«القتل بعد الاستتابة».. داعش يعطي الأمان لمسئولي العراق ثم يغدر بهم (وثيقة)

الأربعاء 08/يناير/2020 - 02:49 م
طباعة «القتل بعد الاستتابة».. مصطفى كامل
 
اتبع تنظيم «داعش» الإرهابي إبان إعلان ظهوره أسلوب «التقّية»، للتغلغل في مفاصل الدولة العراقية، إذ دعا القوات الأمنية في الأماكن التي  خضعت لسيطرته إلى ضرورة تسليم أسلحتهم مقابل التأمين على حياتهم والمكوث في منازلهم بأمان تام، إلا أن الأمر كان يحمل في باطنه الخديعة إذ اتخذ التنظيم ستار «الإستتتابة» للغدر بهم وزجهم في سجونه وقتلهم بذريعة عدم تحقيق شروط التوبة.



 وجاء في وثيقة  12 صفحة، كتبت في مارس 2015، واحتفظ بها التنظيم الإرهابي دون الإعلان عنها حتى تم تسريبها على يد أحد الأمنيين العاملين داخل ما يسمى بـ«ديوان القضاء»، ونشرتها مؤسسة التراث العلمي -المنشقة عن التنظيم- منتصف عام 2019، توجهت مما يسمى بـ«المحكمة الأمنية الرئيسية» إلى ما يعرف بـ«اللجنة العامة المفوضة»، حملت عنوان «تقرير حول موضوع التوبات في الولايات الشرقية – سري للغاية»، كشفت عن فضيحة كبرى أقدم عليها التنظيم الإرهابي بحق من قاموا بتسليم أنفسهم، وذلك عقب التعميمات الأمنية التي صدرت بعدم المساس بهم.


شمل القرار الداعشي بتأمين كل من «القضاء ووكلاء الادعاء، أعضاء مجلسي النواب والمحافظة، زعماء الأحزاب، قوات سوات، قوات مكافحة الإرهاب، المخابرات، مديري مديرية الشرطة، أمراء بعض الأفواج»، حال قبولهم بالشروط الداعشية للتأمين على حياتهم، مؤكدين -بحسب الوثيقة- أن هذا القرار لم يصدر بشكل كتاب أو بيان رسمي مفصل ومختوم من جهة معينة، وإنما نقل مشافهة، ولذلك تخلل القرار بعض القصور، من حيث الموضوع أو من حيث سرعة التبليغ، حيث لم يتم إيصال أنواع الذين تم استثناؤهم من التوبة بشكل منضبط، وكذلك لم يتم تبليغه لكل القواطع بشكل تام.



وأطلق التنظيم الإرهابي كلماته الصوتية على لسان زعيمه المقتول نهاية أكتوبر 2019 «أبوبكر البغدادي»، ومتحدثه الرسمي السابق أبومحمد العدناني المقتول في أغسطس 2016، أمّنوا خلالها القوات الأمنية العراقية قبيل دخولهم الموصل بعدم التعرض لهم بأي أذى حال تسليمهم الأسلحة، والتوجه إلى الدواوين الخاصة بالتنظيم لتقديم ما يسمى بـ«استتابات»، حيث شملت دعوة البغدادي وناطقه قبول الجميع دون استثناء.



وأظهر البغدادي في تسجيل صوتي له –موجهًا نداء للأمة- بأنه يوجه عناصره إلى قبول توبة من جاء تائبًا ولو قتل ألفًا من عناصر التنظيم الإرهابي بأسرع وقت والتأمين على حياته، وكرر متحدثه العدناني في كلمته الصوتية التي جاءت بعنوان «إن دولة الإسلام باقية» والتي صدرت عن مؤسسة "الفرقان" في أغسطس 2011، والكلمة الصوتية «وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم» وصدرت عن مؤسسة الفرقان في مطلع إبريل 2014، حيث كان يجدد هذه الدعوة كثيرًا في تسجيلات عدة.


أصدر التنظيم الإرهابي العديد من الأحكام الوهمية بحق من سلموا أنفسهم وأمّنوا حياتهم، لإيداعهم في السجون، ومن ثم قتلهم بعد ذلك، إذ كان التكفير هو المبرر الأول الذي طغى على جميع الأحكام التي أطلقها «داعش» بحقهم، بالإضافة إلى استحداثه واختراعه نواقض جديدة للإسلام كفر علي أساسها الكثيرين.



ومن جملة الشروط التي وضعها التنظيم الإرهابي في الوثيقة الخاصة بالضباط والجنود بضرورة اتباعها أنه «يجب أن يكون للتائب كفيل من وجهاء العشيرة، ولا يحق له الانتقال من السكن إلا بعلم التنظيم، أو امتلاك وحمل السلاح في داخل البيت وخارجه، أو يحق له السفر من المناطق التي تخضع لسيطرة التنظيم إلا للضرورة أو بموافقة التنظيم، وفي حال تغيير عنوان سكنه أو خروجه من المنطقة دون إبلاغ فإن كفيله يحال إلى المحكمة الداعشية، وإذا غيّر عنوان عمله السابق أو أخفى قسمًا منه وثبت عليه ذلك فلا تقبل توبته، وفي حال تغييره رقم هاتفه المعلوم يجب إعلام التنظيم، وأمواله المصادرة لا تعود له مرة أخرى بعد توبته، ويجب على الشرطي أن يسلم مسدسه، وعلى الجندي أن يسلم بندقية جديدة، وإذا ألقي القبض عليه متلبسًا بأي جرم فيقتل على الفور، وفي حال إخلاله بأي شرط من الشروط المذكورة فتنقض توبته وتصادر أمواله ويقتل».




وكشف المدعو «أبوعيسى المصري» -أحد خطباء التنظيم وأبرز معارضيه-، في رسالة له حملت عنوان «مجزرة المستتابين»، أن التنظيم الإرهابي شدد من جرائمه جرمه بتكفير من سلم نفسه والقيام بقتله، كما أنه لم يذكر أي ناقض، مستحدثًا شروطًا لقبول التوبة، كأن يسلم التائب مسدسًا وإن لم يملكه دفع قيمته، ومن لم يسلم مسدسًا أو يدفع قيمته فهو في نظرهم مرتد وإن جاء بالتوبة، مكفرين إياهم دون شيء؛ موضحًا أن أمنيي الدواعش قاموا باعتقال وقتل أكثر من 2200، ويمكن وصفه بأنه اتصف بـ«التقية» حيث أظهر على لسان زعيمها ومتحدثها قبول توبة الجنود، وقام بعكس ذلك.





عقب إعلان رجال قوات الأمن في المناطق التي سيطر عليها «داعش» توبتهم بتسليم أسلحتهم وإعطائهم الوثاق للمكوث في بيوتهم دون التعرض للأذى، أكد «أبو عيسى المصري» في رسالته أن هذه الدعوة التي وجهها قادة التنظيم استجاب لها الكثير، فجاؤوا قادمين في العراق وسوريا، ولكنهم فوجئوا في العراق بغدر البغدادي وتنظيمه، وقيام عناصره الأمنيين باقتياد شراح عديدة منهم إلى السجون، موضحًا أن ما قام به التنظيم كان بداية من تمكينه للمساحات الشاسعة التي سيطر عليها، إذ خرجت استثناءات وأوامر عدة بعد مرور أشهر من قيادات التنظيم الإرهابي –حسب أبوعيسى المصري-، بحق المستتابين، بإيداعهم في السجون، ولم يعرف عنهم ذويهم أي شيء بعد ذلك.



ويؤكد «أبوعيسى المصري» أن التنظيم الإرهابي قام باعتقالهم وقتلهم، وتكرر الأمر تباعًا بخروج استثناءات للقبض على آخرين وزجهم في السجون ثم قتلهم بعد ذلك بتهم وهمية، قائلًا «إن الداعشي المدعو الحاج عبدالله أمر بقتل أحد المستتابين وجريمته أنهم وجدوا في بيته سلاحًا، وهذا مطابق تمامًا لأحد شروط التوبة المذكورة في الوثيقة، فقد ذكر فيها أن الفرد إن وجد بحوزته سلاح بعد استتابته تعتبر منقوضة، ويقتل وتصادر جميع أمواله».




وبحسب رسالة «أبوعيسى المصري»، فإن وثيقة الدواعش أكدت أن قيادات التنظيم اتصفت بصفات عدة أبرزها «الكذب والغدر والإسراف في إراقة الدماء بغير حق» بالإضافة إلى اعتلاء صفة «الغلو» والتكفير دون مبرر، إذ كفروا المستتابين بعد توبتهم وتسليم أسلحتهم ومكوثهم في بيوتهم، بقتلهم ومصادرة أموالهم، لافتًا إلى أن القيادات الداعشية قرّرت بأن من يختل فيه شرط من شروط التوبة الداعشية يقتل على الفور وتصادر أمواله، كأن يوجد في بيته سلاح أو يضبط متلبسًا بأي جريمة بعد توبته، أو يغير رقم هاتفه أو محل إقامته بغير إعلام الجهات الأمنية، وغير ذلك من الشروط التي نصوا في الوثيقة على أن من اختل فيه شرط منها اعتبرت توبته منقوضة لاغية، وهذا يعد تكفيرًا بغير مكفر، فلقد اخترع هذا التنظيم نواقض جديدة للإسلام وكفرت عليها أناسًا كثيرين بسببها.
«القتل بعد الاستتابة».. داعش يعطي الأمان لمسئولي العراق ثم يغدر بهم (وثيقة)

«القتل بعد الاستتابة».. داعش يعطي الأمان لمسئولي العراق ثم يغدر بهم (وثيقة)

«القتل بعد الاستتابة».. داعش يعطي الأمان لمسئولي العراق ثم يغدر بهم (وثيقة)

شارك