طرابلس تحت النار.. هروب سجناء وإرهاب يلوح في الأفق وانفلات أمني خطير

الأربعاء 14/مايو/2025 - 02:09 م
طباعة طرابلس تحت النار.. أميرة الشريف
 

تشهد العاصمة الليبية طرابلس تصعيدًا عسكريًا خطيرًا منذ مساء الإثنين، عقب مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، قائد جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي. 

خلفيات الاشتباكات

اشتباكات عنيفة اندلعت بين قوات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية وعناصر جهاز الردع، أعادت إلى الأذهان مشاهد الاقتتال الداخلي و"فوضى السلاح" التي طالت كثيرًا من المدن الليبية على مدار السنوات الماضية، وأبقت البلاد رهينة للميليشيات والجماعات المسلحة.

بحسب مصادر ميدانية وشهود عيان، بدأت الاشتباكات قرب منتصف الليل في مناطق متفرقة من طرابلس، وتركزت في محيط سوق الجمعة ومطار معيتيقة، حيث انتشرت وحدات جهاز الردع بكثافة. 

وُصفت الاشتباكات بالعنيفة، وشهدت استخدام أسلحة ثقيلة ومتوسطة، ما أدى إلى حالة من الذعر بين المدنيين القاطنين في الأحياء السكنية المجاورة.

ورغم أن أسباب الاشتباكات لم تُعلن رسميًا، تشير التحليلات الأولية إلى صراع داخلي على النفوذ بين المجموعات المسلحة المنتشرة في العاصمة، والتي تنتمي اسمياً لأجسام تابعة للدولة، لكنها تعمل في واقع الأمر كقوى شبه مستقلة تنفذ أجنداتها الخاصة.

أدت الاشتباكات إلى تعليق الرحلات الجوية في مطار معيتيقة الدولي، وتحويلها إلى مطار مصراتة، كما تم تعليق الدراسة في المدارس والجامعات في طرابلس.

وأفاد مركز طب الطوارئ والدعم بمقتل ستة أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين، مع احتمال ارتفاع عدد الضحايا في ظل استمرار الاشتباكات.

كارثة إنسانية تلوح في الأفق

أمام هذا المشهد المتدهور، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الليبي في طرابلس حالة الطوارئ القصوى، مطالبة السكان بالاحتماء في منازلهم واتباع تعليمات السلامة الصادرة عن الجهات الرسمية، فيما تم تحويل جميع الرحلات الجوية من مطار معيتيقة إلى مطار مصراتة، بعد تعرض الأول لمخاطر أمنية مباشرة.

من جهتها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،  عن "عميق قلقها" تجاه العنف المتصاعد في الأحياء المكتظة بالسكان، ودعت إلى "وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار"، محذرة من أن استمرار القتال قد يزعزع الاستقرار في العاصمة ويهدد بتمدد الصراع إلى مناطق أخرى.

هروب سجناء وإرهاب يلوح في الأفق

في تطور بالغ الخطورة، كشف جهاز الشرطة القضائية أن الاشتباكات وصلت إلى محيط سجن "اجديدة"، أحد أكبر السجون الأمنية في العاصمة، ما أدى إلى حالة فزع داخل السجن وهروب عدد كبير من النزلاء، بينهم أشخاص محكوم عليهم في قضايا إرهاب وجرائم مشددة.

 هذه الحادثة تفتح الباب أمام سيناريو كارثي يُنذر بعودة نشاط الجماعات الإرهابية والميليشيات الخارجة عن القانون، خاصة في ظل ضعف القبضة الأمنية وتضارب الولاءات داخل الأجهزة العسكرية.

صمت رسمي ومبادرات تهدئة

رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي حاول احتواء الموقف عبر لقاء مع أعيان منطقة سوق الجمعة، حيث شدد على أن "السلم الاجتماعي مسؤولية وطنية"، داعيًا إلى "إبعاد مؤسسات الدولة عن التجاذبات السياسية وتوحيد الجبهة الداخلية".

 ورغم أهمية هذه التصريحات، إلا أن غياب موقف رسمي واضح من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة حتى الآن يثير تساؤلات عن مدى السيطرة الحقيقية للدولة على الوضع في العاصمة.

صراع على النفوذ أم بداية لانفجار أوسع؟

ما يجري في طرابلس اليوم لا يمكن فصله عن السياق الأوسع الذي تمر به ليبيا، فالأزمة السياسية الممتدة منذ سنوات، وتعثر مسار الانتخابات، وتعدد مراكز القوى المسلحة، كلها عوامل تجعل من العاصمة ساحة مفتوحة لصراعات محلية ذات طابع مسلح. 

واللافت أن معظم هذه الاشتباكات تدور بين تشكيلات تنتمي على الورق إلى حكومة معترف بها دولياً، ما يُظهر هشاشة مشروع الدولة ومحدودية قدرتها على فرض سيادتها.

يُعد مقتل عبد الغني الككلي ضربة قوية لشبكة مصالح معقدة كانت تسيطر على أجزاء من طرابلس، وقد يُسهم في إعادة تشكيل موازين القوى بين الفصائل المسلحة في العاصمة.

ومع استمرار الاشتباكات، يواجه المدنيون خطرًا متزايدًا، مما يستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي للحد من التصعيد وضمان حماية السكان.

الحاجة إلى تدخل عاجل

أمام هذه التطورات، تبدو الحاجة ماسة إلى تحرك عاجل من الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للعملية السياسية في ليبيا.

 فالصمت أو الاكتفاء ببيانات الإدانة لم يعد كافياً، خاصة في ظل وجود أطراف مسلحة تتبنى أجندات لا تخدم مصلحة ليبيا ولا استقرارها.

كما أن المسؤولية تقع أيضًا على النخب الليبية السياسية والاجتماعية لتوحيد صفوفها، وتقديم تنازلات حقيقية تفتح الطريق أمام حل سياسي شامل، ينهي حالة الانقسام ويعيد للدولة مؤسساتها وأجهزتها الشرعية.

و يري مراقبون أن طرابلس، التي عانت لعقود من الصراع والانقسام، تجد نفسها اليوم من جديد في مرمى نيران جماعات مسلحة تضع مصالحها فوق أمن الشعب، وإذا لم يُتخذ تحرك حاسم وسريع لاحتواء الموقف، فقد تتحول العاصمة إلى نقطة بداية لفصل دموي جديد، يكون المدنيون فيه أول الضحايا.

شارك