النهضة وداعش والانتخابات التونسية

الثلاثاء 09/يوليو/2019 - 03:23 م
طباعة النهضة وداعش والانتخابات حسام الحداد
 
بينما يستعد الشعب التونسي لخوض ثالث استحقاق انتخابي منذ الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987 - 2011)، تعود إلى الظهور العمليات الإرهابية، في توقيت يجعل الكثيرون يلقون بالاتهام على أطراف أطراف إقليمية بالوقوف خلفها؛ خوفًا من استقرار التجربة الديمقراطية التونسية، عبر الانتخابات التشريعية والرئاسية، في 6 أكتوبر و17 نوفمبر المقبلين على التوالي.
حيث شهدت تونس ثلاث عمليات إرهابية متزامنة، منهما تفجيران انتحاريان باحزمة ناسفة تبناهما "داعش" استهدفا وسط العاصمة تونس، وأسفرا عن مقتل شرطي ومدنيين اثنين وإصابة خمسة عناصر الأمن ومدنيين آخرين.
وأعلنت الداخلية التونسية، أن إرهابيًا مطلوبًا على خلفية تفجيرين انتحاريين، فجّر نفسه بإحدى ضواحي العاصمة، باستخدام حزام ناسف، أثناء إطلاق قوات الأمن النار عليه.
وحول هذا الموضوع يرى جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري، أن "العمليات التّي شهدتها تونس مؤخرًا فاشلة، رغم أن المناخ الذي وقعت فيه مربك للغاية، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة، مقابل موسم سياحي واعد، وهذا أمر مريب".
ويضيف "بن مبارك" في حديثه المنشور على موقع "ميدل ايست" أن "الأحداث تتزامن مع الوعكة الصحية لرئيس الجمهورية الباجي قائد السّبسي، والمناخ السياسي المتوتر حول الانتخابات والدعوات إلى تأجيلها.. كما أن ما يحدث في ليبيا والجزائر والسودان واليمن ليس بمعزل عما يحدث في تونس".
ويتابع: "من بيده أدوات الإرهاب لديه رسائل سياسية يريد تبليغها".
ويُنظر إلى تونس على أنها التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة بين دول عربية أطاحت ثورات شعبية بأنظمتها الحاكمة، بينها مصر واليمن وليبيا.
وقال بن مبارك ان التجربة الديمقراطية ستتواصل وستزداد زخمًا.. الشعب والقوى الحية متفطنة لمحاولات وادها، وهي محاولة ليست الأولى وتعود وتتكرر.. هناك فطنة كبيرة من الجزء الكبير من الشّعب التونسي".
ويرى "بن مبارك" أن "من نفذ العمليات الإرهابيّة هم شّباب يتم غسل أدمغتهم في صلب المنظمات الإرهابية".
ويتابع: "هم ينفذون العمليّات في إطار توجهاتهم الأيديولوجيّة، لكن الأوامر تأتي من خارج الحدود، فهم مجرد أداة".
أما باسل الترجمان، وهو محلل سياسي تونسي، فيذهب إلى أن "من يريد أن يتهم أي دولة عليه أن يثبت ذلك".
ويقول الترجمان "نعرف من تورط في نقل الإرهابيين، ومن ينقلهم حاليًا، ومن جعل عاصمته عاصمًة للجماعات (الإرهابية)".
ويلفت إلى أن "هذا المخطط الداعشي جاء بعد أربع سنوات من عمليّة إرهابية ضربت (مدينة) سوسة (شرقي تونس)، وأودت بحياة عشرات السياح".
ويتابع: "واليوم تستخدم الجماعات الإرهابية الذّكرى والتاريخ للتأكد من أنها لم تتزحح عن رؤيتها ومنهجيتها في ضرب أمن واستقرار تونس".
ويرى أن "هناك متغيرات إقليمية خطيرة متمثلة أساسًا في عودة مئات الإرهابيين من داعش وجبهة النصرة ووضعهم في الغرب الليبي وتحالفهم المكشوف مع حكومة فائز السراج (معترف بها دوليًا)، ومقتل عشرات منهم في معارك بليبيا".
ويعتبر أن "هؤلاء يستغلون عودتهم لتنفيذ مخطط لضرب أمن واستقرار تونس.. والسؤال هو: من الذي سهّل لهم مغادرة معاقل داعش شمالي سوريا والانتقال إلى طرابلس ومصراته وغيرهما؟".
ويرى الترجمان أن: "داعمو الإسلام المتطرف في شمال إفريقيا هم المسؤول الأول عن الإرهاب".
ويختم بأن "أطراف مرتبطة بالإسلام السياسي (لم يحددها) سعت إلى تأجيل الانتخابات في تونس.. تلك الأطراف تخشى الهزيمة في الانتخابات، ولم تستطع أن تقنع الأطراف الأخرى بمصداقيتها في العمليات الديمقراطيّة".
ويرى مراقبون ان خطر التطرف في تونس تنامى في عهد حكومة الترويكا بعد اول انتخابات تونسية اثر نجاح الثورة والتي كانت حركة النهضة ابرز مكوناتها.
واتهمت اطراف حزبية عديدة في تونس الاسلام السياسي بالتسبب في تنامي ظاهرة التطرف والتشدد بفتح الباب امام جماعات متشددة للعمل في تونس ما سهل انتشار الإرهاب والجماعات المسلحة في الجبال بعد محاصرتها داخل المدن.
كما تتهم حركة النهضة بانها كانت المتسبب في ظاهرة تسفير الشباب التونسي للقتال في مناطق النزاع في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من الدول التي تعيش حروبا وازمات.
وطالبت جهات سياسية بضرورة فتح ملف تمويل ودعم الارهاب في فترات ما بعد الثورة خاصة اثناء حكم الاسلاميين من 2012 الى 2014.
وتتهم حركة النهضة بربط علاقات مع متشددين لدعمها في مواجهة خصومها لكن النهضة تنفي ذلك وتعتبر الاتهامات محاولات من خصومها لتوريطها واقصائها.
وحمل سياسيون التوافق بين نداء تونس ومؤسسه الباجي قائد السبسي ورئيس النهضة راشد الغنوشي مسؤولية التعمية على ملف خطير وحساس وهو ملف دعم وتمويل الانشطة الارهابية في تونس.
وتعد تجربة الإخوان في تونس الأكثر نفاقاً وتقرباً من الشارع عند الحاجة إليه. أما في الغرف المغلقة بعيداً عن الإعلام، فإن حركة النهضة التي يتحدث زعيمها الغنوشي عن الديمقراطية، تتعامل مع نفسها ومع تاريخها بوصفها حركة إخوانية سلفية صدامية، ولا تختلف عن غيرها من فروع التنظيم في الأقطار الأخرى.
ومن الواضح أن فشل التجربة الإخوانية وانهيارها في مصر، أدى إلى منح دروس قاسية لبقية فروع الإخوان. بل إن الشارع العلماني في تونس كان يرسل إشارات تحذير مبكرة لحركة النهضة، والتقطها زعيم النهضة راشد الغنوشي، وأصبحت لديه معرفة جيدة بمدى رفض المجتمع التونسي وغيره من المجتمعات لمشروع الإخوان .
لكن الفروع الإخوانية الأخرى وفي مقدمتها إخوان مصر، كانوا يعتقدون أن الرفض والصدام يتعلق بالسلطة فقط، بينما يدرك الغنوشي أن المجتمعات لا يمكن أن تقبل خرافات الأخونة والهيمنة السياسية باسم الدين.
لدى الغنوشي كذلك التجربة التركية التي يخشى عليها أن تسقط، وهي بالفعل مؤهلة للسقوط والانهيار بفعل سياسة أردوغان. ولا أحد ينكر أن النواة الصلبة للمجتمع العلماني في تونس لها دور كبير في وضع حدود إجبارية للغنوشي وحركته.

وعليه أن يبقى في حالة غزل ونفاق لإقناع المجتمع وأطراف الساحة السياسية في تونس أن النهضة قد تغيرت، وأن الجذور السلفية للإخوان أصبحت منزوعة من حركة النهضة.
لكن المتابع لخطابات وتحركات الغنوشي وبقية قيادات النهضة، يدرك أن تغيير الأقنعة أصبح أمراً مكشوفاً.
لأن الإخوان طبعة واحدة، من حيث جذور الفكر والخطاب والأوهام والمخاوف. وكذلك من حيث تقييمهم للمجتمعات التي يعيشون في ظلها. لذلك يشعرون بالغربة عن الفضاء الوطني المحلي، لأن ما يطلقون عليه بالأخوة  وعالمية الدعوة والتنظيم، يجعلهم أقرب إلى أمثالهم في أماكن أخرى، بينما يتباعدون وينأون بفكرهم وتضامنهم وخططهم المستقبلية عن أبناء الوطن الذي يعيشون فيه. وخلفية هذا الشعور بالاغتراب وبالرؤية إلى التنظيم وكأنه كتلة ملعونة ومستهدفة من قبل الواقع، تعود إلى غياب مفهوم الوطن والانتماء والهوية الوطنية عند الإخوان.
ومع تواجد حركة النهضة في مفاصل الحكم والتشريع في تونس، تشجعت عناصر التطرف والإرهاب، وارتكبت سلسلة جرائم إرهابية واغتيالات متفرقة سقط خلالها ضحايا، بعضهم من رموز العلمانية في تونس. وسبب ذلك أن التيارات الظلامية شعرت أنها مسنودة سياسياً وتنظيمياً بتواجد ممثلين للإسلام السياسي في الحكم. وتكررت شواهد وأدلة على أن إخوان تونس من خلال ذراعهم السياسي حركة النهضة، تواصلوا بشكل مباشر مع مجموعات سلفية وجهادية متشددة، وأوصلوا لها رسائل، مفادها أن التمكين للإسلام السياسي في تونس قادم، وأن المسألة تتطلب القليل من الوقت والصبر.

شارك