تراجع امريكي في مجال مكافحة الارهاب

الثلاثاء 20/سبتمبر/2022 - 12:30 م
طباعة تراجع امريكي في مجال روبير الفارس
 
يكشف  الموقف الأمريكي الجديد إزاء مكافحة الإرهاب ضمنياً أنه على الرغم من النجاحات التكتيكية الذي حققها في إحباط الهجمات وإلقاء القبض على الإرهابيين أو قتلهم، إلا أن المساعي الأمريكية على مدى العقدين الماضيين لم تحقق النتائج المرجوة، من منظور استراتيجي.
 فبحلول عام 2020، ازدادعدد الأشخاص الذين تحوّلوا إلى التطرف العنيف بصورة كبيرة بالمقارنة مع عام 2001، مما يطرح تهديداً إرهابياً أكثر تنوعاً وانتشاراً على الصعيد العالمي.وقد حملت سنوات من تكريس الموارد الضخمة لمكافحة الإرهاب التكتيكية مفاضلة متأصلة، وهي: التركيز على دعم المهام الحركية بدلاً من الجهود المبذولة لمنع التطرف العنيف من الترسخ في المقام الأول. 
وفي ظل هذا الموقف الجديد إزاء مكافحة الإرهاب، ستستمر الاستثمارات في تمويل الجهود التكيتيكية وفقاً للضرورة، لكنها ستمنح الأولوية لبرامج القوة الناعمة، بما فيها التوقعات الاستخباراتية والدبلوماسية المتعددة الأطراف، وبناء القدرات المدنية، ومنع نشوب النزاعات وضمان الاستقرار، ومكافحة الفساد.
وسيكون الكثير من التخطيط الحالي تطلعياً، ويهدف إلى منع تحوّل الأفراد إلى متطرفين عنيفين أو معالجة المشاكل بشكل استباقي لمنع حدوث جولة أخرى من حشد المقاتلين الأجانب. لكن من الضروري بذل بعض الجهود على الفور، لمواجهة التهديدات على غرار الظروف المزرية في معسكرات الاعتقال في سوريا مثل مخيم الهول، والتي قد يشكل عدم التدخل فيها أرضاً خصبة لظهور الجيل التالي من الإرهابيين .

ويقول الباحث ماثيو ليفيت مدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن في تقرير نشره المعهد . ان  الرئيس باراك أوباما سعى خلال فترة ولايته إلى تسليط الضوء على عدد من القضايا تتعلق بسياسة الأمن الخارجي والوطني نظراً إلى أهميتها بحد ذاتها، وليس فقط كنتائج لسياسة مكافحة الإرهاب. لكن الأحداث التي جرت في الداخل والخارج، بدءاً بتفجير "ماراثون بوسطن" ووصولاً إلى الحرب الأهلية في سوريا وصعود «داعش»، أحبطت مساعيه. 
وخلال عهد إدارة ترامب، بدأت مواجهة التحديات التي تطرحها القوتان العُظمتان المنافستان، أي الصين وروسيا، فضلاً عن التهديدات الإقليمية من دول مثل كوريا الشمالية وإيران، تتصدر قائمة الأولويات بالنسبة لوزارة الدفاع الأمريكية على وجه الخصوص. ففي فبراير 2017، أعد "رئيس هيئة الأركان المشتركة "الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد إطار عمل "4+1" لمنح الأولوية للتهديدات الدولية والقدرات العسكرية الضرورية للتصدي لها، وشكلت فيه مكافحة الإرهاب "الزائد واحد" بعد المنافسة الاستراتيجية بين الدول.
 وكما أوضحت "استراتيجية الدفاع الوطني" لعام 2018، "فإن المنافسة الاستراتيجية بين الدول وليس الإرهاب، هي الشغل الشاغل حالياً للأمن القومي الأمريكي". ولكن فكرة إعادة ضبط عمليات الانتشار الدولية لمكافحة الإرهاب التي تقوم بها الولايات المتحدة منذ عشرين عاماً لم تنفذ فعلياً إلا في عهد بايدن.وقد واجه المسؤولون صعوبة في المواءمة بين مكافحة الإرهاب ومنافسة القوى العظمى.
 فخلال السنوات التي أعقبت إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن تغيير محور تركيزها، واكد التقرير ان الارتباك ساد  بشأن كيفية بلورة هذه الخطوة من حيث تخصيص الموارد أو تحديد أولويات المهمة.
 وبدا واضحاً أنه حتى عند إعادة توجيه الموارد نحو التنافس مع الصين وروسيا، كان على بيروقراطية أجهزة الأمن القومي الأمريكي البقاء على أهبة الاستعداد لمواجهة مجموعة من التهديدات الإرهابية.
 وأدت استراتيجيات الأمن القومي الثلاث غير المتوافقة إلى حد كبير التي أعدتها إدارة ترامب إلى تفاقم المشكلة. وفي غضون أسابيع بعد تولي إدارة بايدن السلطة، أصدرت الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي الذي أشار إلى ضرورة "مواجهة التحديات، ليس فقط تلك التي يطرحها الخصوم الإقليميون والقوى العظمى، بل أيضاً الجهات الفاعلة من غير الدول والمتطرفون العنيفون والمجرمون"، إلى جانب مخاطر التغير المناخي والأمراض المعدية وغيرها. ولكن دليل بايدن المؤقت، على غرار استراتيجيات سلفه، لم يضع توجيهات بشأن كيفية تخصيص الموارد المحدودة المتوافرة لمواجهة هذه التهديدات.
ويرى البعض أن الولايات المتحدة أمام خيارين، إما الانخراط في منافسة القوى العظمى أو خوض "الحروب الطرفية" في دول مثل سوريا أو اليمن، وهما حربان يفترض أنهما من بقايا الحرب القديمة ضد الإرهاب، إنما لا يمكنها فعل الأمرين معاً. لكن الحقيقة هي أنه مع القليل من التخطيط الاستراتيجي، يمكن للمجهودين أن يعزز كل منهما الآخر، ولا يستبعد أحدهما الآخر.
 وسرعان ما أدرك المسؤولون في إدارة بادين أنه سواء انخرطت الولايات المتحدة في منافسة القوى العظمى أو مكافحة الإرهاب، فقد يتعيّن على واشنطن إعادة إحياء التحالفات الدولية والمشاركة المتعددة الأطراف. 
وسيتعين على المسؤولين الأمريكيين تخطي مسألة عدم استعدادهم التقليدي للتعاون مع أبرز شركائهم الأجانب في عملية صنع القرار، في الوقت الذي سيضطر فيه هؤلاء الشركاء إلى التغلب على عدم ارتياحهم التقليدي بشأن تقاسم الأعباء.
  ونبعت هذه الضرورة من طبيعة الموقف الأمريكي الجديد إزاء مكافحة الإرهاب، والذي أطاح بالمساعي التي استمرت لعقدين من الزمن بقيادة أمريكية وتمكين من الشركاء في جهود مكافحة الإرهاب. أما الآن، وحيثما كان ذلك ممكناً، فستكون العمليات بقيادة الشركاء وتنفيذ أمريكي. 
وحيث يمكن للقدرات الأمريكية الفريدة مساعدة الحلفاء على التصدي للتهديدات القريبة منهم، فستكون الولايات المتحدة على استعداد للمساعدة من خلال توفير الدعم الاستخباراتي واللوجستي، والإمدادت الجوية، والتزود بالوقود في الجو، وغير ذلك.
 لكن الولايات المتحدة لن تأخذ زمام المبادرة في مهام لمكافحة الإرهاب حول العالم إلا في الحالات التي تهدد فيها الجماعات الإرهابية أرضها أو مصالحها في الخارج. وبحكم التعريف، ينطوي ذلك على اعتماد أكبر على تعزيز العمل مع الشركاء الخارجيين أكثر من ذي قبل. 
و شرعت إدارة بايدن في إجراء هذه التغييرات الجذرية في موقفها المناهض للإرهاب، تواصلت مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والمنظمات الدولية مثل "حلف الناتو" لإعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بتعددية الأطراف والتخطيط لكيفية التعامل بشكل مشترك مع تداعيات تراجع حضورها على الساحة الدولية لمكافحة الإرهاب.


شارك