«التناقض».. تصريحات ظريف تكشف أهداف الخطاب الإيراني «المزدوج» تجاه واشنطن

الأحد 26/يناير/2020 - 01:53 م
طباعة «التناقض».. تصريحات إسلام محمد
 
لا يكاد قادة النظام الإيراني يعلنون موقفًا من قضية ما إلا ويناقضونه بعدها بقليل، وأحيانًا يصدر الموقفان بالتزامن مع بعضهما البعض ضمن استراتيجية «الخطاب المزدوج» التي يجيدون استخدامها، وقد ظهر ذلك جليًا كأوضح ما يكون في الموقف الرسمي من التفاوض مع واشنطن.

وفي الحقيقة هناك موقفان رسميان في إيران، ففي حين تعلن الحكومة عن عزمها التفاوض، يعلن الجناح المتشدد في السلطة وعلى رأسه المرشد -الذي يتمتع بصلاحيات رسمية تفوق الرئيس نفسه- رفضهم الجلوس مع «الشيطان الأكبر» بشكل نهائي وقاطع.

وقد جاء تأكيد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في حديثه لمجلة «دير شبيغل» الألمانية أن بلاده تعد إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة احتمالًا واردًا، في الشهر نفسه الذي قُتل فيه قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إذ شدد ظريف على أنه «لا يستبعد إطلاقًا أن يغير الناس نهجهم ويدركوا الحقائق».


وقد بلغ التوتر أقصاه بين طهران وواشنطن بعد مقتل قائد فيلق القدس في ضربة أمريكية في حرم مطار بغداد في 3 يناير الجاري.

لكن ظريف عاد وأشار إلى أن طهران لا تزال مستعدة للحوار وطالب الولايات المتحدة برفع العقوبات من أجل إفساح المجال لذلك، مردفًا «بالنسبة لنا، لا يهم من يجلس في البيت الأبيض، الأهم هو طريقة تصرفه .. يمكن لإدارة ترامب تصحيح ماضيها والعودة إلى المفاوضات.. ما زلنا على طاولة التفاوض.. هم الذين رحلوا».

وكان الرئيس دونالد ترامب انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات صارمة كبلت اقتصادها، في مايو 2018، سعيًا لإجبارها على العودة للجلوس إلى مائدة التفاوض والبدء في كتابة صياغة جديدة للاتفاق تضم بنودًا أشمل، وتشتمل على مدى زمني أكبر من المعاهدة السابقة.    
وأضاف الوزير الإيراني: «الضرر الذي ألحقناه بالولايات المتحدة كبير، لأنه في ظل قوتها العسكرية، لم تتمكن من منع الصواريخ من بلوغ قاعدتها»، في إشارة لقصف قاعدتين أمريكيتين في العراق.

وقد قصفت طهران قاعدتي عين الأسد وحرير في العراق في مساء 7 يناير 2020 ردًا على اغتيال سليماني، برفقة قادة عسكريين كبار في الميليشيات الإيرانية ، لكن جاء الرد بدون وقوع أي قتلى.


وتابع ظريف في تصريحاته أن «اغتيال سليماني هو بداية نهاية الوجود الأمريكي في العراق بالتأكيد، وفي أماكن أخرى في المنطقة أيضًا.. قد لا يكون غدًا، ولكن لدينا آلاف السنين من التاريخ ولهذا لسنا متعجلين».

وكان المرشد الإيراني علي خامنئي يردد أن التفاوض مع الولايات المتحدة بمثابة تناول السم، وأن التفاوض مع إدارة ترامب بالذات هو «سم مضاعف»، لكن بعد مقتل سليماني وتصاعد التهديدات من الجناح المتشدد الذي يقوده المرشد بل والحكومة أيضًا، إذا تصريحات وزير الخارجية تؤكد من جديد أن طهران تدرك أنه لا مناص من التفاوض مع واشنطن لاسيما مع تأزم الوضع بشكل كبير بسبب العقوبات، وهي رؤية براجماتية تتناقض تمامًا مع سياق الخطابات والتصريحات السابقة.

ولا يعدو هدف القيادة الإيرانية من وراء الخطاب المغرق في التشدد، سوى دعم الموقف التفاوضي لدبلوماسييهم خلال أي مباحثات مقبلة عبر العمل على تخفيض سقف التوقعات الأمريكية حيال حجم التنازلات التي يمكن لإيران تقديمها في أي تفاوض مستقبلي.

شارك