صراعات السياسة في ليبيا وتخوفات من العودة إلى الفوضى

الإثنين 11/أبريل/2022 - 04:13 م
طباعة صراعات السياسة في حسام الحداد
 
الصراع على السلطة والسيطرة على مقدرات الشعب الليبي طبيعة الحالة الليبية الأن، بين حكومة مدعومة من البرلمان الليبي، وحومة منتهية ولايتها، هكذا ينظر الليبيون لوضاعهم الأن في ظل حلة الغلاء وصعوبة المعيشة وتعدد الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
وفي محاولة للسيطرة على الأوضاع وانهاء الأزمة أكدت الحكومة الليبية الجديدة، المكلفة من مجلس النواب، على ضرورة التحلي بضبط النفس وعدم الانجرار وراء التصعيد السياسي والعسكري المتعمد من قبل الحكومة منتهية الولاية. 
واتهمت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بالسعي، بشكل مشين، إلى تعميق الانقسام من خلال سياساتها الاستفزازية التي تهدف إلى إيقاف إنتاج النفط وقطع الطرق والمواصلات البرية والجوية بين الشرق والغرب والجنوب، والتحريض على العنف والصدام بين أبناء الشعب الواحد، وفق بيان رسمي صادر عن مكتب إعلام الحكومة الليبية. وجاء بيان الحكومة بعد يوم من قرار أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» من الجانب الشرقي تعليق أعمالهم في اللجنة التي تضم أيضاً 5 أعضاء مناظرين لهم في غرب البلاد.
وأكدت حرصها على تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار وسعيها الدؤوب لتوحيد المؤسسات المنقسمة، وخصوصاً المؤسسة العسكرية، من خلال دعم اللجنة العسكرية المشتركة 5+5.
ولفتت الحكومة الليبية إلى ما تمر به البلاد من فوضى أمنية وسياسية جراء تعنت الحكومة منتهية الولاية التي تغتصب السلطة بالمخالفة للشرعية الدستورية وبلا أي مشروعية قانونية، لافتة إلى إهدار متعمد للمال العام وتسخيره لمصالح شخصية وسياسية ضيقة واستغلال إيرادات النفط على غير الأوجه الصحيحة في شكل فاضح من أشكال الفساد، بما يهدد المركز المالي للدولة وينال من حقوق الشعب الليبي تجاه مقدراته وثرواته التي صارت مرتهنة بإرادة عُصبة خارجة عن القانون.
تخوفات من الفوضى
هذا الانقسام السياسي وضع الليبيون في موضع الترقب الحذر والخوف من تطوّرات الأوضاع بعد عودة البلاد مجدداً لمربع الانقسام السياسي، بتسلم حكومة الاستقرار المنبثقة من مجلس النواب، مقاليد الحكم في إقليمي برقة وفزان، مقابل استمرار حكومة الوحدة الوطنية في إدارة إقليم طرابلس. 
وحول هذا الانقسام السياسي أوضح محجللون، أنّ حكومة الدبيبة التي قطعت جسور التواصل مع الشرق، فاقمت الوضع المتردي برفضها صرف رواتب عناصر الجيش في المنطقتين الشرقية والجنوبية منذ يناير الماضي، واكتفت بصرف رواتب قواتها في المنطقة الغربية بما فيها عناصر الميليشيات، الأمر الذي أثار حفيظة عدة أطراف ومنها مجلس النواب واللجنة العسكرية المشتركة، باحتساب أنّ الأموال التي تتصرف فيها الحكومة من إيرادات النفط الذي يحرسه الجيش ويؤمّن حقوله وموانئه ومؤسساته.
طبيعة الصراع
ويُرجع سياسيون ليبيون تراجع الاهتمام بالقضايا ذات الطابع الأمني والتركيز بدرجة أكبر على الخلافات والصراعات السياسية، لاستبعاد قيام أي من الأطراف، وخاصة المسلحة منها، القيام بأي خطوة تؤدي لإشعال فتيل الحرب مجدداً، حتى المساس باتفاق وقف إطلاق النار، نظراً لإدراك كل طرف منهم أن خصمه يحظى مثله بمساندة عسكرية من قوى إقليمية ودولية.
ويرى عضو مجلس النواب الليبي حسن البرغوثي أن «التوازن القائم في القوة العسكرية بين الفرقاء الليبيين مرجعه ما يحصل عليه كل طرف من دعم تسليحي خارجي».
ورأى البرغوثي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لم يعد ممكناً توجيه الاتهامات لدولة بعينها تحسب على هذا الطرف أو ذاك، فيتم فتح باب الخلافات من جديد بين الأطراف المختلفة»، ولفت إلى أن «الحديث عن هذا الملف بات أمراً شائكاً وبالغ الحساسية».
ونوّه البرغوثي إلى خطورة قضية التسليح على أمن ليبيا، في ظل احتمالية سقوط جانب كبير من الأسلحة المهربة إلى داخل البلاد في قبضة عصابات الجريمة المنظمة والجماعات المتطرفة التي تنشط عادة في الجنوب. واعتبر البرغوثي أن هناك قدراً من التجني في الحديث عن انخراط النخبة السياسية في العملية الانتخابية طيلة العام الماضي، وقال إن «الانشغال بتلبية رغبة أكثر من 2.8 مليون مواطن ليبي، قيدوا أسماءهم في سجلات الناخبين يعد منطقياً ومقبولاً»، كما أن «الجميع تعامل مع انتخاب رئيس للبلاد بأنه مدخل لحل كثير من القضايا الأمنية والاقتصادية والسياسية».
ونوّه إلى أن «شخصيات وطنية ليبية سبق أن حذرت من انتشار السلاح بكثافة وتأثير ذلك على أمن البلاد وأهله، ولكن للأسف تم التشويش عليها».
ويراهن البرغوثي على قدرة حكومة «الاستقرار»، برئاسة فتحي باشاغا، على إعادة الاهتمام بقضية السلاح، معتمداً على «ما تتمتع به من دعم محلي واسع وما ستتحصل عليه من دعم دولي بعد تسلمها لمهامها بالعاصمة»، بحسب قوله.
بينما ذهب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي طلال الميهوب، إلى أن «عرقلة تسلم حكومة باشاغا السلطة، ربما محاولة لتشتيت انتباه النخبة السياسية والأمنية لتدفق السلاح و(المرتزقة) لبعض الميليشيات بالمنطقة الغربية». واعتبر الميهوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «إهمال مثل هذه القضايا أخطر من الصراع الذي تشهده البلاد».
أما المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش، فاستبعد ما يطرحه البعض من أن الانصراف عن متابعة خرق الحظر الأممي على توريد السلاح للبلاد، ربما جاء نتيجة التعويل على دور اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في الاضطلاع بمتابعة أغلب القضايا الأمنية والعسكرية.
وقال البكوش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في ظل إدراك القوى المقاتلة بأنه لن يوجد طرف قادر على هزيمة الآخر عسكرياً، توقع الجميع حدوث تناقص في كميات السلاح المهرب، وهو توقع وطرح منطقي، ومن ثم تراجعت القضية برمتها بالذهنية الجماعية في ترتيب سلسلة الأزمات التي تواجه البلاد».
وأكمل: «الكل أدرك أن عدم الاستقرار السياسي هو منبع جميع التهديدات والمشكلات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في ليبيا، وليس العكس، في ظل عدم وجود سلطة موحدة وجيش موحد، لذا بعد هدوء الجبهات بفترة كان هناك شبه اتفاق ضمني على أن الحل السياسي يجب أن يسبق أي شيء آخر».
ويرى البكوش، الذي يؤيد الذهاب لإجراء الانتخابات في أقرب مدى زمني: «أنه دون الإسراع في العمل على إيجاد دستور وتغيير الأجسام المتآكلة، لن يحدث أي تقدم يذكر على أي صعيد، بما في ذلك الوضع الأمني».
تأزم الوضع الأمني
واستمراراً لتأزم الوضع الأمني، اختطف مسلحون مجهولون عنصرين يتبعان اللواء 444 قِتال التابع لحكومة الدبيبة قبل أذان صلاة المغرب مساء أول من أمس بينما كانا يوزعان الإفطار، فيما نفى معمر الضاوي آمر الكتيبة 55 مشاة تورطها في الهجوم، الذي قال إنه بعيد عن مناطق انتشار قواتها، وزعم أن الاعتداء والخطف قامت به عناصر خارجة عن القانون.
ومع ذلك أعلنت قيادة اللواء 444 مساء أول من أمس تحرير 195 شخصاً بينهم 23 امرأة وطفلان، اختطفتهم عصابة في مدينة بني وليد لطلب فدية مالية.
وفي تعهد جديد أمس، أكدت حكومة باشاغا قرب تسلم مهامها من العاصمة طرابلس سلمياً لإنهاء ما وصفته بـ«مظاهر الفوضى الأمنية والفساد الذي» رسخته الطغمة الخارجة عن القانون.
وبعدما أكدت في بيان أمس حرصها على لجنة 5+5 ودعت لضبط النفس وعدم الانجرار للتصعيد العسكري والسياسي المتعمد من غريمتها حكومة الوحدة المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي وصفتها بالمغتصبة للسلطة، حملتها كافة الآثار عن التدخل في شؤون المؤسسات الاقتصادية السيادية.
واتهمت حكومة باشاغا أيضاً حكومة الدبيبة بهدر إيرادات النفط على غير الأوجه الصحيحة، مشيرة إلى أن الأخيرة ضاق بها الأفق وتسعى بشكل مشين لاستفزاز يؤدي لقفل النفط وقطع الطرق والعنف.
واعتبرت أن «مقدرات وثروات الليبيين صارت في يد عُصبة خارجة عن القانون استولت على السلطة وتسخرها لمصالح شخصية».
وأكدت حكومة باشاغا ضرورة تجنيب المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار، دائرة الاستقطاب السياسي والالتزام بدعمهم، وحملت حكومة الدبيبة المسؤولية القانونية عن التدخل في شؤون هذه المؤسسات.
بدوره، وصف اللواء أحمد المسماري الناطق باسم حفتر في بيان مقتضب وزعه في ساعة مبكرة من صباح أمس الأنباء المتداولة بخصوص إصداره وحكومة باشاغا قراراً بخصوص النفط، بأنها «أخبار مزورة لا أساس لها من الصحة».

شارك