الأقليات في إيران.. «الآذريون» في مرمى نيران نظام الملالي

الأحد 26/يناير/2020 - 01:52 م
طباعة الأقليات في إيران.. محمد عبد الغفار
 
يعد تعامل الدول مع الأقليات دليلًا على مدى تطورها واحترامها لحقوق الإنسان، وعادة ما تلجأ الدول القمعية مثل إيران إلى منع الأقليات من التعبير عن هوياتهم وآرائهم وممارسة شعائرهم الدينية بحرية، رافضة الحكم الإلهي بتنوع البشر، راغبين إيجاد هوية وفكر وتوجه واحد يجمع كافة الأطراف بها.

الأقلية الآذرية
وحتى لا يدخل نظام الملالي في أزمات دولية أكثر مما لديه، يسعى لإخفاء تعامله القمعي وغير الإنساني مع الأقليات المنتشرة في بلاده، وذلك عن طريق التعتيم الإعلامي ومحاولة منعهم من إيصال صوتهم إلى الخارج.



وينقسم المجتمع الإيراني إلى عدة أقليات، أولها وأكبرها الأغلبية الفارسية، ثم أقليات أخرى تقارب نصف عدد السكان، حيث تبلغ نسبتهم 40%، وتعد الأقلية الآذرية من التجمعات السكانية المهمة، وتختلف الدراسات حول نسبتهم الفعلية، فهناك من يقول بأنها لا تتجاوز 16% بينما هناك من يزيد العدد إلى 24%، وفقًا لما نشره مركز دراسات واشنطن للشرق الأدنى.



ووفقًا لما نشره الباحث بالمركز الفرنسي للدراسات الاستراتيجية دافيد ريجولاي، فإن أهمية هذه الأقلية دون غيرها في إيران أنها أهم القوميات غير الفارسية في البلاد، والتي لا تتخذ من الفارسية لغة لهم، ولكنها تعتمد على اللغة الأذربيجانية.

وتنتشر الأقلية الآذرية في شمال غربي إيران، والذي يضمن مدن كردستان وأردبيل وزنجان، إضافة إلى أنهم يمثلون نصف محافظة قزوين، و40% من سكان محافظة كلستان، وخمس سكان محافظة أذربيجان الغربية، وربع سكان العاصمة طهران، وتؤثر الجغرافيا عليهم، حيث تعرف منطقة شمال غربي البلاد بالفقر في المقدرات البترولية، وتمتلك حدودًا مع أذربيجان وأرمينيا وتركيا، وفقًا لما نشره الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والجمعية الإيرانية للدفاع عن حقوق الإنسان، عام 2010.

اضطهاد مستمر
انفصلت هذه المنطقة جغرافيًّا عن نظرائهم بموجب معاهدة تركمانجاي الموقعة عام 1828، حيث انضم شمال أذربيجان إلى الاتحاد السوفييتي، والجنوب إلى إيران، وتم ذلك لأن الدولة الصفوية تحدثت اللغة الأذربيجانية وقت صعودها.

ورغم أن لهذه الأقليات لغة خاصة بها، فمثلًا تتحدث الأقلية الآذرية اللغة الأذربيجانية، وهو ما يتوافق مع المادة 15 من الدستور الإيراني، والتي تنص على «اللفة والكتابة الرسمية والمشتركة هي الفارسية لشعب إيران، فيجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسة بهذه اللغة والكتابة، ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال الصحافة، ووسائل الإعلام العامة، وتدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية».

إلا أن ذلك لم يحدث، حيث يرفض نظام الملالي السماح لأي أقلية باستخدام لغتها الرسمية دون الفارسية، سواء على مستوى التعليم أو الصحافة، وهو ما أكده الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والجمعية الإيرانية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وبناءً على هذا ظهرت الاحتجاجات لشعب الأقلية الآذرية، ففي مايو 2006، نشرت صحيفة إيران اليومية الحكومية رسم كاريكاتيري يشير إلى «حشرة صرصار» وهي تتحدث باللغة الآذرية، وهو ما ساهم في المظاهرات بمدن شمال غربي إيران وطهران، وأسفرت المواجهات الأمنية مع المتظاهرين إلى وفاة 4 أفراد واعتقال العشرات.

ويحيي النشطاء الآذريون هذه الذكرى من كل عام تحت عنوان «ذكرى الكارتون»، وتسعى السلطات الإيرانية إلى مواجهته، وذلك عن طريق اعتقال النشطاء الداعين للاحتجاج في كل عام.

وفي 23 سبتمبر من كل عام، يقاطع الطلاب المنتمين للأقلية الآذرية المدارس، وذلك اعتراضًا على عدم سماح السلطات لهم بتلقي التعليم بلغتهم الأم.

وفي يوليو من كل عام، تبدأ سلطات الملالي حملة واسعة من الاعتقالات تجاه مواطني المحافظات التي تنتشر بها الأقلية الآذرية، بهدف منعهم من إحياء ذكرى مولد قائد إيراني يدعي باباك، كما تفصل الموظفين المشاركين في هذه الفعالية، كما حدث في عام 2010 مع فيروز يوسفي، الموظف بالجيش الإيراني.

كما يسعى نظام الملالي إلى التضييق على المواطنين هناك لمنعهم من الثورة ضده، كما حدث في عام 2015، ومنها بناء السدود على الأنهر الآذرية، وخنق بحيرة آرومية، والتي تعد ثاني أكبر بحيرة في العالم، بهدف التأثير على الزراعة بالمنطقة كنوع من أنواع التهديد ضد المواطنين.

وعود كاذبة
تأثر نظام الملالي بوعوده الكاذبة التي يصدرها للعالم الخارجي، محاولًا تجميل صورته أمام الدول الغربية والأجنبية، ويحاول تكرار الأمر مع الشعب الإيراني في الداخل.



وظهر ذلك في البرنامج الانتخابي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي أظهر عناية فائقة بالأقليات عن طريق إعلان خطة تنموية للمحافظات الحدودية، ووضع مستشارين للطوائف الدينية، مثل محمد إسحق مدني المستشار الرئاسي لشؤون المسلمين السنة.



وهو ما كرره الرئيس الإيراني حسن روحاني؛ حيث زار المحافظات الحدودية خلال السباق الرئاسي وأعلن عن رغبته في تطوير ميناء مدينة بندر عباس، كما أنشأ مكتبًا خاصًا بالقوميات والأقليات الدينية وعين إبراهيم يونسي نائبًا له لشؤون الأقليات.

وعلى الرغم من هذه القرارات فإنها كانت لمجرد «الشو الإعلامي»، حيث استمر القمع ضد مواطني الأقليات في إيران، واتهامهم بالعمالة للخارج نظرًا لارتباطهم ثقافيًا بدول أخرى، كما هو الحال مع الأقلية الآذرية التي تنتمي ثقافيًا بفعل التاريخ إلى أذربيجان.

شارك