طالبان وجماعات الإرهاب (القاعدة، داعش، الإخوان المسلمين)

الإثنين 13/سبتمبر/2021 - 12:38 م
طباعة طالبان وجماعات الإرهاب حسام الحداد
 
بعد أن سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول الأحد 15 أغسطس 2021، كثرت الأسئلة حول مستقبل أفغانستان خصوصا في ظل تواجد عدد من الجماعات الإرهابية العاملة بها غير طالبان وعلى رأسهم تنظيمي القاعدة وداعش "ولاية خراسان"، وجماعة الإخوان المسلمين بتنظيمها الدولي، وكيف ستتعامل الحركة بعد أن قامت بتشكيل حكومة تسيير الأعمال مع هذه التنظيمات، خصوصا بعد تصريحات المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان"، محمد نعيم، أن تنظيم "القاعدة" غير موجود في أفغانستان وليست للحركة علاقة به وذلك في تصريحات تلفزيونية أدلى بها الأحد 22 أغسطس الماضي حيث قال: "تنظيم القاعدة غير موجود في أفغانستان وليس بيننا وبينهم علاقة".
وأشار نعيم إلى أن اتفاق السلام بين "طالبان" والولايات المتحدة، الذي كان أحد مخرجات المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة، نص على عدم السماح لأي جهة متطرفة باستخدام أراضي أفغانستان، وأكد المتحدث باسم الجناح السياسي لـ"طالبان": "لن نسمح لأي فرد أو جماعة بدخول أراضينا لممارسة أنشطة عسكرية".
يتنافى ما قاله نعيم مع تصريحات البنتاجون حيث قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، خلال مؤتمر صحفي عقده مساء الجمعة 20 أغسطس الماضي: "نعرف أن القاعدة وكذلك داعش متواجدان في أفغانستان... لا نعتقد أن عدد عناصرهما كبير جدا، لكن لا تتوفر لدينا معلومات دقيقة".
وتابع: "لا نعتبر أن وجودهما واسع بما فيه الكفاية لتمثيل تهديد لأراضي بلادنا مثلما كان الأمر عليه في 11 سبتمبر منذ 20 عاما".
وكذلك يتنافى حديث نعم مع مبايعة أيمن الظواهري الملا هبة الله أخوند زادة قائداً لحركة طالبان في مايو 2016، وأطلق عليه لقب "أمير المؤمنين" ما سمح له بإثبات مصداقيته في أوساط الجهاديين.
يتضح من هذا أن حركة طالبان ما زالت تتستر على وجود تنظيم القاعدة على الأراضي الأفغانية خصوصا في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، ويعتقد أنه تم الاتفاق بين القاعدة وطالبان على هذا السيناريو خصوصا وأن تنظيم القاعدة في حالة كمون منذ فترة ولا يقوم بتنفيذ عمليات كبيرة من خلال تمركزه في أفغانستان بينما يعلن عن تواجده من خلال أفرع التنظيم المنتشرة في أفريقيا وأسيا.
وما يؤكد هذا ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن مايكل روبن المسؤول السابق في البنتاجون، والذي يعمل حاليا كباحث في معهد (أميركان إنتربرايز) قوله: "لم تكن طالبان أبدا صادقة بشأن قطع العلاقات مع القاعدة وما كان يجب أن نصدقها أبدا". ويضيف "نحن لا نتحدث عن مجموعتين عسكريتين تقطعان العلاقات إنما عن شقيقين، أو نسيبين". مشيرا إلى أن "وجود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي منع القاعدة من استخدام أفغانستان كملاذ ولم يتمكنوا من القيام بأنشطة علنا، لكن الأمور باتت الآن مفتوحة".
ولابد من لفت النظر أن الجماعتين (طالبان والقاعدة) مرتبطتان ببعضهما من خلال الكفاح المشترك في أفغانستان، وإلى حد ما يصعب الفصل بينهما، وأن هذا ما يصعب على طالبان تحديد علاقتها مع القاعدة بعد عودتها إلى السلطة، ولذلك فإن توضيح الكثير من الأمور سيتم على المستوى المحلي أكثر من المستوى الوطني، وسوف يعتمد الأمر كثيرا على العلاقات الشخصية بين قيادات الجماعتين.
طالبان وداعش
علاقة طالبان وداعش مختلفة تماما عن علاقتها بالقاعدة، فقد تعرضت داعش لضربات مؤلمة من طالبان، حسب تقرير لمجلس الأمن الدولي نشر في مايو العام الماضي، وجاء فيه "لقد لعبت قوات طالبان دورا مهما في إلحاق الهزيمة بهذا الجزء من تنظيم الدولة الإسلامية".
وتختلف أهداف "داعش"، عن أهداف حركة طالبان، التي تركز على توسيع وترسيخ سلطتها في أفغانستان، في حين تنشط داعش على المستوى الدولي ولا تهتم بالحدود. ويتهم تنظيم "داعش" طالبان بالتركيز على بلدهم وجعله فوق الإسلام ونشره في العالم.
لطالما اعتبر "داعش خراسان" حركة طالبان غير متمسكة بـ"تعاليم الإسلام"، ويؤكد هذا ما جاء في صحيفة النبأ لسان حال "داعش" العدد 300 والصادر الخميس 19 أغسطس الماضي وقال تنظيم داعش في بداية هذا المنشور: "لا جديد ولا غرابة فيما جرى مؤخرا في المشهد الأفغاني، فما رسمه "اتفاق السلام" بين الصليبيين والمرتدين في الدوحة جرى تطبيقه بينهم على الأرض في كابل، ومَن تابع مراحل عملية السلام منذ بدايتها، يدرك تماما أن الانسحاب الأمريكي كان قرارا لا عودة فيه بالنسبة للإدارة الأمريكية، بدأه "ترامب" وأتمّه "بايدن"، وأنّ سقوط البلاد في أيدي طالبان كان نتيجة طبيعية بعلم ورضا مَن وقّع على الاتفاق."، وتنظيم "داعش" كما هو واضح يعتبر "طالبان" مجموعة من المرتدين عن الإسلام وطبقا لعقيدة داعش وطالبان معا هناك حد للردة وهو القتل مما يدل على أن "داعش" مصرة على الدخول في معارك مع طالبان على الأراضي الأفغانية، فطالبان بالنسبة لداعش ماهي إلا جماعة مرتدة وجب قتالها.
فلا يعترف تنظيم داعش بانتصار طالبان حيث يؤكد أن ما حدث كان ضمن اتفاق الدوحة، ليس هذا فقط بل يعتبر ما حدث كفر وتنازل من جانب طالبان بغية الوصول للسلطة ليس أكثر ولا أقل فيقول: "إن مفهوم النصر تعرض لنكسات كبيرة في التاريخ المعاصر، تسببت بهذه النكسات الأحزاب والحركات المرتدة التي أصبحت تطلق النصر على كل ما يوافق أهواءها ويحقق مصالحها ولو كان كفرا وتنازلا!، وصارت تطلق الهزيمة والفشل على كل ما يخالف أهواءها ولو كان توحيدا وثباتا، فصار الموت في ظلال الشريعة فشلا! بينما العيش في أحضان الطواغيت ووفقا لأجنداتهم نصرا وتحريرا."
ويؤكد تنظيم داعش في بيانه أن التحالف الدولي لمواجهة داعش أدرك فشل النموذج الإخواني في مواجهة داعش ومن أجل ذلك قدم نموذج طالبان في محاولة لمواجهة مشروع "داعش" عسكريا وفكريا فيقول البان: "وفي أبعاد الترويج الممنهج لنموذج "طالبان الجديدة"؛ فإن قادة التحالف الصليبي لم يتوقفوا عن الترديد أنه لا سبيل لهزيمة الدولة الإسلامية عسكريا دون محاربتها فكريا، ولا شك أن الصليبيين أدركوا فشل نموذج الإخوان المرتدين في تولي كبر الحرب الفكرية ضد الدولة الإسلامية حتى بعد وصولهم إلى سدة الحكم، فكان لا بد من البحث عن نموذج آخر يرون فيه فرصة أفضل لمجابهة الدولة الإسلامية وتقديمه كبديلا لها بين أبناء المسلمين؛ فكانت "طالبان الجديدة" هي البديل الذي يجمع بين المواجهة العسكرية والفكرية معا."
طالبان والإخوان
مرت العلاقة بين طالبان وجماعة الإخوان بمرحلتين متباينتين منذ ظهور طالبان على الساحة ابان الغزو السوفيتي وكانت هذه هي المرحلة الأولى بين طالبان والإخوان، فمع اشتعال الحرب الأفغانية السوفياتية التي استمرت من ديسمبر 1979 حتى فبراير 1989، كانت جماعة الإخوان الداعم الأساسي والمموّل الرئيسي لجبهات المقاتلين الأفغان، تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية، التي أطلقت عليهم "السلاح السري" في حرب الظل ضد الاتحاد السوفياتي، وفقاً لكتاب "النوم مع الشيطان"، لضابط الـCIA المتقاعد، روبرت باير، المسؤول عن عمليات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، كاشفاً توظيف المخابرات الأميركية لجماعة الإخوان، في القيام بأعمال قذرة في كل من اليمن وأفغانستان.
أشرفت جماعة الإخوان مباشرةً على المشهد الأفغاني، وكلّفت كمال السّنانيري (زوج شقيقة سيد قطب)، إدارة ملف الحرب الأفغانية، ومن بعده الدّكتور أحمد الملط، بمساعدة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور كمال الهلباوي، والدكتور مناع القطان، خلال فترة المرشد الرابع للجماعة، محمد حامد أبو النصر، وفقاً لمذكرات عبد المنعم أبو الفتوح المنشورة بعنوان "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر"، فضلاً عن تأسيسهم جبهة موحَّدة للقتال ضد الروس تحت مسمى "الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان"، برئاسة عبد رب الرسول سياف عام 1983. 
من جهة أخرى، كان للإخواني الفلسطيني عبد الله عزام دور بالغ في تأسيس مكتب "خدمات المجاهدين العرب" في بيشاور عام 1984، بالتعاون مع "معسكر مأسدة الأنصار"، و"بيت الأنصار" 1984، اللذين أسسهما أسامة بن لادن، وكانت تلك المكوّنات المسلحة النواة الأولى لتنظيم القاعدة في ما بعد.
عمل مكتب الخدمات على جمع التبرعات من العديد من البلدان الغربية، والولايات المتحدة، من خلال فروعه المنتشرة في أكثر من 33 مدينة أميركية، الى جانب عدد من الدول الأوروبية من أجل دعم المقاتلين الأفغان، فضلاً عن تأسيس منظمة الإغاثة العالمية Global Relief Foundation، عام 1992، ومقرها بريدج فيو، في ولاية إلينوي، وهي ثاني أكبر مؤسسة خيرية إسلامية في الولايات المتحدة، وارتبطت بعلاقات مباشرة مع مكتب "خدمات المجاهدين"، وأسهمت هذه الفروع في تجنيد الشباب وتمويلهم وتدريبهم وإلحاقهم بمعسكرات القتال الأفغاني.
أما المرحلة الثانية فكانت مع سقوط حركة "طالبان" عام 2001، وكانت بمثابة بداية ملهمة لقيادات الإخوان في إعادة تموضعهم التنظيمي في العمق الأفغاني، والتغلغل في مفاصل المؤسسات الثقافية والفكرية الاجتماعية والسيادية، إبان حكم الرئيس حامد كرزاي، كبديل لـ"طالبان" التي دخلت في منافسة شرسة مع جماعة الإخوان نهاية التسعينات من القرن الماضي، رغم المظلة الفكرية الجامعة بين أدبياتهما في مفاهيم أسلمة المجتمعات والسيطرة على الحكم، إذ وقعت المؤسسات السيادية الأفغانية، تحت هيمنة جماعة الإخوان، في مقدمتها جهاز المخابرات المركزية، الذي ظل تحت سيطرتهم لفترة طويلة، ويتولى رئاسته حالياً أسد الله خالد، أحد رجال عبد رب الرسول سياف، فضلاً عن احتفاظهم بمنصب رئيس أركان الجيش الأفغاني، وسيطرتهم على جهاز الأمن الداخلي والمؤسسات القضائية، وامتلاكهم مجموعة من شركات الحراسات الخاصة والخدمات الأمنية.
في يونيوعام 2002، أعلنت 30 قيادة أصولية تأسيس كيان سياسي يمثل جماعة الإخوان في أفغانستان، تحت مسمى "الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية"، في منطقة تيمني في العاصمة كابول، بعد الحصول على الموافقة الرسمية من وزارة العدل، وضمّت 35 فرعاً، ووضعت في مقدمة أهدافها التأثير في الطبقات الاجتماعية المتعددة، بما يحقق للجماعة نشر أدبياتها الفكرية.
يتبع جمعية "الإصلاح الأفغانية"، عدد كبير من المدارس التعليمية الخاصة، وأكثر من 4 معاهد لتعليم الفتيات، و8 مدارس لتدريس العلوم الشرعية، و7 معاهد متخصصة في تأهيل المعلمين، منها على سبيل المثال معهد "الإصلاح لإعداد وتأهيل المعلمات"، أنشئت عام 2008؛ معنية بدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، و"إصلاح النموذجية"، أُسست عام 2006 في مدينة جلال آباد، و"دار العلوم الإسلامية" أُنشئت عام 2008، ومدرسة "الفلاح" للبنات، أُنشئت عام 2009 بمدينة جلال آباد، وتخصصت في إعداد الكوادر القيادية في المجالات الفكرية والعلمية والمهنية.
لما للإعلام من تأثير قوي وفاعل، اتجهت جماعة الإخوان إلى تأسيس كيانات إعلامية تدافع عن توجهاتها وأفكارها، منها قناة "الإصلاح"، كأول قناة فضائية أفغانية، وإذاعة "صوت الإصلاح"، تأسست عام 2008، الى جانب إصدار المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية، مثل "إصلاح مللي" وتصدر أسبوعياً بالفارسية والبشتو، ومجلة "معرفة" وتصدر شهرياً باللغة الفارسية، ومجلة "جوان" وتصدر بالبشتو، ومجلة "رسالة الإصلاح"، (نصف شهرية)، ويطبع منها أكثر من 100 ألف نسخة، ولها تأثير بالغ في الشارع الأفغاني.
وعلى الرغم من أن إخوان مصر لم يصدر عنهم تعليقا رسميا يبلور موقف الجماعة، لكن حالة من الاحتفاء والاحتفال سادت القاعدة الشعبية لأفرع التنظيم الدولي بوصول طالبان للحكم، فعقب عودة طالبان للحكم هنأت حماس، في بيان، طالبان وقيادتها على ما وصفته بـ"الشجاعة" و"الانتصار الذي جاء تتويجًا لجهادها الطويل على مدار عشرين عامًا مضت". وكذلك سارع اخوان سوريا  بتهنئة طالبان، وهو الأمر الذي يعد ملفتا وأكثر إشكالية من تهنئة بقية الأذرع، وتكرر نفس الأمر في أروقة أذرع التنظيم الدولي للإخوان في تونس والمغرب وليبيا، وفق مراقبين.
كل هذا انما يؤكد أن جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي تحاول العودة بالعلاقة مع طالبان إلى ما قبل 2001، واللافت للنظر أن حركة طالبان حتى الأن لم تشير من قريب أو بعيد لهذا الأمر، وربما تحت الضغط الأمريكي يكون هناك تعاون في عدد من الملفات بين جماعة الإخوان لثقة ادارة بايد بها وحركة طالبان.

شارك