الشيخ محمود شلتوت.. نموذجا في التجديد والاستنارة

الأربعاء 27/مايو/2020 - 09:47 ص
طباعة الشيخ محمود  شلتوت.. حسام الحداد
 
في هذه الايام نحن في أشد الحاجة الي قراءة في فكر الامام الاكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الذي يعد نموذجا فريدا ومهما للشيوخ  المجددين من هنا تأتي أهمية الدراسة التي كتبها الاستاذ الدكتور محمد احمد سرحان حول الإمام شلتوت ونشرتها مجلة المصور وجاء فيها 
أول من حمل لقب الإمام الأكبر، إنه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت إمام الإصلاح والتجديد الذى شهد الأزهر فى عصره عهدا جديدا، ونقلة نوعية فى كافة المجالات، إلى أن صدر القرار الجمهورى بتطوير الأزهر فى عهده، اقترن اسمه بالدعوة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية، ونبذ التطرف والتعصب، وكان ينطلق فى الفتوى من المقاصد العامة للشرع الحنيف، مبينا أن الشرع الحنيف نفسه يحمل قابلية التطور والتجديد.

كان الاجتهاد والتجديد سمتين مميزتين ومعلمين بارزين فى شخصية الإمام طيب الله ثراه، بالإضافة إلى كونه صاحب الأسلوب المتميز فى التفسير، وعرض آيات القرآن الكريم بطريقة موضوعية ساهمت فى إبراز لون جديد من ألوان التفسير، وهو التفسير الموضوعى الذى يعتمد على جمع الآيات التى تشترك فى موضوع واحد، ودراستها دراسة موضوعية، وفقا للمنهج الموضوعى فى التفسير، بقطع النظر عن الترتيب المصحفى حتى نخرج بموضوع شامل متكامل من خلال القرآن نفسه، كما عنى الشيخ شلتوت (رحمه الله) فى تفسيره بإبراز الوحدة الموضوعية، والمحور الرئيسى الذى تدور حوله آيات كل سورة، وقد حمل تفسيره للقرآن الكريم إضاءات ذات معانٍ ودلائل متصلة بعصرنا الحاضر، بالإضافة إلى توجيهات وإشارات علمية وتربوية وفلسفية واجتماعية بأسلوب واضح لا يستغلق على الأفهام. ولا نملك ونحن أمام هذه الشخصية العظيمة لشيخ من شيوخ الأزهر الشريف؛ إلا أن نتمثل قول أمير الشعراء: وَاخشَع مَلِيًّا وَاقضِ حَقَّ أَئِمَّة... طلعوا بِهِ زُهرًا وَماجوا أَبحُرًا... كانوا أَجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَة... وَأَعَزَّ سُلطانًا وَأَفخَمَ مَظهَرا.
وقدم الدكتور سرحانه 
لمحات من سيرته فقال  وُلِد الشيخ محمود شلتوت بقرية منية بنى منصور بمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة فى ٢٣ أبريل ١٨٩٣. نشأ فى قريته منية بنى منصور وتربَّى فيها، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير ثم التحق بمعهد الإسكندرية الأزهرى عام ١٩٠٦. ودرس علوم الأزهر المقررة وعلى رأسها التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعانى والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، ثم التحق بالكليات الأزهرية ونال شهادة العالمية سنة ١٩١٨، وكان أول الناجحين فيها، ثم عُين مدرساً بمعهد الإسكندرية أوائل عام ١٩١٩. ولما عُين الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخاً للأزهر فى ٢٢ مايو ١٩٢٨ قام بنقله إلى القسم العالى بالأزهر، وبعد ذلك تم ترقيته لتدريس الفقه بأقسام التخصص وهو أعلى مستويات التدريس فى الأزهر، ثمّ عضواً فى جماعة كبار العلماء.

كرس الشيخ شلتوت (رحمه الله) جهوده مبكرا فى سبيل إصلاح التعليم الأزهرى إلى أن تم فصله مع ٧٠ من علماء الأزهر فى ١٧ سبتمبر ١٩٣١. وبعد فصله من الأزهر اشتغل بالمحاماة، وظل على منهجه فى نقده لسياسات الأزهر، والدعوة للإصلاح ونشر أفكاره الإصلاحية بالصحف اليومية والمجلات، وفى فبراير ١٩٣٥ أُعيد وكل المفصولين إلى أعمالهم بالأزهر، ثم عين مدرساً بكلية الشريعة، ولما عاد الشيخ المراغى للمشيخة عينه وكيلاً للكلية فى أبريل سنة ١٩٣٧. وفى سبتمبر ١٩٣٨ عين مفتشاً بالإدارة العامة بالجامع الأزهر، وكان الشيخ شلتوت قد ألقى فى سنة ١٩٤٢ محاضرته الإصلاحية فى السياسة التوجيهية التعليمية بالأزهر وكان لها تأثير كبير فى الأوساط العلمية.

المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية: من أهم البحوث التى كتبها وتقدم به فى سنة ١٩٣٧ عندما اختير عضوا فى الوفد الذى أرسله الأزهر لحضور مؤتمر لاهاى للقانون الدولى المقارن، حيث أكد فى بحثه على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا من أهم مصادر التشريع العام واعتبارها حية صالحة للتطور، وقد سجل هذا البحث فى سجل المؤتمر باللغة العربية، واعتبر من المجموعة العلمية التى تدخر للرجوع إليه، وقد تقرر استخدام اللغة العربية فى دورات المؤتمر المقبلة، وهذا البحث نفسه هو الذى تقدم به فى سنة ١٩٤١ إلى هيئة كبار العلماء فنال عضويتها بإجماع الآراء، وكان أصغر الأعضاء سناً، وكان أول نشاط قام به فى الهيئة أن تقدم إليها باقتراح إنشاء مكتب علمى تكون مهمته معرفة ما يهاجم به الدين الإسلامى والرد عليه، وتنقية كتب الدين من البدع والضلالات، وبحث المعاملات التى جدّت وتجد، وقد تبنت هيئة كبار العلماء هذه المقترحات، فألفت لجنة لتحقيق هذه المقاصد برئاسة الشيخ عبدالمجيد سليم، وكان الشيخ محمود شلتوت أحد أعضائها، وكانت هذه اللجنة تمهيدا لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية فيما بعد عند صدور القانون ١٠٣ لسنة ١٩٦١ بشأن تطوير الأزهر.

وفى سنة ١٩٤٦ صدر قرار بتعيين الشيخ محمود شلتوت عضواً بمجمع اللغة العربية، كما انتدبته جامعة فؤاد الأول (القاهرة) فى سنة ١٩٥٠ لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، كما عين فى نفس العام ١٩٥٠ مراقباً عاماً لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر، فوضع أساسا لإصلاح المراقبة، ولعلاقة مصر الثقافية مع العالمين العربى والإسلامى وغيرهما، كما تم تعيينه مستشاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامى فى سنة ١٩٥٧، وعضواً فى اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التربية والتعليم وعضواً فى المجلس الأعلى للإذاعة، وكان أول من ألقى حديثاً دينياً فى صبيحة افتتاح إذاعة القاهرة ورئيساً للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية وعضواً فى اللجنة العليا لمعونة الشتاء وعضواً فى لجنة الفتوى بالأزهر ومستشاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامى سنة ١٩٥٧ ووكيلاً للأزهر والمعاهد الدينية فى ٩ نوفمبر ١٩٥٧ وعضوا فى مجمع البحوث الإسلامية فى ٣١ يناير ١٩٦٢. ثم شيخاً للأزهر.

صدر القرار الجمهورى بتعيينه شيخا للأزهر فى ٢١ أكتوبر ١٩٥٨. واستمر لمدة ٥ سنوات، شهد فيها الأزهر أهم مراحل التطوير والتجديد التى كان يتوق إليها الإمام نفسه، حيث كان يرى أن النهوض بالأزهر الشريف وإصلاحه ضرورة، من حيث إنه «منار الدين وحصن اللغة المكين»، كما صدر فى عهده القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١ بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، وكان من بينها مجمع البحوث الإسلامية، وكان بحكم وظيفته عضواً فى أول تشكيل له بالقرار الصادر فى ٣١ يناير١٩٦٢.

اهتم الشيخ محمود شلتوت بإصلاح الأزهر الشريف وتطويره من خلال ما يلي: إنشاء تخصصات جديدة لم تكن متاحة لأبناء الأزهر قبل ذلك. وإنشاء معاهد نموذجية تجمع بين التعليم الأزهرى والعام. وفتح معاهد القراءات. وفتح معهد البعوث الإسلامية. وفتح معهد الإعداد والتوجيه الذى يؤهل الطلاب غير العرب للدراسة باللغة العربية، كما يدرس فيه الطلاب المتخرجون فى الأزهر والذين أجادوا اللغات ــ بعد مسابقة تعقد لهم ــ والمتخرجون منه يوفدون فى بعثات علمية أو فى بعثات إلى البلاد الإسلامية التى لا تتكلم اللغة العربية. وإدخال الكليات العملية إلى جامعة الأزهر. وزيادة البعثات الأزهرية للدول الأوربية. وزيادة بعثات الأزهر للدعوة إلى الإسلام والوعظ والإرشاد. وتدريس اللغات الأجنبية فى الأزهر. وافتتاح معاهد الفتيات لأول مرة فى تاريخ الأزهر فصدر فى ٩ يناير ١٩٦٢ أول قرار بإنشاء معهد أزهرى للفتيات ــ وهو معهد فتيات المعادى. وإنشاء مجمع البحوث الإسلامية. وإقامة مدينة البعوث الإسلامية لتستقبل الطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم. والعمل على الحفاظ على كرامة الأزهر ومكانة مشيخته. وتنظيم جامعة الأزهر بما يحقق أهدافها ورسالتها، فى التواصل مع الدول الإسلامية. وإدخال اللغات الأجنبية؛ حتى يستطيع خريجوا الجامعة القيام برسالتهم فى جميع أنحاء العالم على الوجه الأكمل. وتطوير مناهج الكليات الشرعية. وقيام الأزهر فى عهده بنشر التثقيف وغرس القيم الإسلامية الصحيحة من خلال نشاط بارز فى المراسم الثقافية التى كانت تقام فى قاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر وكان يشارك فيها كبار رجال الفكر والاجتماع فى العالم العربى والإسلامى.

للشيخ محمود شلتوت العديد من المؤلفات المهمة، منها: فقه القرآن والسنة، ومقارنة المذاهب، والقرآن والقتال، ويسألونك «وهى مجموعة فتاوى»، ومنهج القرآن فى بناء المجتمع، ورسالة المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية، والقرآن والمرأة، وتنظيم العلاقات الدولية الإسلامية، والإسلام والوجود الدولى للمسلمين، وتنظيم الأسرة، ورسالة الأزهر، وإلى القرآن الكريم، والإسلام عقيدة وشريعة، ومن توجيهات الإسلام، والفتاوى، وتفسير القرآن الكريم «الأجزاء العشرة الأولى».

وانتقل الشيخ شلتوت إلى رحمة ربه مساء ليلة الجمعة ١٣ ديسمبر ١٩٦٣، وشيعت جنازته من الجامع الأزهر،

شارك