في هياكل استشارية تعنى بشؤون الأديان، فإن الجمعيات الإسلامية تعمل على تعميق عزلة الجالية عن محيطها تحت مسوغ ديني بوصف المجتمع الفرنسي بأنه مجتمع "جاهلية"، وأن قيمه وأفكاره تتعارض مع الدين، ولا بد من مقاطعتها والسعي لتغييرها، وهي أفكار تتبناها جماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة استناداً إلى موروث سيد قطب.
وتركز الجمعيات الخيرية والدعوية المرتبطة بالإسلاميين على الأحياء الفرنسية الفقيرة للتأثير على الشباب خاصة الذين حالت أوضاعهم الاجتماعية دون الاندماج الفعلي في الثقافة الفرنسية، وتتهم بأنها قادت العشرات من الشباب إلى التشدد وعبّدت الطريق أمامهم للالتحاق بالجماعات المقاتلة في سوريا والعراق.
وتجري الإدارة منذ نوفمبر2018، مشاورات مع ممثلي الديانات لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع لإصلاح قانون 1905 هدفه زيادة الشفافية في تمويل أماكن العبادة وضمان احترام القانون والنظام.
وتؤكد تصريحات ماكرون أن فرنسا لم تعد تتحمل السكوت على النفوذ المتعاظم للجمعيات والاتحادات الإسلامية التي تنفذ أجندات مهددة لثقافة الدولة، وأن هذا التوجه ليس خياراً شخصياً له بل سبقه إلى ذلك رئيس الوزراء السابق مانويل فالس.
وبدوره، أطلق تصريحات قوية ضد جماعة الإخوان والسلفيين، متعهداً بأن تكافح بلاده الخطاب المتشدد للتنظيم من خلال القانون والشرطة وأجهزة الاستخبارات، لكنه استدرك بالقول "علينا مساعدة المسلمين الذين لا يتحملون نسبهم خطأ إلى هذه الخطابات، ليس مع الجهاديين أو مع الإرهابيين فحسب بل كذلك مع الأصوليين والمحافظين والمتشددين".
ولكن الجالية العربية والمسلمة لا تزال واقعة تحت نفوذ تلك الجمعيات، التي تتحرك بحرية تامة في التأثير والاستقطاب، كما أن المؤسسات التنفيذية الفرنسية على المستوى الوطني والمحلي لم تتول تحويل مواقف المسؤولين إلى قرارات فاعلة، إذ لا تزال تغمض الأعين أمام الأنشطة المثيرة للشك، وخطابات التحريض على العلمانية، والأموال الكبيرة التي تضخ في الأنشطة مثل التجمع السنوي لاتحاد المنظمات الإسلامية الذي يعقد في مايومن كل عام.
من جانبها قالت داليا زيادة، مدير المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرة، إن إعلان ماكرون بأن فرنسا ستواجه الإسلام السياسي هو امتداد لحلقات نبذ الإخوان المسلمين فى أوروبا وأمريكا. وأضافت، في تصريحات صحفية، أن الغرب فهم الرسالة المصرية التي حاولت الإدارة المصرية توصيلها منذ خمس سنوات عندما ثار الشعب المصري ضد حكم الجماعة وكشف كونها جماعة إرهابية أمام العالم.
ولفتت داليا زيادة، إلى أن العالم أخيراً بدأ ينتبه لخطورة الإخوان، متابعة: يجب أن نبنى على هذا التطور المهم بتشجيع العالم على اتخاذ مواقف مشتركة ضد جماعة الإخوان ووضع حد لانتشارها مستغلة الدين في الشرق والديمقراطية والحريات فى الغرب، وأول هذه الخطوات أن يبدأ الغرب فى حظر أنشطة الجماعة وتصنيفها كتنظيم إرهابي.
بدوره أكد الدكتور طه على، الباحث السياسي، أن تصريحات الرئيس الفرنسي، تأتى في ظل اتجاه من قبل صناع القرار في أوروبا بمحاصرة تيارات الإسلام السياسي، ومواجهتها بعد أن تأكدوا أن تلك التيارات تشكل خطرا كبير على مستقبل أوروبا خلال الفترة المقبلة بسبب تقديم الدعم المالي لتلك الجماعات، وهو ما يعني أن فرنسا في طريقها لاتخاذ خطوات ضد جماعة الإخوان خلال الفترة المقبلة.
من جانبه أكد هشام النجار، الباحث الإسلامي، أن هناك موقف متقدم للقيادة الفرنسية يعكس وعيها بخطورة مشروع الإسلام السياسي في العالم والشرق الأوسط والمنطقة العربية.
وأضاف أن مواقف فرنسا الأخيرة حيال الملف الليبي ومناهضتها للميلشيات الارهابية فى طرابلس ومدن الغرب وكذلك موقفها من أردوغان وحكمه يؤكد أن هناك موقف فرنسي ضد الإسلام السياسي وعلى رأسه الإخوان

شارك