قتل وتهجير وتدمير.. تقرير يرصد مخطط التغيير الديمغرافي لتركيا في رأس العين وتل أبيض

الإثنين 04/أكتوبر/2021 - 02:28 م
طباعة قتل وتهجير وتدمير.. علي رجب
 

مع احتلال تركيا مناطق تل ابيض وراس العين شمال وشلاق سوريا، لبعد عملية نبع السلام، رصد تقرير حقوقي عمليات التغيير الديمغرافي في المناطق المحتلة، نتج عنها كوارث إنسانية، ونزوح لثلثي السكان ودمار في البنية التحتية ومقتل وإصابة المئات.

بدأت عملية نبع السلام التركية، في 9 أكتوبر 2019، حيث استهدفت الغارات الجوية التركية ومدافع الهاوتزر مُدن تل أبيض، القامشلي، عين عيسى ورأس العين الحدوديّة، ممّ أدّى إلى فرار آلاف المدنيين.

وتم الإبلاغ عن انتهاكات لحقوق الإنسان، حيث صرحت منظمة العفو الدولية ولجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بأنّها جمعت أدلة تشير إلى أنّ القوات التركية والمجموعات المسلحة المدعومة منها قد “أبدت تجاهلًا مخزيًا للحياة المدنية، وارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، بما في ذلك القتل المتعمّد والهجمات غير القانونية التي أدّت لقتل وجرح المدنيين” وهو ما يمكن وصفه ب جريمة الإبادة، كما وثقت هيومن رايتس وتش قيام جماعات المعارضة السورية الموالية لتركيا بارتكاب جرائم حرب وقتل المدنيين وإعدامهم.

ورغم أنّ العملية التركية تعرضت للإدانة على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي. فقد واصل الرئيس التركي الهجمات، ولم يلتفت للدعوات الدولية، التي طالبته بوقف الهجمات وانتهاك حقوق الإنسان.

وخلّف التدخل التركي في مدينتي تل أبيض ورأس العين أوضاع كارثية على المنطقة برمتها، وأدى لتفاقم التوترات العرقية بشكل كبير في مناطق كانت متعايشة وآمنة ومستقرة، نجحت فيها الحكومة الإدارية التابعة للإدارة الذاتية في توفير ظروف مناسبة لإقامة مشاريع تنموية ودعم المجتمع المدني وهو ما ساهم في خلق بيئة مستقرة، ودفع المنطقة لأن تتحول لمركز جذب سكاني واقتصادي وتوفرت فيها فرص العمل والتنمية. لا سيما وأنّ قرابة 350 ألف من السكان نزحوا نتيجة العمليات العسكرية التركية وهم مازالوا نازحين قسرا عن منازلهم وممنوعين من العودة.

 

مشروع استيطان

وأوضح مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا أن تركيا تنفذ مشروع الاستيطان في تلك المناطق بما يتضمنه من تلاعب كارثي في الهندسة الاجتماعية، وما يشكله من ضرب للبنية الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي. تلك خلاصة تقرير أعده مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، تناول الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لموجات النزوح من منطقتي تل أبيض (كري سبي) ورأس العين (سري كاني) نتيجة الهجوم التركي.

 

ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، والعديد من تقارير المنظمات الدولية والمحلية واستنادا إلى العشرات من اللقاءات التي أجراها مركز توثيق الانتهاكات فقد ارتكبت جرائم حرب من قبل تركيا والمجموعات السورية المسلحة التي تدعمها تحت مسمى (الجيش الوطني السوري)، من إعدامات ميدانية، إلى قصف البنية التحتية، وقصف المدارس والمشافي، وخطف واعتقال المدنيين، والاستيلاء على العقارات والأملاك والأراضي و المحاصيل والثروة الحيوانية وتفريغ صوامع الحبوب وقطع المياه، إلى جانب ابتزاز السكان في قوت عيشهم وأمنهم والخطف بغرض الفدية.

واستند تقرير مركز توثيق الانتهاكات على 45 شهادة، واستغرق تجهيزه ثلاثة أشهر من الاستقصاء، والجمع، والرقابة، والاتصال، وسلط فيه الضوء كذلك على الوضع المأساوي لآلاف من النازحين قسرا، وتشريد السكان الأصليين وإعادة توطين النازحين وأغلبهم من عوائل المسلحين الموالين لتركيا، وما يسبب ذلك من تصعيد في التوترات العرقية، والخلافات بين السكان المحليين والمسلحين -الغرباء- والعوائل النازحة داخليا بحماية هؤلاء المسلحين وما اكتسبوه من سلطة واستيلاء على منازل وعقارات السكان الأصليين.

كما سلط التقرير وبحسب شهادات ميدانية الضوء على التمييز الذي يتعرض له السكان المحليين إجمالا، وخاصة الأكراد وأنّ أقل من 4 % فقد عادوا لمنازلهم، في ظل الظروف الصعبة من الاضطهاد ويتعرضون لتمييز واسع النطاق وهم مع بقية السكان المحليين ضحية العديد من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الفصائل الموالية لتركيا.

كما يتطرق التقرير إلى قضايا مثل الإسكان، والعمل، والملكيات، وتغييرات الحكومة، والمجتمع المحلي، والتغييرات السياسية والأمنية، ويختتم بعدة توصيات تتضمن ضرورة أن يبادر الاتحاد الأوروبي للتحرك والضغط على الحكومة التركية لتصحيح الخلل الذي ارتكبته، ودعوات للأمم المتحدة للقيام بما يتوجب عليها، وعدم غض الطرف عما يجري من انتهاكات ترتقي لمصاف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ويكشف التقرير الصادر عن مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا حتى شهرسبتمبر 2021 تزايد معدلات العنف والجريمة وحوادث الاقتتال بين الفصائل، وحدوث المزيد من الانفجارات ضمن مناطق تسيطر عليها القوات التركية شمال سوريا، كما وشكل الهجوم التركي على المناطق التي كانت تصنف “مستقرة، آمنة” شرق الفرات، واحتلال مدينتي رأسن العين \ سري كاني، وتل أبيض كري سبي وما نتج عنه من مآسي إنسانية بنزوح 375 ألف من سكانها، إضافة لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم التعذيب والاعتقالات والإعدامات الميدانية والاستيلاء على العقارات والملكيات والقصف العشوائي واستخدام أسلحة محرمة دوليا إضافة إلى تنفيذ عمليات إعدام ميدانية، واستهداف الطواقم الطبية والصحفيين ساهم في تفاقم الأوضاع ودخول المنطقة برمتها في فوضى وتوجه الأمور نحو الفلتان الأمني، وعودة التفجيرات، وحوادث الاغتيال.

 

القوات التركية والميليشيات السورية التي تدعمها تواصل ارتكاب المزيد من الانتهاكات، حيث رصد مقتل وإصابة 8320 شخصا، القتلى 2527 شخص، فيما وصل عدد المعتقلين إلى 7901 شخص منذ بداية التوغل التركي في شمال سوريا، أفرج عن قرابة 5350 منهم، فيما لايزال مصير البقية مجهولا.

عدد الضحايا المدنيين بفعل الهجوم التركي وصل إلى 709 مدنيا، بينهم 99 طفلا، و 72 امرأة، وعدد الجرحى 3520 بينهم 273 طفلا، و 235 امرأة. قتل تحت التعذيب أو نتيجة ظروف الاعتقال السيئة 61 شخص، وفقا لمركز توثيق الانتهاكات.

 

وبلغ عدد المدارس المدمرة بفعل القصف التركي، وقصف الجماعات المسلحة الموالية لها بلغ 27 مدرسة، وتعطلت 813 مدرسة، فيما حرم 86 ألف طالب وطالبة من التعليم.

فيما بلغ عدد المستشفيات  والنقاط الطبية المدمرة، والتي تعرضت للقصف بلغت 28 نقطة طبية، وتم إصابة 11 أشخاص العاملين في المجال الطبي؛ وقتل 5 منهم 3 أعدموا ميدانيا من قبل فصائل الجيش الوطني.

وتسبب الهجوم التركي في إصابة 277 شخص بإعاقات جسدية، منهم 75 مدني، و 206 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، كما وأصيب 154 آخرين بإعاقات جسدية في التفجيرات التي حدثت في منطقتي تل أبيض ورأس العين عقب الهجوم التركي، حيث ظلت المدينة في مأمن من التفجيرات طيلة فترة حكم “الإدارة الذاتية”. كما وأصيب 159 شخصا بإعاقات نتيجة الألغام الغير متفجرة. وبين تلك الحالات هناك 62 طفل و 57 امرأة.

 

ولقي 4 صحفيين مصرعهم وأصيب 13 بجروح، كما اغتالت القوات التركية والدي صحفي؛ وقامت الفصائل المدعومة منها بالاستيلاء على منزله ومنزل / 8 / صحفيين آخرين في بلدتي تل أبيض ورأس العين.

ونتيجة العمليات العسكرية التركية شرق الفرات \ شمال شرق سوريا نزح سكان 600 منطقة سكنية وقرية في مساحة 4300 كيلومتر مربع، بتعداد يصل إلى 300 ألف مدني، وقتل 478 مدنيا، وأصيب 1070 بجروح، بينهم 45 حالة بتر أطراف، كما قتل 203 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة الهجمات التركية، وأصيب 900 مقاتل بجروح، وفقا لمركز توثيق الانتهاكات

وبلغ عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم (120) شخص/ من قبل القوات التركية، والفصائل الموالية لها وتعرض (18) منهم للتعذيب، من بين المعتقلين 9 نساء، وصلت حالات المطالبة بفدية مالية للإفراج عن المختطفين 12 حالة، تم تحرير 5 منهم، وصلت المبالغ المدفوعة إلى 20 ألف دولار لأحدهم، كما وتم توثيق فقدان الاتصال ب 65 شخصا حتى الآن، مصيرهم مجهول.

 

كما وتم توثيق 17 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد الفصائل التابعة لتركيا “الجيش الوطني”، بينها 18 على مدارس و8 على منشآت طبية، و4 على أماكن عبادة، و5 مؤسسات خدمية، و2 محطات كهرباء، و2 محطة مياه، و3 جسور، وقصف 2 نقاط طبية القوات التركية هي المسؤولة عنها بشكل مباشر، كونها تستخدم سلاح الجو والقصف.

 

ولم تلتزم تركيا بأي حال بأيًة من الاتفاقيات الموقعة، وإنّما بدأت بشن هجمات عسكرية جوا، وعلى الأرض لغزو شمال شرق سوريا \ شرق الفرات في 9 أكتوبر 2019 بمشاركة من المسلحين التابعين لها والذين قامت على فترات سابقة بنقلهم من مختلف المدن السورية، وإعادة تسليحهم وإغرائهم بأنّ الهجوم على شرق الفرات سيوفر لهم مكاسب كبيرة، وفرصة لإعادة توطينهم مع عوائلهم في المدن التي يسيطرون عليها بعد هزيمة قوات سوريا الديمقراطية،  وفقا لتقرير مركز توثيق الانتهاكات.

كما تسبب الهجوم التركي على شمال شرق سوريا، في تضرر بالغ لبنية المجتمع السوري، نتيجة انتهاج تركيا خطة اعتمدت على التجييش الطائفي والديني، كما لا زالت تركيا وفصائلها المسلحة تمارس مختلف أنواع الانتهاكات، التي يشكل بعضها جرائم ضد الإنسانية ويشكل بعضها الآخر جرائم حرب، فلاتزال عمليات التعذيب داخل مراكز الاحتجاز مستمرة، ولاتزال عمليات قصف المراكز الحيوية وأبرزها مراكز طبية ومدارس ومحطات المياه والكهرباء مستمرة، ولاتزال الفصائل تواصل إعدام المدنيين والعسكريين والطواقم الطبية ميدانيا، وتواصل شن المزيد من الهجمات، كما وتواصل تركيا استخدام سلاح الجو والمدفعية في قصف المدن والبلدات، وهو ما يدفع بالمزيد من المدنيين إلى النزوح، كما ولم يتم الكشف عن مصير المعتقلين، كما ولاتزال الفصائل تواصل حملات الاستيلاء على منازل المدنيين، وترفض عودة السكان تحت تهديد القتل والخطف، وتواصل الخطف والتعذيب لدفع ذويهم لدفع الفدية، وتواصل قطع الأشجار والاستيلاء على المحاصيل، وفرض الأتاوات، وسرقة القمح من المخازن.

القوات التركية والفصائل التابعة لها، تنفذ بالضبط التعليمات التركية، وأنّ كل الانتهاكات تجري تحت أعين الجنود الأتراك وبمشاركتهم وهو خرق بشكل لا يقبل التَّشكيك لقراري مجلس الأمن 2139 و2254 القاضيَين بوقف الهجمات العشوائية، وخرقت عدداً واسعاً من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، وأيضاً انتهكت عبر جريمة القتل العمد المادتين السابعة والثامنة من قانون روما الأساسي؛ ما يُشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما وانتهكت بنود اتفاقية الهدنة بينها وبين الولايات المتحدة 17 أكتوبر، وبينها وبين روسيا 30 أكتوبر.

 

شارك