كيف كان رد فعل تنظيم داعش على مقتل زعيم تنظيم القاعدة؟

الخميس 11/أغسطس/2022 - 03:05 م
طباعة كيف كان رد فعل تنظيم حسام الحداد
 
 قدمت وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف تقريرا مهما حول رد فعل تنظيم داعش على مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وناقش التقرير عدد من المسائل المهمة من بينها فك الارتباط بين التنظيمين الأكبر في عالم الإرهاب وحسب التقرير تفاجأ العالم الاثنين الموافق ١ أغسطس ٢٠٢٢م بخبر مقتل زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي "أيمن الظواهري"؛ حيث أعلنت "وكالة أسوشيتد برس" الأمريكية مقتل "الظواهري" بطائرة بدون طيار استهدفت المنزل الذي كان يقيم به في العاصمة الأفغانية "كابل"، كما أعلن الرئيس الأمريكي "بايدن" أنه كان على علم بهذه العملية، وتعهد بأنهم سيستمرون في استهداف المزيد من قادة التنظيمات الإرهابية.          
 ومنذ هذا الإعلان ظهرت ردود أفعال دولية تجاه هذا الحادث، تناولتها وسائل الإعلام المختلفة بالرصد والتحليل. ليس هذا فقط بل كانت هناك ردود فعل لبعض المنتسبين للتنظيمات الإرهابية، ومن بينهم المنتسبون لتنظيم داعش، وهو ما سنتناوله باختصار في هذا المقال على النحو الآتي:
 أولًا: الرد الرسمي لتنظيم داعش لم تتطرق الصحيفة الإعلامية لداعش الإرهابي في عددها الصادر في أغسطس ٢٠٢٢م إلى خبر مقتل "الظواهري"، وهو الأمر الذي اختلف مع آراء بعض الباحثين والخبراء والذين توقعوا أن داعش الإرهابي سيكون له بيان أو تعليق على مقتل "أيمن الظواهري". ثانيًا: رد فعل المنتسبين والمناصرين لتنظيم داعش لكن الصفحات الداعشية على موقع التواصل الاجتماعي "تليجرام" احتفت بمقتل "أيمن الظواهري" بشيء من الفرح والتشفي، في مشهد يعبر عن أن هذا هو المناخ العام أو الانطباع العام داخل التنظيم. ويؤكد أيضًا على أن الخلاف السياسي بين تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين قد وصل إلى مرحلة لا يمكن للقارئ العادي غير المتابع لأخبار هذه التنظيمات أن يصدق أن التنظيمين كانا تنظيمًا واحدًا لمدة تزيد عن عشر سنوات. وعقب الإعلان عن مقتل "الظواهري" نشرت منصة داعشية منشورًا قصيرًا احتفت فيه بمقتل الظواهري: "فطس سفيه الأمة.. والأرواح الطاهرة التي ذهبت بسببه بانتظاره بين يدي الله عز وجل. فاللهم خذ بحقهم فأنت العادل يا قوي يا عزيز".   
 كما نشرت منصة داعشية أخرى على موقع التواصل الاجتماعي "تليجرام" خبرًا قصيرًا قارنت فيه بين مقتل قائديها: "أبو بكر البغدادي" و"عبد الله قرداش" من جهة ومقتل "الظواهري" من جهة أخرى، وختمت الخبر بعبارة: "فمن باع الظواهري إلى هذه الدرجة؟!"   وتحت عنوان: "من التاريخ العفن للهالك الظواهري"، نشرت المنصة نفسها خبرًا قصيرًا ذكرت فيه ما مختصره: 
"سبى مرتدو (القاعدة).. 
يوم كانوا مبايعين للهالك لعنه الله، نساء وأخوات المجاهدين بعد أن غدروا بهم وألقوهم في الآبار، واعتدوا على شرفهم بشهادة عناصر (القاعدة).. أنفسهم وبمباركة وتحريض الهالك ضيَّق الله عليه قبره وخالف أضلعه وجعله حفرة من حُفر النار..". وتحت عنوان: "الهالك اللعين يقر بنفسه أنه لا قاعدة في العراق ولا بيعة ولا شيء بل الدولة الإسلامية وتم مباركتها وقامت على شرعة ربها.." نشرت المنصة ذاتها على موقع التواصل الاجتماعي "تليجرام" مقطعًا لفيديو قديم، تم تصويره في عام 2007م لأيمن الظواهري وهو يثني فيه على داعش الإرهابي ويصفها بالإمارة الشرعية المؤسسة على الشورى والمنهج الشرعي. والمتأمل في تجاهل الصحيفة الإعلامية لمقتل الظواهري وفي هذه المنشورات التي نشرتها أبواق تنظيم داعش الإرهابي يدرك مدى الفجوة والاختلاف بين التنظيمين الإرهابيين رغم أنهما كانا تنظيمًا واحدًا حتى عام 2013م. وكان قادة التنظيمين في تسجيلاتهم وظهورهم الإعلامي يثنون على بعضهم بعضًا، ويصفون بعضهم بعضًا بكلمات مثل "الشيخ، المجاهد، حفظه الله....". لكن في عام ٢٠١٣م ومع إعلان "داعش" الانفصال عن القاعدة نشبت الخلافات أو بمعنى أدق طفت على السطح، وظهرت للجميع.   ولقد انعكست هذه الخلافات على الأنشطة الميدانية والإعلامية للتنظيمين. حيث أدت إلى حرب إعلامية شرسة؛ ففي تسجيل صوتي عام 2015م، رفض "أيمن الظواهري" الاعتراف بداعش، ودعا أفرادها إلى عدم النكس بالبيعة على حد تعبيره، ووصفها بأنها إمارة استيلاء بلا شورى. وهو ما يتعارض مع خطابه في الـ "فيديو" سالف الذكر والذي نُشر في عام ٢٠٠٧م. ورد عليه تنظيم داعش الإرهابي حينها بتسجيل آخر لمتحدثه "أبو محمد العدناني" الذي قُتل في عام 2016م، ووصف القاعدة بأنها لم تعد قاعدة الجهاد، مستدلًا على ذلك بأنها تنال المدح من الأعداء والأراذل على حد تعبيره.
 ولم يقف الأمر عند هذه الحرب الإعلامية فقط، إنما كانت هناك حرب ميدانية طاحنة بين داعش الإرهابي وفصيل "جبهة النصرة" ــ حين كان جناح القاعدة في سورياـــ التي ظل زعيمها "الجولاني" على بيعة "الظواهري" حتى عام 2016م. وأضحى أصدقاء الأمس أعداء اليوم، وتحولت خلافات البيت الواحد ـــ على حد وصف الجولاني ــــ إلى خلافات باستخدام القنابل والرشاشات ونصب الكمائن. وطالت المعارك مدن سورية مختلفة، بل إن "الجولاني" وقتها هدد بنقل المعركة مع داعش إلى العراق وضربهم في عقر دارهم. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا السرد هو: كيف يمكن أن تصل الاختلافات بين تنظيمين ينتهجان نفس المنهج الفكري مع فروق بسيطة إلى هذا الحد؟ والإجابة هي: أن الخلاف بين التنظيمين خلاف سياسي حول الزعامة وتصدر المشهد وليس خلافًا دينيًّا. فانشقاق تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة هو السبب وراء هذه الحروب الإعلامية والميدانية بين التنظيمين. ولو ظل "داعش" الإرهابي على تبعيته للقاعدة ما وصف "الظواهري" إمارتهم المزعومة بأنها إمارة استيلاء بلا شورى. ويؤكد ذلك أن منظري تنظيم القاعدة وعلى رأسهم الظواهري نفسه لم يظهروا عوار داعش وانحرافه الفكري والديني إلا بعد إعلان داعش الانشقاق، إضافة أنهم لم يظهروا ذلك في أيام "البغدادي" فقط بل أظهروه منذ بداية التنظيم ونشأته على يد "أبو مصعب الزرقاوي".
 فلماذا صبرت القاعدة ولماذا صبر "الظواهري" كل هذه السنين على داعش ولم يظهروا انحرافه إلا بعد الانشقاق؟ الإجابة: الهدف سياسيٌّ أيضًا؛ حيث حالة الضعف التي أصابت القاعدة الإرهابي بعد أحداث 11 سبتمبر، وتحديدًا بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان، حيث ضعفت القاعدة ولم تعد قادرة على القيام بعمليات إرهابية. في ذلك الوقت جاء "أبو مصعب الزرقاوي" إلى العراق، ولم يكن حينها شخصية معروفة، وكان في حاجة إلى مظلة "القاعدة" التي يستطيع من خلال تبعيته لها واعترافها بهذه التبعية - استقطاب وتجنيد مقاتلين من العراق وخارجه، وهنا التقت مصلحة القاعدة السياسية مع مصلحة الزرقاوي السياسية أيضًا، وتم التغاضي عن المبادئ الدينية والفكرية والأيديولوجية، وقبلت القاعدة بيعة الزرقاوي المزعومة. ولو ظل "أبو بكر البغدادي" على تبعيته للقاعدة كانت القاعدة ستتستر على انحرافهم الفكري والأيديولوجي.
 وهذا ما يجب أن يدركه شبابنا جيدًا، ينبغي عليهم ألا ينخدعوا بالخطاب الإعلامي والإفتائي لهذين التنظيمين الإرهابيين، وأن يثقوا بأن الانتشار الذي يرونه على مواقع التواصل الاجتماعي لا يُطبق على أرض الواقع عند كليهما، وأن يدركوا أن  القاعدة وداعش الإرهابيين رغم تباعد ما بينهما فإنهما وجهان لعملة واحدة، وما بينهما من متشابهات أكثر مما بينهما من اختلافات؛ فكلاهما يقدم السياسي على الديني، ويقدم السياسي المتعلق بالزعامة والسيادة على كل شيء، فالقاعدة تسترت على المخالفات المنهجية والدينية لداعش الإرهابي 10 سنوات ولم تصبر على الخلاف السياسي معها يومًا واحدًا بعد إعلان "داعش" الإرهابي الانشقاق، وداعش هو الآخر ظل يدعو للظواهري ومن قبله "بن لادن" في خطابه الإعلامي حتى رفض الظواهري الاعتراف بهم، حينها وصفوه بالمرتد والمدلس... وكلا التنظيمين اعتمدا على النصوص الدينية لإظهار ردة الآخر وتدليسه.

شارك