الحشد الشعبي.. بين الولاء لإيران ودوره في قتل الشعب العراقي

الإثنين 09/ديسمبر/2019 - 12:05 م
طباعة الحشد الشعبي.. بين حسام الحداد
 
استفاق العراق، الاثنين 9 ديسمبر 2019، على مزيد من الموت الذي طال شبابه وناشطيه. فقد انضم ليل الأحد ابن كربلاء، فاهم الطائي، إلى لائحة الاغتيالات التي ما فتئت تصيب عدداً من الصحافيين والناشطين ضمن الحراك المعارض في الشارع.
وأدى خبر الاغتيال إلى غضب واسع في الشارع العراقي، وعلى منصات التواصل.
بدوره، عقد محافظ كربلاء ليلاً اجتماعاً طارئاً مع مديري الأجهزة الأمنية على خلفية الاعتداءات التي طالت بعض الناشطين.
وقد تم خلال الاجتماع، الاتفاق على توجيه الأجهزة الأمنية المختصة بتشكيل فريق عمل بشكل عاجل وسريع للقبض على الإرهابيين وتقديمهم للعدالة، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء العراقية.
يذكر أن عدداً من الناشطين في الاحتجاجات العراقية تعرضوا إلى سلسلة من الهجمات غير المسبوقة منذ صباح الأحد وحتى وقت متأخر أدت إلى مقتل الطائي، وإصابة ناشطين آخرين ونجاة رابع.
وفي التفاصيل، أصيب الناشط الطبيب مهند الكعبي بجروح صباح أمس الأحد في منطقة سيف سعد بكربلاء، عندما انفجرت عبوة ناسفة على عجلة كانت تقله.
إلى ذلك، أصيب الناشط، باسم الزيدي، بمحافظة ميسان جنوب العراق في محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها في وقت متأخر الأحد، في منطقة مغربة بالمحافظة.
كما نجا كل من رئيس تنسيقية كربلاء للحراك إيهاب الوزني، والناشط منتظر علي مجيد الجبوري من محاولة اغتيال.
وتعقيبا على ما يحدث أعلنت السفارة البريطانية في بغداد على تويتر، الأحد، نقلاً عن بيان مشترك مع السفارتين الفرنسية والألمانية، أن سفراء الدول الثلاث التقوا، الأحد، رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، وطالبوه بضمان حماية المتظاهرين.
ودان السفراء قتل المتظاهرين السلميين منذ الأول من أكتوبر، من بينهم الذين قتلوا في بغداد الجمعة، وطالبوا عبد المهدي بإجراء التحقيقات اللازمة بصورة عاجلة ومحاسبة جميع المسؤولين عن عمليات القتل. كما أكدوا على عدم السماح لأي فصيل مسلح بالعمل خارج سيطرة الدولة.
إلى ذلك حثوا الحكومة العراقية على "ضمان تنفيذ القرار الذي اتخذته حديثاً بإعطاء الأوامر للحشد الشعبي بعدم التواجد قرب مواقع الاحتجاج وأيضاً بمحاسبة الذين يخرقون هذا القرار".
من جهتها، طالبت النقابات العراقية بتقديم الجناة والمتورطين بقتل المتظاهرين إلى العدالة. كما دعت، في بيان الأحد، إلى تظاهرات حاشدة، الثلاثاء، وحصر السلاح بيد الدولة والحفاظ على سيادة البلاد، إضافة إلى حصر تأمين ساحات التظاهر بالجيش العراقي وحده.
بدورها، أعفت السلطات العراقية، الأحد، قائد عمليات بغداد، الفريق الركن قيس المحمداوي، بسبب وضعه الصحي، وفق وكالة الأنباء العراقية "واع".
وأضافت الوكالة الرسمية، نقلاً عن مصدر عراقي مسؤول، أنه تم تكليف اللواء عبد الحسين التميمي قائداً لعمليات بغداد بدلاً من المحمداوي.
يذكر أن المحمداوي كان تسلم مهام قائد عمليات بغداد، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد إعفاء الفريق الركن جليل الربيعي من منصبه.
إلى ذلك، أحالت وزارة الدفاع العراقية، الأحد، قائد القوة الجوية وعدداً من الضباط على التقاعد.
يشار إلى أن هذه الهجمات وقعت عقب مرور يومين على هجوم دامٍ استهدف المحتجين في منطقتي السنك والخلاني وسط العاصمة بغداد نفذه مسلحون مجهولون، وخلف عشرات القتلى والجرحى، في مؤشر خطير على تصاعد العنف في المحافظات ذات الغالبية الشيعية التي تشهد تظاهرات ضد الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين.
تشير أصابع الاتهام جميعا في عمليات قتل العراقيين والاغتيالات التي واكبت احتجاج الشارع العراقي ما يطلق عليه "الحشد الشعبي العراقي" والتي كانت الحجة في تشكيل هذه المليشيات محاربة "داعش"، لكن الهدف الرئيسي لها تمثل في تنفيذ المشروع الإيراني في السيطرة على العراق بشكل كامل واتخذه منطلقا لتنفيذ المشروع الإيراني في السيطرة على الشرق الأوسط وإثارة الاضطرابات فيها لزعزعة أوضاعها وتضعيف دولها كي تكون جاهزة لسيطرة إيران عليها، فنظام المرشد ومنذ سيطرته على الحكم في إيران عام ١٩٧٩ أعلن عن تصدير ما أسماه بالثورة إلى المنطقة تنفيذا لأطماعه التاريخية.
وتزامنا مع إعلان القوات الأمنية العراقية عن بدء عمليات تحرير الأراضي من تنظيم "داعش" عام ٢٠١٥ باشرت مليشيات الحشد تنفيذ جرائمها ضد المدنيين العراقيين الذين كانوا محاصرين تحت سيطرة "داعش"، فقتلت آلاف المدنيين في محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار والموصل، واختطفت أكثر من ٢٠ ألف مدني آخر، بحسب إحصائيات رسمية.
ولاء مطلق لإيران
تتكون مليشيات الحشد الشعبي من أكثر من ٧٠ فصيلا مسلحا تشرف على قيادتها رسميا كتائب "حزب الله العراق" التي يتزعمها أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد المعروف بولائه لنظام ولاية الفقيه ولسليماني، وهو برتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني.
وتأتي في مقدمة مليشيات الحشد، مليشيات كتائب حزب الله العراق بزعامة المهندس، وبدر بزعامة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، والنجباء بزعامة أكرم الكعبي، وكتائب الإمام علي بزعامة شبل الزيدي، وكتائب سيد الشهداء بزعامة أبو آلاء الولائي، وسرايا الخراساني بزعامة حامد الجزائري، وجيش المختار الذي يتزعمه واثق البطاط التابع لزعيم حزب الدعوة نوري المالكي، وهذه المليشيات هي الرئيسية التي تتقاسم النفوذ السياسي والعسكري في المدن العراقية باستثناء إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالفيدرالية ويخضع لسلطة حكومة الإقليم.
تحصل مليشيات الحشد الشعبي على التدريب والسلاح من فيلق القدس الإيراني الذي يتولى تسليح المليشيات بكل أنواع الأسلحة والصواريخ وينتشر ضباط من الفيلق ومليشيات حزب الله اللبنانية في معسكرات الحشد المنتشرة في المدن العراقية كمدربين وخبراء ومستشارين، وفي الوقت ذاته تحصل مليشيات الحشد على السلاح من مصدر آخر، وهو الحكومة العراقية التي تزودها بكل أنواع الأسلحة، خصوصا الثقيلة والآليات، وتمولها في الوقت ذاته بأموال طائلة من ميزانية العراق.
وبحسب إحصائيات رسمية حصلت عليها "العين الإخبارية" من مصادرها داخل الحكومة العراقية، يبلغ عدد مسلحي مليشيات الحشد أكثر من ٢٠٠ ألف مسلح غالبيتهم من عناصر المليشيات الرئيسية المذكورة، ينتشر غالبيتهم في العراق، في حين يوجد قسم منهم في سوريا ولبنان واليمن.
تمكنت هذه المليشيات بفعل الأموال التي تستولي عليها من ميزانية العراق ومن الدعم الإيراني وتهريب النفط وتجارة المخدرات والسلاح والبشر وتبيض الأموال وصفقات الفساد المالي الكبيرة المتورطة فيها، وبالاعتماد على الدعم الإيراني من دخول العملية السياسية بعد أن تمكنت وبتدخل مباشر من إيران أن تزور الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق في مايو/أيار من عام ٢٠١٨ وباتت تمتلك كتلة كبيرة في البرلمان باسم "كتلة الفتح"، فضلا عن الأحزاب الموالية لإيران المتحالفة معها، وشكلت الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي وباتت تتحكم بالملف السياسي العراقي وإضافته إلى جانب الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي تخضع اليوم بشكل كامل لسيطرة إيران.
صراعات تخرج للعلن
توالي الأزمات الواحدة تلو الأخرى والانهيار الاقتصادي وانعدام الخدمات والفقر والبطالة وتنفيذ مليشيات الحشد لعمليات إرهابية ضد العراقيين وهجمات صاروخية ضد التحالف الدولي والمصالح الأمريكية وشركات النفط ومحاولات توريط العراق بالصراعات الدولية وتحويله إلى ساحة للحرب بالنيابة عن النظام الإيراني ضد الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدام أموال العراق لإنقاذ طهران من العقوبات الدولية التي فرضتها واشنطن على إيران لإنهاء دورها الإرهابي في العالم وأسباب أخرى دفعت العراقيين إلى الانتفاضة ضد هذه المليشيات والمطالبة بإنهاء دورها.
ومع ازدياد الضغوطات الشعبية والدولية على النفوذ الإيراني في العراق بدأت ملامح الانقسام داخل صفوف هذه المليشيات تظهر بشكل واضح للعيان، فمليشيات سرايا السلام التي يتزعمها رجل الدين مقتدى الصدر انخرطت منذ اللحظة الأولى مع المتظاهرين وأعلنت عن تأييدها لهم، لكنها لم تتمكن من قيادتهم، لأن الشباب المتظاهر في العراق يرفض صعود أي طرف سياسي أو عسكري داخلي أو دولي موجة الاحتجاجات، ويطالب بحكومة إنقاذ وطنية يختارها المتظاهرون وانتخابات مبكرة تحت إشراف دولي.
فيما تحركت المليشيات الأخرى ضد المتظاهرين وشاركت في غرفة عمليات شكلها قاسم سليماني من قادة المليشيات للقضاء على المظاهرات، وتستخدم هذه المليشيات منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما زالت العنف المفرط بكل الأشكال لإنهاء هذه المظاهرات، لكنها فشلت حتى الآن في تحقيق ما تهدف إليه.
وباتت ملامح الانقسام بشكل كبير على صفوف مليشيات الحشد واضحة منذ السبت الماضي عندما هاجمت طائرة مسيرة مقر الصدر الرئيسي في منطقة الحنانة في النجف.
وكشف نائب عن تحالف سائرون النيابي الذي يدعمه الصدر لـ"العين الإخبارية" مفضلا عدم الكشف عن اسمه، أن "التحقيقات الأولية أثبتت أن الطائرة المسيرة التي نفذت الهجوم إيرانية، وانطلقت من مقر إحدى المليشيات ضمن صفوف الحشد في النجف بإشراف من ضباط في فيلق القدس"، مشيرا إلى أنها من الطائرات الإيرانية التي تُنقل قطع غيارها من إيران إلى العراق لتجميع أجزائها داخل الأراضي العراقية.
ورغم عدم وقوع خسائر تذكر وعدم وجود الصدر في المقر، فإن أنصاره وعناصر سرايا السلام خرجوا بمظاهرات عارمة في النجف وبغداد، وتوعدوا بالرد على المليشيات التي نفذت الهجوم بشكل مسلح، فيما إذا لم تتخذ الحكومة العراقية الإجراءات القانونية اللازمة لمعاقبة المهاجمين.
محاولات فاشلة لإجهاض الثورة
الانقسام بين صفوف الحشد لم يتوقف عند هذا الحد بل شمل إصدار فالح الفياض رئيس هيئة مليشيات الحشد الشعبي قرارا رسميا، السبت، هدد خلاله بمعاقبة عناصر الحشد الذين يوجدون في ساحات التظاهر لتنفيذ مهمة حماية المتظاهرين أو أي مهمة أخرى في إشارة إلى أصحاب القبعات الزرقاء (سرايا السلام) الذين شاركوا مع المتظاهرين. وبحسب بيان أنصار الصدر والأشرطة المصورة التي تناقلتها صفحات الناشطين والمتظاهرين، ليل الجمعة، في مواجهة مليشيات حزب الله وعصائب أهل الحق التي شنت هجوما مسلحا على المتظاهرين في ساحات الخلاني والوثبة وكراج السنك وسط بغداد.
الصراعات المتواصلة بين صفوف مليشيات الحشد وتعمقها يوما بعد يوم تنذر وبحسب مراقبين للمشهد العراق، بحرب داخلية بين هذه المليشيات التي ستكون ساحتها بغداد ومدن جنوب العراق، ستورط العراق وشعبه والمنطقة بأزمات جديدة هم في غنى عنها، في وقت يسعى فيه الحرس الثوري الإيراني الى رأب الصدع بين مليشيات الحشد من خلال جر المتظاهرين السلميين والعشائر العراقية إلى ترك الاحتجاجات السلمية، والمباشرة بالاصطدام المسلح لإشعال حرب أهلية في العراق كي يتسنى لإيران ومليشياتها إنهاء الثورة السلمية والحفاظ على نفوذها والاستمرار بالسيطرة على الساحة العراقية بالكامل.

شارك