الإرهاب وكورونا .. دراسة تكشف مكاسب للجماعات التكفيرية من الوباء

الخميس 14/مايو/2020 - 10:38 ص
طباعة الإرهاب وكورونا .. روبير الفارس
 
حول تداعيات أزمة "كورونا" على ظاهرة الإرهاب: الأنماط والتوقعات نشر مركز الإمارات للسياسات دراسة مهمة للباحثة 
عُلا رفيق محمد  قدمت فيها قراءة حول الوباء والارهاب ورصدت الدراسة العمليات الإرهابية التي تمت أثناء انتشار وباء كورونا وقالت الباحثة
من الواضح أن تأثيرات تفشي وباء كورونا (كوفيد-19) واسعة النطاق، إذ توقفت الحياة اليومية وارتبكت الحكومات وتعرّض العالم لأزمة اقتصادية غير مسبوقة، وانتشرت مشاعر الخوف والهلع والرُّهاب إزاء كل ما هو مجهول وغير مرئي، لاسيما في ظل وفاة عشرات الآلاف من الناس حول العالم، وامتلاء المستشفيات بالمصابين، وأدى غياب استنتاجات واضحة حول هذا الفيروس ومدى إمكانية السيطرة عليه إلى خلق حالة من البلبلة والرعب بين سكان القارات الست
وجاء بالدراسة
وعلاوةً على ذلك، ظهرت مؤشرات على أن الفيروس التاجي المُستَجَد دفع إلى بروز أنماط جديدة من الإرهاب والتطرف، ما أثار تساؤلات حول تداعيات جائحة كورونا على هذه الظاهرة، ومدى تأثيرها في أجندات الجماعات الإرهابية وطبيعتها، بالإضافة إلى الاتجاهات المستقبلية المحتملة لها عقب انتهاء هذه الأزمة الوبائية الخطيرة.
وتحت عنوان
ردود فعل الجماعات الإرهابية على جائحة كورونا كتبت الباحثة علا تقول 

إجمالاً، مرَّت مواقف وردود أفعال الجماعات الإرهابية التقليدية على جائحة انتشار الفيروس التاجي، حتى الآن، بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: سيطرة الارتباك على ردود أفعالها؛ حيث اعتبر بعض هذه الجماعات - ومن بينها "تنظيم داعش" وتنظيم "القاعدة" و"الحزب الإسلامي التركستاني" - أن انتشار الوباء هو بمثابة قصاص إلهي من غير المسلمين، وذكرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) أن القيادة العليا لتنظيم "القاعدة" أصدرت بيانًا يدعو المدنيين في الدول الغربية إلى التحول للإسلام خلال جائحة الوباء

المرحلة الثانية: تجميد الأنشطة الإرهابية مؤقتاً والكُمون ترقُّباً لما سيحصُل؛ فقد دفع الانتشار السريع للوباء في الدول الأوروبية، بعض التنظيمات - وعلى رأسها تنظيم داعش - إلى حثّ عناصره على وقف العمليات في أوروبا، وفي نفس الوقت نَشَرَ بعض الجماعات، ومن بينها تنظيم "داعش" وجماعة "أحرار الشام"، قائمة تتضمن توجيهات دينية بشأن كيفية تَجنُّب الأمراض المُعدية.

المرحلة الثالثة: استئناف العمليات الإرهابية بزخم مُغاير، باعتبار أن انتشار الفيروس التاجي وانشغال الحكومات بمكافحته يقدمان فرصًا ذهبية للجماعات الإرهابية والمتطرفة لشن هجمات مبتكرة وفي مناطق متنوعة، وكذلك التوجُّه نحو تجنيد واستقطاب عناصر جديدة، وتندرج دعوة تنظيم داعش عناصره إلى نشر مرض كوفيد-19 في الدول الغربية ضمن هذا الإطار

وفي الوقت نفسه، أتاح انتشار الوباء فرصًا لبعض الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية لكسب الشرعية السياسية، وتقديم نفسها بديلاً للحكومات والسلطات القائمة؛ فقد سارعت هذه الجماعات إلى تقديم نصائح الوقاية والعلاج في المناطق التي يتعذَّر على السلطات المحلية الاعتناء بها، فمثلاً، عمل "حزب الله" في لبنان على تحشيد الفرق الطبية والمساعدين لتعقيم مناطق كاملة، واستخدم المراكز الطبية التابعة له لرعاية مُصابي الوباء، كما عرضت حركة "طالبان" في أفغانستان تطبيق وقف إطلاق النار في أجزاء من البلاد التي دمرها تفشي المرض، بالإضافة إلى تقديم جماعة "أحرار الشام" في سوريا المشورة حول كيفية حماية المواطنين لأنفسهم من المرض، وفرضت المنظمات الإجرامية في البرازيل حظراً للتجوال في الأحياء الأكثر فقرًا
وتحت عنوان
الأعمال الإرهابية والممارسات العنيفة في ظل الأزمة كتبت الباحثة علا تقول

على الرغم من محدودية الهجمات التي يمكن اعتبارها عملاً إرهابياً تقليدياً منذ اندلاع الأزمة، أمكن ملاحظة كيف ساعد انتشار الفيروس التاجي وتفشيه في معظم دول العالم في تطور نوعية العمليات الإرهابية، وتوسيع نطاق تنفيذها لاحقاً.

أولًا: العمليات الإرهابية التقليدية؛ ففي شهر مارس وقعت أربع عمليات مسجلة للإرهاب العالمي، بينما سجلت المنظمات الجهادية عمليتين فقط، لكن العمليات أخذت في التزايد منذ شهر أبريل حيث نفَّذ تنظيم الدولة الإسلامية هجمات على مواقع عديدة في المدن العراقية، وعلى مواقع تابعة للحكومتين السورية والمصرية، وقد استمرت عمليات التنظيم حتى بداية شهر مايو الجاري[، ومن بينها عملية أدت إلى مقتل عشرة جنود مصريين في انفجار عبوة ناسفة في شمال سيناء، بالإضافة إلى العمليات الفردية، من قبيل هجوم السكاكين الذي وقع في جنوب شرقي فرنسا

ثانيًا: ظهور بعض الأنماط والسلوكيات الجديدة التي قامت بتغذيتها أزمة انتشار جائحة "كورونا"، حيث أحبطت الولايات المتحدة هجومًا إرهابيًا لتفجير مستشفى "كانساس سيتي"، الذي تم تجهيزه لاستقبال المصابين بالفيروس المستجد، فيما هدَّد أحد المتطرفين بقتل حاكم ولاية "نيومكسيكو" الأمريكية؛ بسبب قيود الحجر الصحي. كما اُرتُكِب بعض أعمال العنف التي تغذيها نظرية المؤامرة، حيث أدى الخوف من ربط تقنية الجيل الخامس (5G) بانتشار الفيروس إلى حرق أبراج الهواتف المحمولة في العديد من دول أوروبا، وناقش بعض المتطرفين العنصريين إمكانية استخدام الفيروس التاجي لتنفيذ هجمات بيولوجية واسعة النطاق. وفي هذا الإطار، اتجه بعض الحكومات إلى دراسة إمكانية إعادة صياغة التعريفات القانونية التي تعتمدها للإرهاب؛ وذلك لمحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون أعمالًا منافية للأعراف الاجتماعية والصحية، مثل تعمُّد السُّعال في وجه الآخرين، والبصق على الأسطح بهدف تلويثها بالفيروسات المُعدية والقاتلة، وكذلك الذين يحرضون على العنف وارتكاب مؤامرات داخلية في أوقات الوباء.
وحول 
الاتجاهات المستقبلية المحتملة لظاهرة الإرهاب في مرحلة ما بعد كورونا جاء بالدراسة

تتعدد السيناريوهات والتوقعات حول مستقبل ظاهرة الإرهاب عقب انتهاء أزمة الوباء، وفي هذا الإطار يمكن توقُّع أربعة اتجاهات مستقبلية أساسية:

الاتجاه الأول: ظهور أشكال جديدة للإرهاب والعنف الموجَّه ضد الحكومات؛ فحالة عدم الثقة في العديد من الحكومات بفعل إدارتها المرتبكة لأزمة الفيروس التاجي؛ ونتيجة للأداء المتراخي في مواجهة تداعيات الوباء الصحية والاقتصادية، وما خلفه ذلك من ارتفاع في معدلات البطالة بسبب الإغلاق وتباطؤ النمو الاقتصادي؛ كلها عوامل قد تخلق شقوقًا وتصدعات تستغلها الجماعات العنصرية، والمتطرفون بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم؛ للترويج ضد فشل الحكومات القائمة في مواجهة هذا النوع من الأزمات، والتي قد تتحول لاحقاً إلى أشكال من العنف والتهديدات التي تستهدف مؤسسات الدولة. فعلى سبيل المثال، أشارت التقارير الصادرة عن وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة إلى أن المتطرفين المحليين هم التهديد الأخطر الذي يواجه البلاد حتى يتم احتواء الفيروس؛ حيث يحشدون السكان المحليين ضد السلطات ردًا على جائحة انتشار الفيروس التاجي

الاتجاه الثاني: حصول تغيُّر في طبيعة الجماعات الإرهابية التقليدية وتوجهاتها نتيجة أزمة الفيروس؛ إذ إن اضطلاع بعض هذه الجماعات بدور في مكافحة الفيروس دفع مراقبين إلى توقع حدوث تغيُّر في طبيعة العمليات المسلحة التي تمارسها هذه الجماعات في مرحلة ما بعد انتهاء الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الجماعات عادةً ما تتخذ إجراءات لكسب الشرعية والشعبية؛ من أجل الحصول على الدعم من المدنيين الذين يعيشون تحت حكمها، ومن المؤيدين المحتملين في الخارج، ولذلك، فإن أزمة انتشار الفيروس التاجي، وإخفاق العديد من دول العالم في مواجهتها قد يخلق فرصًا تُمكِّن هذه الجماعات من اللعب على التناقضات، وملء الفراغ، مع أن هذا قد لا يُحدِث بالضرورة تغييراً ملموساً في طبيعتها أو أهدافها، وكذلك في انتهاجها خيار العنف المسلح

الاتجاه الثالث: ظهور أنماط عنف وتطرف جديدة نتيجة التهميش والحرمان؛ إذ من المتوقع أن تؤدي معدلات النمو الاقتصادي العالمي المتراجعة إلى وجود ملايين من المحرومين نتيجة الأزمة، والحرمان من الحقوق يمكن أن يخلق أشكالًا وأنماطاً جديدة من العنف السياسي، ومع تطبيق عدد من المؤسسات لآلية العمل عن البعد وتوظيف الذكاء الاصطناعي؛ للحد من التواصل الاجتماعي، قد تلجأ في المستقبل إلى الاستغناء عن جزء من هذه العمالة، واستبدال العمل البدني بالعمل الذكي؛ لخفض التكاليف وزيادة العوائد، الأمر الذي سينشر حالة من الإحباط في أوساط العمالة المتضررة، وربما يمتزج ذلك مع بعض الاتجاهات الراديكالية، مما يمهد الطريق لظهور جماعات جديدة ذات توجهات راديكالية قد تلجأ للعنف

الاتجاه الرابع: اتساع موجة جرائم الكراهية في بقاع شتى من العالم؛ فالصبغة العنصرية التي تسود الخطابات المتعلقة بالفيروس - وبصفة خاصة من قِبل بعض كبار المسؤولين - تخلق مجتمعات تُلقي باللوم على غيرها، خاصة فيما يتعلق باتهام الصينيين (والآسيويين عامةً) بالمسؤولية عن انتشار الوباء، وبمجرد خلق هذا النوع من المشاعر المعادية من المحتمل أن تظهر موجة من الإساءة والعنف ضد كل من هو شرق آسيوي، إلا أن هذه المشاعر الغاضبة يمكن أن يستغلها آخرون لتعزيز أيديولوجيات الكراهية ضد مجموعات أخري، ومن بينهم المهاجرين واللاجئين وفي هذا الإطار، اتهم بعض اليمينيين المتطرفين في الغرب مجتمعات المهاجرين - خاصة اليهود - بجلب العدوى إلى بلدانهم، ولذلك نادوا بفرض سياسات حمائية وقيود على تحرك الأفراد وانتقالهم؛ لمكافحة الهجرة وبناءً على ذلك، فمن المحتمل أن تزداد موجة جرائم الكراهية ذات الدافع العنصري، مما يمهد الطريق لخلق موجة إرهاب جديدة.

ومع أن تحقُّق هذه الاتجاهات الأربعة بالتوازي، أو بالتعاقُب، يظل أمراً مُمكناً، إلا أن الاتجاهين الأول والرابع هما الأكثر ترجيحاً، إذ خلق الفيروس التاجي موجات من ردود الفعل المتباينة في أوساط الأفراد والمجتمعات، تراوحت بين الشعور بالغضب والحرمان والاستبعاد، الأمر الذي يُهدد بخلق أشكال جديدة من العنف السياسي والاجتماعي. كما قد تدفع ادعاءات بعض الجماعات الإرهابية بخصوص كون الفيروس "عقوبة إلهية" إلى ظهور موجات عنف أكثر وطأة من قِبل أعضائها ومؤيديها

ولذلك، فإن من الصعب القول إن ظاهرة الإرهاب قد تتراجع أو تنتهي كما يأمل البعض بعد انتهاء الفيروس، بل إنها قد تتطور وتأخذ أنماطاً أسوأ مما كانت عليه، سواء على مستوى العنف الداخلي أو على مستوى الإرهاب الدولي العابر للحدود الوطنية

شارك