النهضة في تونس.. تمويلات مجهولة المصدر والتهديد بحرب أهلية

الأربعاء 01/مايو/2019 - 02:47 م
طباعة النهضة في تونس.. حسام الحداد
 
مهمة الكشف عن حقيقة تمويلات حركة النهضة المحلية والخارجية مثار شبهات كبيرة ومتعددة؛ خصوصًا أن تونس تنتظرها سنة انتخابية صعبة، سيكون للمال السياسي فيها دور كبير في التلاعب بالنتائج الحقيقية للانتخابات ما دام لم يتم الكشف عن حقيقة مصادر أموالها وكيفية وصول هذه الأموال المجهولة المصدر إليها.
هذا ما أثاره تقرير دائرة المحاسبات في تونس كشف عنه مؤخرا موقع "كيو بوست"، والذي كشف عن تمويلات تلقتها حركة النهضة من أموات وتسجيل هذه التبرعات لها بين سنتَي 2016 و2018،  لغطًا كبيرًا، حيث تضمنت هويّات وأرقام بطاقات هوية لـ68 متبرّعًا، تبين أنهم متوفون عند تاريخ تسجيل التبرعات، ومنهم 25 شخصًا تراوحت تواريخ وفاتهم بين 3 سنوات و11 سنة قبل موعد التبرُّع، وهذا فتح الباب مجددًا على قضايا تثير دائمًا شكوك الرأي العام في تونس حول التمويلات المشبوهة لحركة النهضة.
ولم تستطع حركة النهضة، رغم كل ما قدمته من مبررات، إقناع الرأي العام في تونس بأن أخطاء في تسجيل أرقام البطاقات الشخصية للمتبرعين هي السبب وراء ما جاء في تقرير دائرة المحاسبات من اتهامات لها بأن 68 شخصًا متوفيًا قد تبرَّعوا لها بمبالغ مالية متفاوتة.
ذلك ما أحدث ردود أفعال كبيرة ومن بينها القيادي في الجبهة الشعبية، عمار عمروسية، حيث علَّق على التقرير، قائلًا: "إن تقرير دائرة المحاسبات لا يمكن التشكيك فيه، ويعد دليًلا على أن (النهضة) كانت تتلقى أموالًا من الداخل والخارج". وأضاف عمروسية أن دائرة المحاسبات ليست جهة معارضة، وما ورد في تقريرها جزء بسيط مما يتعلق بتمويلات الحركة، ويبدو أن "النهضة" لديها مصادر أموال مشبوهة من الجهات الأجنبية التي تدعمها. وتابع القيادي في الجبهة الشعبية بأنه على حركة النهضة أن تجيب عن السؤال الحارق وملف الاغتيالات وتنامي الإرهاب زمن حكمها، منوهًا بأن الحركة التقدمية في تونس عليها رفع الصوت عاليًا؛ من أجل إجبار "النهضة" على تقديم توضيحات حول التقرير، ولكن في هذا الملف لا حجة لهم غير المراوغة والمغالطة.
ومن جهتها، علَّقت القاضية كلثوم كنّو، على تقرير دائرة المحاسبات حول الانتخابات البلدية التي انتظمت يوم 6 مايو 2018 باستهزاء، من خلال التذكير بأن الأموات في تونس يتقاضون رواتب تقاعد.
وكتبت كنّو، في تدوينة نشرتها على صفحتها الخاصة بموقع “فيسبوك”: “يصير في تونس.. موتى يتقاضون جراية التقاعد ومنحة الشيخوخة وموتى يصوّتون وموتى يتبرّعون بالمال لحزب واحد”.
وقد علق المحامي رمزي الجبابلي، على تبرُّع الموتى، قائلًا: “هذا مخالف للقانون؛ لأن المتبرع يجب أن يملك الأهلية والشخصية المعنوية والقانونية وأهلية التصرُّف في أمواله العينية، وبوفاة الشخص تنتفي الأهلية والوجود القانوني للشخص”.
وأضاف الجبابلي أن الموضوع اليوم سياسي وأخلاقي بامتياز؛ لأن هنالك تلاعبًا في التقرير المالي المقدم من الحركة، وتبرير التبرعات من شخصيات متوفية؛ منها التي توفيت قبل 12 سنة، وهو أمر تترتب عليه مسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية تتعلق بالقوانين المتبعة في مجال تمويل الأحزاب، وتثبت تلاعبًا في الطرق المحاسبية للحزب.
وتابع المحامي بأن هذه القضية سيكون لها تأثير وانعكاس كبير على مصداقية الأحزاب في الانتخابات القادمة، ودور الدولة في تأمين نزاهتها وشفافيتها؛ لأن هذه الممارسات تؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص بين المتنافسين، وهذه الأموال التي جاءت مصادرها مجهولة، وقرينة سوء النية موجودة، باعتبار عدم معرفة من أين جاءت وكيف استُعملت.
أموال الموتى، القضية التي تلقفتها وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، كانت محط اهتمام كثيرين تهكَّموا ونشروا تدوينات تعكس انعدام ثقتهم في كل ما تدَّعيه حركة النهضة من شفافية ونزاهة، ونشر الروائي والمثقف التونسي الطاهر الضيفاوي، عدة تدوينات على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”؛ منها:
(من معجزات الغنّوشي “يحيي العظام وهي رميم” الموتى يقومو، يتبرّعو بالفلوس للنّهضة، ويرجعو لقبوراتهم).
واحدة من عدد كبير من التدوينات التي استهزأت بما أعلنته حركة النهضة ومحاولات عدد من قياداتها تبرير تبرعات الموتى؛ حيث قال رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، العضو في حركة النهضة،  رضوان المصمودي: “عندما يتوفّى رجل أو امرأة مسنّة، وبعد أن كان مناضلًا أو منتميًا أو متعاطفًا مع حركة النهضة لمدّة عشرين أو أربعين عامًا، فعادي جدًّا أن يضع في وصيّته تبرّعًا لفائدة الحركة وأن يقوم ورثته بتسليم هذا المبلغ بعد وفاته أو وفاتها.. أمر عادي وطبيعي جدًّا”.
التخبُّط في تقديم التبريرات الواهية زاد من كشف حجم تورُّط الحركة بالتمويل المشبوه والأموال مجهولة المصدر؛ مما دفع لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية في مجلس النواب إلى التفاعل مع نشر دائرة المحاسبات تقريرها العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملة الانتخابية لعضوية المجالس الانتخابية لسنة 2018 وبرمجة جلسة استماع إلى ممثلين عن كل من دائرة المحاسبات والهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الموضوع.
هذا التحرُّك جاء لمحاولة كشف أعضاء اللجنة عن حجم الخلل في تمويل الحركة ومصادره، والذي يبقى يثير كثيرًا من التساؤلات داخل وخارج تونس.
ما يحدث الأن يذكرنا بالتلويح الصريح من قبل حركة النهضة بالعنف والحرب الأهلية مع كل أزمة سياسية تحدث في تونس ففي الوقت الذي تحاول فيه حركة النهضة طرح نفسها كحركة ديمقراطية، مؤمنة بصندوق الانتخابات، لا يجد ابن سالم من حل في حال انتهاء الائتلاف مع نداء تونس سوى التهديد بحرب أهلية كالتي تشهدها ليبيا منذ 7 سنوات.
ان حركة "النهضة" المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، دائما ما ترى الحلول الصعبة التي تتماشى مع خبرتها في إحداث الفوضى، مثلما فعل إخوان مصر وليبيا وسوريا… فقد لوّحت جماعة "الإخوان المسلمين" بالعنف أكثر من مرّة وفي أكثر من مكان، ونفذت وعيدها، مثلما هدد القيادي الإخواني المصري محمد البلتاجي بإشعال سيناء بالإرهاب، في حال لم يعودوا للسلطة، وهو ما نفذه الإخوان حرفيًا هناك، مما يؤكد على الطبيعة الواحدة والمشرب الواحد الذي يستقي منه أفرع الإخوان في العالم مبادئهم وأفكارهم.
ولم تأتِ تصريحات ابن سالم التي أطلقها في يوليو 2018، ك "زلة لسان"، عندما أكّد بأن البديل لانتهاء الائتلاف مع نداء تونس هو حرب أهلية كما يحدث في الجارة ليبيا. وكان زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، قد صرح، في 11 فبراير من العام نفسه، قائلًا: "كل من يعدّ حركة النهضة ليست حزبًا سياسيًا، أو يتّهمها بالإرهاب، إنما يراهن على حرب أهلية".
وجاءت تصريحات الغنوشي بعد ساعات من تصريحات النائب عن “الجبهة الشعبية” اليسارية، زياد لخضر، خلال إحياء الذكرى الخامسة لاغتيال القيادي شكري بلعيد، حين قال إنّ “النهضة تُغالط الشعب، ولم تفصل بين الدعوي والسياسي”، بالإضافة لاتهامات من الجبهة الشعبية للنهضة بمشاركة الأخيرة في اغتيال شكري بلعيد.
وقد رد الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمّة الهمامي على تصريحات الغنوشي وقتها قائلًا: “تصريح الغنوشي كشف مجددًا أنّ فكر حركته لا يقوم على صراع الأفكار، بقدر ما يرتكز على الالتجاء إلى العنف، في محاولة يائسة لتخويف الخصوم السياسيين”.
التلويح الصريح بالعنف والحرب الأهلية مع كل أزمة سياسية تحدث في تونس، تعتبر نوعًا من أنواع الحرب النفسية التي يقوم بها النهضويون لإرهاب الشعب التونسي، وتسليم أمره للحركة التي يصفها خصومها السياسيون بأنها حركة “رجعية غير عصرية”، على حد وصف الناطق باسم نداء تونس منجي الجرباوي.
التخويف من مصير ليبيا مثلما هدد ابن سالم، أرجعه مراقبون إلى إنه إحدى ثمار الأزمة التي تعيشها النهضة داخليًا، مما جعل قادتها ينفون “ديمقراطيتهم” بألسنتهم، ويعلنون تمسكهم بالعنف الذي يتهمهم به الكثير من الكتل السياسية في تونس.
وكان محمد بن سالم قد أثار الكثير من الجدل في مواقف وتصريحات سابقة، إذ تسيطر عليه مقارنات دائمة بين ما يحدث في تونس وما يحدث في البلدان العربية الأخرى التي يتواجد بها الإخوان المسلمون، فقد حذّر الشهر الفائت من أن مصير الإخوان في تونس قد يكون مشابهًا لمصير إخوان مصر في حال قدموا مرشحًا للرئاسة!
وتسيطر على الرجل عقدة المقارنات، فبرغم إعلان النهضة خلاصها من جماعة الإخوان المسلمين العالمية، إلّا أنه لا يستطيع الخروج من كونه “إخوانيًا” قبل أن يكون تونسيًا، ولذلك فهو مسلوب بفكر الجماعة وتجاربها في باقي البلدان العربية.

شارك