هل تنجح قطر في فك عقدة رفات الرهائن الأمريكيين بعد عقد من جرائم "داعش"؟

السبت 10/مايو/2025 - 09:55 ص
طباعة هل تنجح قطر في فك أميرة الشريف
 
على مدى سنوات، بقيت قضية الرهائن الغربيين الذين أعدمهم تنظيم "داعش" خلال ذروة سيطرته على أجزاء من سوريا والعراق، واحدة من أكثر الملفات الإنسانية والسياسية حساسية وتعقيداً.
 ومع اندحار التنظيم عسكرياً بحلول عام 2019، طويت صفحات كثيرة من ممارساته الوحشية، لكن مصير العديد من ضحاياه ظل مجهولاً، ولا سيما أولئك الذين فُقدت جثامينهم وسط فوضى الحرب والدمار.
من بين هؤلاء، عدد من الرهائن الأمريكيين الذين كانوا ضمن الصحفيين وعمال الإغاثة الذين تم توثيق إعدامهم بدم بارد في مقاطع مصورة هزّت الرأي العام العالمي.
 ورغم الجهود الأمريكية والدولية التي بُذلت لاحقاً لمعرفة أماكن دفنهم أو استرجاع رفاتهم، إلا أن ظروف الحرب وانهيار البنية الأمنية في مناطق نفوذ "داعش" حالت دون تحقيق تقدم يُذكر لسنوات.
وفي تطور جديد يعيد فتح ملف منسيّ من فصول الحرب السورية، بدأت بعثة قطرية متخصصة في البحث والإنقاذ، وبمشاركة عناصر أمريكية، عملية معقدة شمال سوريا للعثور على رفات الرهائن.
 وتشكل هذه الخطوة اختراقاً نادراً في قضية طالما غابت عن الأضواء، رغم رمزيتها الإنسانية والسياسية، خصوصاً بعد تضاؤل حضور التنظيم ميدانياً وتغير خارطة الأولويات الدولية في المنطقة.
بحسب وكالة "رويترز"، فإن الفريق القطري بدأ عمليات البحث الفعلية الأربعاء الماضي، بمشاركة عناصر أمريكية، في خطوة تعكس تعاوناً أمنياً وإنسانياً دقيقاً بين الدوحة وواشنطن في واحدة من أكثر الملفات حساسية، حيث ما تزال فلول "داعش" نشطة إلى جانب مجموعات مسلحة أخرى، ما يجعل من مهمة الفريق القطري مغامرة محفوفة بالمخاطر.
 ومع ذلك، يعكس دخول قطر على خط هذه القضية الحساسة، شراكة أمنية وإنسانية متقدمة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تعزيز دورها كفاعل إقليمي في ملفات ما بعد الصراع.
تأتي هذه المبادرة القطرية في ظل ظروف أمنية لا تزال معقدة في شمال سوريا، إذ تنتشر هناك فلول تنظيم "داعش" إلى جانب مجموعات مسلحة أخرى، ما يجعل عمليات التحرك على الأرض محفوفة بالمخاطر.
 ورغم ذلك، قررت الدوحة إرسال فريقها المتخصص إلى المنطقة، مستندة إلى خبرة طويلة في عمليات البحث والإنقاذ، سبق أن برزت من خلال مشاركتها الفعالة في الاستجابة لزلازل المغرب وتركيا خلال الأعوام الماضية.
وأكد أحد المصدرين، وهو مسؤول أمني سوري، أن الفريق عثر حتى الآن على رفات ثلاثة أشخاص يُشتبه بأنهم من بين الرهائن الأجانب الذين قُتلوا على يد "داعش"، مشيراً إلى أن عمليات تحديد الهوية لم تكتمل بعد.
 وأضاف أن المنطقة التي تجري فيها عمليات البحث شهدت سابقاً إعدامات ميدانية وتصفيات موثقة نفذها التنظيم الإرهابي، الذي اشتهر بتسجيلاته المصورة لأعمال القتل التي طالت صحفيين وعمال إغاثة غربيين.
ورغم أن الهويات لم تُحدد بعد رسمياً، إلا أن مجرد العثور على الرفات يُعد اختراقاً مهماً في ملف ظل طي الإهمال الدولي لسنوات، خصوصاً في ظل تراجع اهتمام القوى الكبرى بما خلفه التنظيم من فظائع بعد هزيمته العسكرية.
أما المصدر الثاني، وهو مطلع على تفاصيل التنسيق القطري الأمريكي، فأشار إلى أن مدة المهمة لم تُحدد بعد، وأن العملية قد تستمر لأسابيع أو حتى أشهر، بحسب الظروف الأمنية والتقنية. 
ورفض كلا المصدرين الإدلاء بمعلومات دقيقة حول الموقع الجغرافي الدقيق للبحث، حفاظاً على سلامة الفريق العامل هناك.
وكان تنظيم "داعش" قد تبنى مسؤولية قتل عدد من الرهائن الغربيين، أبرزهم الصحفيان الأمريكيان جيمس فولي وستيفن سوتلوف، وعاملا الإغاثة كايلا مولر وبيتر كاسيغ، وذلك في مقاطع فيديو مروعة نشرت بين عامي 2014 و2015.
وأثارت تلك التسجيلات موجة غضب عارمة حول العالم، وأسهمت في تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة التنظيم.
ورغم أن بعض الضربات الجوية لاحقاً أدت إلى مقتل العديد من قيادات التنظيم، ومنهم الجهادي البريطاني محمد الموازي المعروف بـ"الجهادي جون"، الذي ظهر في فيديوهات الذبح، فإن جهود استعادة رفات الضحايا ظلت تراوح مكانها بسبب تعقيدات أمنية وسياسية.
وتمثل المهمة الحالية بُعداً إنسانياً عميقاً، لكنها لا تخلو من دلالات سياسية. فقد أتت بالتزامن مع تحضيرات لزيارة محتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى المنطقة، ما قد يعكس اهتماماً أميركياً متجدداً بملف المفقودين وضحايا الإرهاب في الشرق الأوسط.
وتتزامن المهمة أيضاً مع محاولات دبلوماسية من جانب النظام السوري، الذي يحتفظ بعلاقات دافئة مع الدوحة، لتليين المواقف الأميركية تجاهه والتخفيف من العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل دمشق لسنوات.
ليست هذه المهمة القطرية الأولى من نوعها في مناطق النزاع، إذ لعبت الدوحة في السنوات الماضية أدواراً بارزة في عمليات تفاوض سرية لتحرير رهائن في أفغانستان وسوريا واليمن، كما كانت وسيطاً رئيسياً في إتمام صفقات تبادل أسرى بين أطراف متصارعة، لكن التحول اللافت اليوم هو انتقال قطر من دور الوسيط السياسي إلى الميدان الإنساني المباشر، بما يعزز موقعها كلاعب دولي يحظى بثقة العديد من العواصم الغربية، وفي مقدمتها واشنطن.
وتُعدّ عمليات استعادة الرفات واحدة من أعقد المهام الإنسانية، إذ تتطلب خبرات فنية متخصصة في الطب الشرعي وتحليل الحمض النووي، إضافة إلى معرفة دقيقة بالتضاريس المحلية وسجلات الحوادث الميدانية التي وقعت خلال حقبة "داعش".
من المتوقع أن تُنقل الرفات إلى مختبرات متخصصة في المنطقة أو إلى خارج سوريا بالتنسيق مع السلطات الأميركية، لإجراء فحوص دقيقة ومطابقة مع بيانات الضحايا المحتملين.
 وفي حال التأكد من الهوية، فإن ذلك سيسمح لعائلات الضحايا بطي صفحة مريرة من حياتهم، كانت مفتوحة على الغموض والألم منذ أكثر من عقد.
رغم التحديات الأمنية والسياسية واللوجستية، فإن المبادرة القطرية تحمل طابعاً إنسانياً يستحق التقدير، وتفتح الباب أمام تعاون دولي أوسع لمعالجة الملفات العالقة في مرحلة ما بعد "داعش".
 كما تذكر المجتمع الدولي بأن جراح الحروب لا تندمل بمجرد نهاية المعارك، بل تتطلب التزاماً مستداماً بالعدالة والكرامة الإنسانية.

شارك