استراتيجيات التأويل وأصول العنف الديني ( محمد أركون ونصر حامد أبوزيد نموذجا)

الثلاثاء 05/أبريل/2022 - 01:13 م
طباعة استراتيجيات التأويل حسام الحداد
 
إن الوضع العربي الراهن يلح علي  دراسة العنف الديني وظهور الجمعات المتطرفة التي تقدم نفسها في صورة السلطة الأبوية – وفقا لمفهوم الأبوية في الثقافة العربية – وصية علي العالم، محاولة فرض رؤيتها بكل السبل الممكنة ، مما يجعلها تجد مشروعية للعنف  والإرهاب  ، وتقدمه في صورة فرض ديني يفرضه النص القرآني، من خلال زعمها امتلاك النص القرآني وفهمه الحقيقي، وتماهيها مع الذات الإلهية . وتزعم الاتجاهات الحداثية بأن للتأويل القدرة على سحب النص، ومن ثم الشرعية الإلهية  من يد الجماعات المتطرفة، وهذا ما سأحاول إخضاعه للدراسة في هذا البحث، من خلال توضيح آليات ومنطلقات العنف الديني، ومن ثم قدرة التأويل على إحداث تأثير داخل هذه الآليات والمنطلقات، ومن ثم يفضي إلى فهم للظاهرة، واختبار لأحد الحلول المزعومة.
ومن هنا يحاول الباحث صبحي عبد العليم في هذه الدراسة أن يقدم  تعريف تمهيدي للتأويل في السياقين الغربي والإسلامي. ثانيا: تقديم رؤية نقدية للعقل الإسلامي وتعامله مع النص من خلال ما طرحه نصر  أبوزيد  ومحمد أركون. ثالثا: تحديد أصول العنف الديني وعلاقتها بالنص. رابعا: تقديم رؤية نقدية لما قدمه كل من محمد أركون* ونصر أبوزيد* واختبار ما طرحاه للتأويل كاستراتيجية تعمل على سحب هذه المشروعية والوصاية الإلهية  التي تعطيها الجماعات الجهادية لنفسها، ومدى نجاحه في سحب هذه المشروعية، وحل أزمة العنف الديني المسيطرة على الواقع العالمي بوجه عام، والعربي بوجه خاص.  
وجاء في مقدمة الدراسة 
إن الخطاب بما هو ابن الواقع، يأتي مأزوما بأزماته، متكونا من مفرداته. ولا يغيب عن الخطاب العربي الحاجة إلى النهضة الملحة على الواقع بشدة، وجاء كل تيار يفسرها حسب موقعه وحسب منطلقاته، وفي حالة الصراع القائمة داخل هذه التيارات، اتفقت التيارات المتصارعة على شيء واحد، وهو غياب  الدور التفاعلي للنص القرآني عن الواقع العربي، فالتيار السلفي يطالب بقوة للحضور الفوري والواقعي للنص القرآني؛ وكذا أيضا التيار الأصولي يحمل نزعة لوم دائما تجاه المجتمع المتغافل عن النص، وغير المطبق لتعاليمه، ورغم الاختلاف الصارخ ما بين هذين الاتجاهين والاتجاه الحداثي؛ إلا أن الاتجاه الحداثي أيضا يطالب بالحضور التطبيقي للنص القرآني، داخل الواقع العربي، وذلك لضماناته الأخلاقية وسماحته. رغم الاتفاق على الغياب التطبيقي للنص إلا أنهم اختلفوا على كيفية الحضور التطبيقي للنص، فالتيار السلفي يطالب بالحضور الفوري للنص الخام ( الحرفي) دون أي وسيلة أو أداة معرفية أخرى لإنتاج الأحكام، ويقدم أطروحته باعتبارها مرادا وأمرا إلهيا. أما التيار الأصولي فيجد أن التفسيرات القديمة قد وصلت إلى حقيقة النص، والغاية الإلهية  منه، وذلك لهبات مخصوصة وهبها الله لهم، لتفانيهم في خدمة الدين، وليس بمجهود بشري لا يعرف الكمال بطبيعته، ومن ثم تصبح الحقيقة كامنة في هذه التفسيرات، وعليه تكون التفسيرات القديمة متعالية مطلقة كما النص، والاحتماء بها يمثل احتماء بالدين وحفاظا عليه، ويحمل تابعو هذه التفسيرات مهمة حراسة الدين – المتمثل في التفسيرات القديمة والمدونة التراثية – وحفظه، ومن ثم رفض أي محاولة تجديدية. ويتفق كلا التيارين في الوكالة بمهمة حراسة الدين، بما يفضي إلى الرفض للأخر وامتلاك الحقيقة. ويقوم العنف ولاسيما العنف الديني على فكرة امتلاك الحقيقة، التي تحمل في مضمونها فرض التبعية على الأخر وقصوره.
من هنا جاء موضوع البحث بعنوان " استراتيجيات التأويل وأصول العنف الديني ( محمد أركون ونصر حامد  أبوزيد  نموذجا)"، والاستراتيجية تعني: الخطط المحددة مُسبقاً لتحقيق هدف معين على المدى البعيد، في ضوء الإمكانيات المتاحة، أو التي يمكن الحصول عليها. واستراتيجيات التأويل هنا – وفقا للنموذج المطروح في الدراسة- تعني:  الاستراتيجيات التي تم تقديمها من قِبل التيار الحداثي لحل أزمة العنف الديني؛ هو مصطلح متعارف عليه داخل الأوساط الأكاديمية اليوم: بالعنف الذي يرتكب باسم الحق الإلهي، من هنا يأتي الشق الثاني من عنوان الدراسة، وهو البحث عن أصول العنف الديني، خاصة أن الجماعات الجهادية تقدمه في صورة فرض ديني وقربان إلهي. ويحمل خطابها لهجة التعالي والتفوق العقائدي، حيث يكونون هم ممثلو العقيدة ونواب الله على الأرض، ومن ثم توضع قراءتها للنص القرآني في حالة تطابق مع المراد والفهم الإلهي من النص، وعلى ذلك لا تعد التصورات والقراءات المقدمة داخل الحيز الإنساني بل تحمل إطلاقية إلهية، على الجميع اتباعها، حتى وإن تم فرضها بالعنف. من هنا جاء رهان التيار الحداثي علي التأويل وفقا للمناهج المعاصرة، كآلية لسحب هذه المشروعية الإلهية  من يد الجماعات الجهادية. ومعالجة أزمة خضوع الفكر العربي للتشكل المطروح عادة من التيارات السلفية والأصولية، لا لشيء إلا لأنه يستخدم مقولات الله عز وجل ورسوله ﷺ بشكل انتقائي نفعي.  
وتنقسم الدراسة إلى خمسة فصول جاءت على النحو التالي
الفصل الأول: التأويل بين الموضوعية والذاتية في الفكرين الغربي والإسلامي ( الابستمولوجي والأيديولوجي) .
استعرضتُ هنا التأويل بين التأسيس المنهجي وتحري الموضوعية في الفكر الغربي، وتطوره المنهجي الذي جاء من خلال تطبيقه. والتأويل في الفكر الإسلامي الذي جاء في صيغة الفرق الإسلامية، واتسامه بالتلون في العديد من الأحيان، وافتقاده إلى الطبيعة المنهجية( التي لم تكن معروفة في هذا العصر).
الفصل الثاني: نقد العقل الإسلامي بين نصر حامد  أبوزيد  ومحمد أركون "التوظيف الأيديولوجي للدين".
في الفصل الثاني أوضحت من خلال الرؤية الأركونية ورؤية  أبوزيد ؛ كيف أن الدين في التاريخ الإسلامي والواقع الاسلامي الراهن، لم يعدُ كونه أداة استهلاكية في أيدي رجال السلطة السياسية، الذين جعلوا النص حاكما على العقول والنفوس، وهو في ذاته عاجز عن القيام بهذا الدور.
الفصل الثالث: المحاولات الابستمولوجية وأصول العنف الديني.
واستعرضتُ في هذا الفصل إشكالية العنف الديني وأسبابها الواقعية، ودور النص القرآني المحوري في الواقع العربي الإسلامي، ومن ثم حاجة الواقع إلى علاقة جديدة مع النص، وعرض بعض المحاولات الابستمولوجية لقراءة النص.
الفصل الرابع: استراتيجية محمد أركون التأويلية ( الأنسنة).
وجاء الفصل الرابع مستعرضا من خلاله فهمي لاستراتيجية أركون التأويلية، والاشتباك الطبيعي معها بالإعجاب أحيانا والرفض أحيانا أخرى.
الفصل الخامس: استراتيجية نصر  أبوزيد  التأويلية ( القرآن ما بين النص والخطاب).
وفيه يتم عرض قراءتي لمشروع  أبوزيد  ومدى اتساقه الداخلي، والتفاعل مع ما تم تقديمه، بالرفض أحيانا وبالقبول أحيانا أخرى تبعا لأدوات فهمي ومنطقة انطلاقي.
الخاتمة.
وتأتي الخاتمة حاملة مستخلصا لسؤال الدراسة، وأهم نتائجها.

شارك