فرنسا.. تحول جذري في موقف باريس من عودة الدواعش

الثلاثاء 14/يناير/2020 - 02:01 م
طباعة فرنسا.. تحول جذري دكتور كمال حبيب
 
أثارت تصريحات وزيرة العدل الفرنسية «نيكول بيلوبي» في مقابلتها مع صحيفة «ليبراسيون» اهتمامًا بالغًا؛ إذ أعلنت أنها لا ترى حلًا آخر سوى إعادة الإرهابيين الفرنسيين المحتجزين لدى الأكراد في سوريا إلى بلادهم، وهو ما يعني تحولًا جذريًّا في موقف باريس تجاه الدواعش الموجودين  في معسكرات الاحتجاز.


وكانت الحكومة الفرنسية ترفض الطلب الأمريكي دومًا الذي يدعو إلى استعادة الدول الأوروبية -خاصة ألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وبالطبع فرنسا- إلى دولهم لمحاكمتهم هناك، حتى أن وزير الخارجية ووزيرة العدل ذاتها التي تغير موقفها الآن، كانوا يعتبرونهم أعداء للوطن والأمة، كونهم قاتلوا إلى جانب التنظيم الأكثر وحشية الذي يعتبر القيم الغربية والحضارة الإنسانية مقصدًا لهمجيته، واتخذ من باريس والعواصم الأوروبية في بلجيكا وألمانيا وبريطانيا ساحة لعملياته.


وكانت الاجتهادات الفرنسية تتحدث عن محاكمة الإرهابيين في الأماكن التي قاتلوا فيها وتأسيس محكمة دولية في العراق بقرار من الأمم المتحدة تقوم بمحاكمة الإرهابيين الأوروبيين، إلى أن حدثت تحولات في المنطقة، تمثلت بشكل أساسي في الانسحاب الأمريكي من الرقة ودير الزور السورية، والاقتحام التركي للشمال السوري بدعوى ملاحقة قوات سوريا الديموقراطية «قسد»، وانصراف القوات الكردية لمواجهة هذا الاقتحام، ومن ثم عجز تلك القوات عن القيام بحماية السجون التي يوجد بها المقاتلون الأجانب، ولا المعسكرات التي يوجد بها النساء والأطفال من أبناء وزوجات مقاتلي التنظيم الإرهابي.



وعرقل التدخل العشائري لدى القوات الكردية للسماح بالإفراج عن مقاتلين محليين قاتلوا مع التنظيم ينتمون لتلك العشائر، عملية محاكماتهم في العراق.



ولا تريد فرنسا أن يهرب مقاتلوها في ظل السيولة الأمنية في المناطق التي تشهد نزاعًا "تركيًّا – كرديًّا" من ناحية وتفتقد لأبسط الوسائل للضبط والسيطرة، وتشير المعلومات إلى فرار العديد من مقاتلي تنظيم «داعش» الإرهابي من السجون التي كان يشرف عليها الأكراد فعلًا في الشمال السوري. 



ومن المعلوم أن هؤلاء المقاتلين حين يهربون فإنهم قد يختارون الذهاب إلى مناطق أخرى للقتال وجبهات جديدة للمواجهة خاصة في أفريقيا، حيث تحارب فرنسا «داعش» هناك خاصة في مالي وبحيرة تشاد ودول الساحل.

العراق واحتمالات عودة «داعش»

ويبدو أن المواجهة الجارية في العراق بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني «قاسم سليمانى»، في استهداف أمريكي لموكبه بالقرب من مطار بغداد في 3 يناير 2020، واستهداف الصواريخ الإيرانية لقاعدتين أمريكيتين انتقامًا لمقتله، ومطالبة مشايعي إيران في البرلمان العراقي برحيل القوات الأمريكية، والتهديدات الإيرانية المستمرة باستهداف القواعد الأمريكية من قبلها أو من قبل الميليشيات الموالية لها، جعل كل هذا الولايات المتحدة تركز علي أمن جنودها، كما أن الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش» كألمانيا التي يقدم جنودها خدمات تدريبية للقوات العراقية حذت حذوها وأعلن الجميع تعليق عملياتهم العسكرية، وإن كان نشاط مراقبة التنظيم إعلاميًّا وماليًّا لا يزال قائمًا، وتم نقل مركز عمليات التحالف الدولي إلى الأردن  والكويت.



ولا يبدو أن القوات العراقية وحدها قادرة على مواجهة تحدي تنظيم «داعش» فهي لاتملك القدرة علي الرصد وليس لديها المعلومات الكافية عن أماكن اختباء عناصر التنظيم وانتشاره، لأن الولايات المتحدة لم تسلمها تلك المعلومات، كما أن القوات العراقية ليس لديها القوة الجوية الكافية لمتابعة التنظيم في أماكن تنقله خاصة علي الحدود بين سوريا والعراق.



وتشير المعلومات إلى شن التنظيم عملياته علي الحدود «السورية – العراقية» ضد القوات العراقية، إذ يتبع أسلوب الكر والفر والاختباء، كما غير لون علمه الأسود المعروف، بعلم يحمل صورة نمر بخلفية بيضاء.

الموقف الفرنسي يفتح الباب

وكانت وزيرة العدل الفرنسية «نيكول بيلوبي» أشارت فى حوارها مع صحيفة «ليبراسيون إلى ان عدد الفرنسيين المنتمين لـ«داعش» يبلغ 600 مقاتل.


ويبدو أن موقف باريس الجديد بالاستعداد لاستقبال مقاتلي «داعش» ومحاكمتهم في المحاكم الفرنسية، واستقبال الأطفال والنساء المحتجزات ودراسة كل حالة على حدة، هو فاتحة لإعادة النظر من جانب الدول الأوروبية التي كانت تستقبل الأطفال دون العاشرة –لاستقبال جميع مقاتليهم ومحاكمتهم في بلدانهم ودراسة أحوالهم حالة حالة.



ويعد مسلك استعادة المقاتلين الأجانب، هو الصحيح من جانب الدول الأوروبية، وذلك لمنع تسللهم إلى القارة العجوز من جهة، أو تسربهم إلى جبهات قتال جديدة، فمسألة دمج هؤلاء المقاتلين ودراسة أحوالهم وحتى سجنهم سيفتح الباب لتقليل مخاطرهم.

شارك