الأطماع التركية في الساحل الأفريقي تهدد الأمن الأوروبي

الخميس 09/يناير/2020 - 02:35 م
طباعة الأطماع التركية في أحمد عادل
 

لم يأت الاهتمام الدولي بمنطقة الساحل الأفريقي من فراغ، بل هو ضمن جوهر السياسة الخارجية الشاملة للدول الكبرى؛ حيث برزت المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بوصفها منطقة استراتيجية في إطار الحملة العالمية للحرب على الإرهاب، ولذا لم يكن بعيدًا أن تسعى تركيا إلى التغلغل والانتشار فيها؛ للاستفادة من الموارد النفطية والثروات الطبيعية.


في عام 2005، أعلنت تركيا أن هذا العام يمثل «عام أفريقيا»، وقام الرئيس التركي (رئيس الوزراء أنذاك) رجب طيب أردوغان، بجولته الأفريقية الأولى، وفي العام نفسه منح الاتحاد الأفريقي تركيا صفة «مراقب»، لتحصل في يناير 2008 على صفة «الشريك الاستراتيجي» للاتحاد، كما حصلت على عضوية بنك التنمية الأفريقي في مايو من العام ذاته.


وانضمت تركيا، في يونيو 2008، إلى منتدى شركاء الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيجاد)، ووطدت عَلاقاتها مع المنظمات الأفريقية الفرعية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «ايكواس»، وتوّجت ذلك بآلية أشمل للعَلاقات تمثلت في آلية انعقاد القمة التركية - الأفريقية، التي عقد لها أول مؤتمر في 2008 بالعاصمة التركية، فيما عقد الثاني في عام 2014 بغينيا الاستوائية.


وصوتت الدول الأفريقية بالإجماع على عضوية تركيا غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لعام 2009-2010، كما ارتفع عدد سفارات أنقرة في أفريقيا إلى 44، بينما كان العدد 12 عامًا 2004.

 
اقتصاديًّا، استضافت أنقرة في نوفمبر 2016 أول منتدى أعمال «أفريقيّ - تركيّ» حضره ثلاثة آلاف مشارك، من بينهم ألفان يمثلون المجتمع الاقتصادي لـ45 دولة أفريقية، ووقعت خلاله عشرات الاتفاقيات مع جنوب أفريقيا، ونيجيريا، وكينيا، وغانا، وزامبيا، وتنزانيا.

 

بعد عام 2012، امتدت المصالح التركية في أفريقيا لتشمل بجانب المساعدات الإنسانية والصحة والتعليم، التعاون العسكري، ففي أكتوبر عام 2014، زارت قوة المهام البحرية «بارباروس» التركية، 25 ميناء في 24 دولة أفريقية، 19 منهم لأول مرة، ومع هذه المهمة، استخدمت تركيا لأول مرة القوات البحرية كأداة للسياسة الخارجية.

 

كما تمد تركيا يد العون لجماعة «بوكو حرام» النيجيرية الإرهابية، وظهر ذلك جليًّا خلال الفترة الماضية، إذ أعلنت سلطات جمهورية النيجر إلقاء القبض على مجموعة إرهابية تتكون من ثلاثة أشخاص، يحمل اثنان منهم الجنسية التركية، إضافة إلى متعاون محلي.

 

من جانبه، قال محمد ربيع الديهي، الباحث في الشأن التركي: إن اسم تركيا يبرز باستمرار في النقاشات الجديدة حول النفوذ الخارجي في منطقة الساحل والصحراء الأفريقي، إذ ارتفع عدد الزيارات التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حوالي 32 زيارة إلى 24 دولة أفريقية منذ أن كان رئيسًا للوزراء، فضلًا عن عدد من الزيارات لبعض دول شمال أفريقيا، مضيفًا أن «أردوغان» توسع في بناء السفارات داخل الدول الأفريقية.

 

ويضيف «الديهي» أن منطقة الساحل والصحراء تشهد تشابكات معقدة للتنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار هذا الجزء من القارة السمراء، وتعد التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة انعكاسًا لكل ألوان الطيف الديني والعرقي، وتستغل تركيا هذا من خلال تقديم الدعم لتلك التنظيمات؛ بهدف الضغط على الحكومات لبناء تعاون مشترك.

 

وأوضح أن الاستراتيجية التركية في أفريقيا تهدف إلى الاستيلاء على الثروات الطبيعية في هذه الدول؛ خاصة أن أكثر سكان القارة من فئة الشباب تحت سنّ الخامسة والعشرين، بما يمثّله هذا الأمر من عاملٍ حاسمٍ فيما يتعلق بقوّة العمل والأسواق، كما تضمّ أربعًا وخمسين دولة، يزيد عدد سكانها عن المليار نسمة، كما يسعى «أردوغان» إلى استمالة وتجنيد أبناء قبائل الطوارق؛ بهدف خلق «وكلاء حرب» عن تركيا في منطقة الساحل والصحراء، انطلاقًا من ليبيا؛ حيث أسند ملف تجنيد «الطوارق» إلى أحد المقربين منه، وهو «أمر الله إيشلر» الذي كان مكلفًا بإدارة الملف الليبي في حكومة أردوغان عندما كان رئيسًا لوزراء تركيا.

 

وأضاف «الديهي» أن «أردوغان» يسعى إلى استخدام «الطوارق» كورقة للضغط والمساومة أو ربما الابتزاز لدول منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، وكذراع للتدخل في الشأن الداخلي في النيجر وتشاد ومالي والجزائر، وليس في ليبيا وحدها، كما قد يستخدمها «أردوغان» في مساومة الغرب وحلفائه بصورة قوية ومؤثرة؛ حيث تسيطر قبائل الطوارق على مناطق شاسعة في ليبيا، وحزام الصحراء الكبرى الأفريقية.

وتابع الباحث في الشأن التركي، قائلا: إن التدخل التركي في ليبيا من خلال إرسال قوات، سيزيد حدة الصراع في المنطقة، بل إن استمالة وتجنيد الطوارق في ليبيا وعملهم كوكيل حرب لحساب النظام التركي ربما تكون له عواقبه الوخيمة، ويشجع عمليات الخطف والاستهداف لخصوم أردوغان، كما أن المنظمات المتطرفة التي تدعمها تركيا ستلعب دورًا مهمًّا خلال الفترة المقبلة في الضغط على الدول الأوروبية وحلفائهم من خلال القيام بعدد من العمليات الإرهابية ضد منشآت أوروبية.

شارك