الأصولية الإسلامية: حركات الإحياء والإصلاح والتطرف

الأحد 20/أكتوبر/2019 - 12:36 م
طباعة الأصولية الإسلامية: حسام الحداد
 
الأصولية الإسلامية تعبير غامض، شاع استعماله لوصف العقيدة النضالية للحركات الإسلامية المعاصرة. رغم أن الأصولية لغةً من الأصل، وهو قاع الشيء وما يبنى عليه غيره، سواء أكان حسياً كالأساس الذي يشيّد عليه البناء فهو أصله، أم عقلياً كبناء الأحكام الجزئية على القواعد الكلّيّة. والأصولية اصطلاحاً من «الأصول» المتعلقة بعلوم دينيه. ويطلق لفظ «الأصول» على مصطلحات مختلفة أشهرها ما يدل على ثلاثة من العلوم الإسلامية هي: أصول الدين وأصول الحديث وأصول الفقه. ويسمى علم أصول الفقه، غالباً، علمَ الأصول، ويعرَّف بأنه العلم بقواعد الفقه الإسلامي وبالأدلة التي تؤدي إلى تقرير الأحكام الشرعية وبمناهج استنباطها.
غير أن استعمالها في هذا الكتاب يشير إلى منظومات فكرية وحركات سياسية إسلامية برزت في القرن الثامن عشر في بعض بلدان المنطقة العربية عموماً وفي بلدان آسيوية وأفريقية مثل إندونيسيا والهند ونيجيريا 
من هنا تتوخى هذه الدراسة تقديم قراءة جديدة لظاهرة الحركات الإسلامية الحديثة والمعاصرة، وتحاول – كما يأتي في تقديمها – أن تبين مدى صحة تمثيل هذه الحركات للإسلام في جذوره وبدايات نشوئه، وذلك انطلاقاً من التقاط السياق السياسي ومن ثم البعد التاريخي لكل منهما. وعليه، تُجري الدراسة مقارنة معمقة بين الإسلام في منعطفاته المتنوعة وهذه الحركات التي تنسب كل ما تؤمن به أو تفعله إلى الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أو سيرة النبي والصحابة والإرهاصات الأولى للدعوة.
وقد قُسِّمت الحركات الإسلامية التي نشأت في العصر الحديث والراهن إلى ثلاثة تيارات أو مدارس، تتمايز وتتغاير عبر كل الأصعدة الثقافية والفقهية والسياسية، وربما الأهم عبر اختلاف قواعدها الاجتماعية. وتأتي الحركة الإسلامية الإحيائية أول هذه التيارات، وهي قبلية التكوين في معظمها، تؤكد قبائليتها القدرة الذاتية للإسلام ليجدد نفسه من دون الالتفات إلى نظم أو تجارب أخرى. ويأتي «توحيد الله»، والمهدوية أو التجديد والجهاد، في مقدمة مفاهيمها الفاعلة، بينما تمثل الهجرة المتبوعة بالجهاد أبرز أساليب الصراع لديها. ولعل الوهابية كانت أبرزها.
وقد حلت محل الإحيائية الإسلامية بعد فشلها، الإصلاحية الإسلامية في القرن التاسع عشر. وكانت عكس الأولى منفتحة إلى حد بعيد على ما استجد وأثبت جدواه في مجتمعات وثقافات مغايرة. وقادتها مجموعات من سكان المدن، بخاصة تلك التي تعمل في مؤسسات دولها. ولعل حركة التنظيمات العثمانية ومدرسة الأفغاني – عبده هما أبرز من مثّلها. وتأتي الشورى، السلفية، الوطنية، رفض الإسلام القروسطي، والإسلام كمدوّنة للقوانين النموذجية الحديثة، في صلب مفاعيلها الفاعلة. ويمثل التعليم، نشر المعرفة، وإصلاح مؤسسات الدولة، أبرز أساليبها للصراع.
ثم كانت الراديكالية الإسلامية بكل أطيافها المعاصرة والراهنة. ويتبناها قطاعات من الحرفيين والموظفين الصغار أو شرائح من أبناء الريف الذين استقروا حديثاً في المدن بحثاً عن عمل أو هرباً من عالم تزداد آفاقه ضيقاً. ولعل تنظيم «القاعدة» كان من أبرز التيارات التي مثلت الراديكالية الإسلامية وكانت الأكثر تأثيراً في مجريات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط منذ الثمانينيات حتى بروز تنظيم «داعش» أو الدولة الإسلامية في العراق والشام، والنصرة، وعشرات المنظمات الأخرى التي تكاثرت عقب «الربيع العربي». ويرى المؤلف أن «داعش» وأخواتها لا تضيف بعداً كيفياً أو نوعياً للملامح الرئيسية للراديكالية الإسلامية التي يعرض لمفاهيمها الفاعلة وأبرزها: حاكمية الله، الطليعة، الأسرة والجاهلية. وتعد المفاصلة والجهاد أبرز أساليبها للصراع.
والجدير بالذكر أن هذا الكتاب في طبعته الإنكليزية بات يُعتمد في البرامج الدراسية للجامعات في أنحاء شتى من العالم، وأضحى مرجعاً أساسياً في الدراسات التي تتناول تاريخ الحركات الإسلامية الحديثة وتكوينها ومنظومتها الفكرية. ويؤمل أن يجد القارئ العربي بعض الفائدة في رسم دليل واضح للدخول إلى عالم هذه الحركات والتمكن من إدراك الفوارق بينها ودراسة أنشطتها السياسية والعنيفة التي تحمل عناوين الدين.

شارك