قمة بغداد... هل تُشكل منصة عربية لمواجهة الإرهاب وتوحيد الصفوف في زمن الأزمات؟
الجمعة 16/مايو/2025 - 12:59 م
طباعة

في لحظة حرجة تشهدها المنطقة العربية، تتجه الأنظار نحو العاصمة العراقية بغداد، التي تحتضن القمة العربية الرابعة والثلاثين، السبت 17 مايو 2025، في ظل تحديات غير مسبوقة على المستويين الإقليمي والدولي.
ليست مجرد قمة تقليدية، بل هي محاولة جديدة لإعادة إحياء التضامن العربي من قلب العراق، البلد الذي خبر مرارة الإرهاب والفوضى لسنوات طويلة، ويحاول اليوم أن يتحول إلى منصة لإعادة رسم خارطة الأمن العربي.
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وصف القمة بأنها "رسالة لمّ الشمل"، مؤكدًا أنها تأتي في وقت استثنائي يتطلب من الدول العربية مواجهة مشتركة للمخاطر، وفي مقدمتها الإرهاب العابر للحدود، الذي بات يستغل الفوضى السياسية والفراغات الأمنية ليتجذر من جديد.
الإرهاب في قلب القمة
لا تغيب ظلال الإرهاب عن مشهد القمة، إذ يُنتظر أن يصدر عن "قمة بغداد" إعلان يتضمن تأسيس مراكز عربية متخصصة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات، إضافة إلى إنشاء غرفة تنسيق أمني عربية مشتركة، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة ما بات يعرف بـ"النسخة الجديدة من الإرهاب"، الذي يتخذ من التكنولوجيا والدين وسيلة، ومن الدول الهشة ملاذًا.
القمة، وفقا للبيانات العراقية الرسمية، ستطرح رؤية شاملة تتضمن آليات أمنية واستخبارية عربية للتعامل مع الشبكات المتطرفة، خاصة في مناطق النزاع مثل اليمن، ليبيا، سوريا، السودان، والصومال.
ويرى مراقبون أن عودة بغداد إلى الواجهة كمقر لهذا النوع من المبادرات يعكس تحولًا استراتيجيًا في نظرة الدول العربية للعراق، ليس فقط كمكان رمزي، بل كشريك قادر على إحداث فرق في المعادلة الأمنية العربية.
القضية الفلسطينية
المشهد الفلسطيني سيكون حاضراً بقوة في القمة، حيث دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى "رسالة عربية موحدة لوقف حرب الإبادة في غزة"، مشيرًا إلى أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة لا تهدد فلسطين فقط، بل توسع من دائرة الفوضى والعنف في لبنان وسوريا.
وقد عبّر أبو الغيط عن قلقه من تحول المشهد في غزة إلى وقود لتطرف جديد، يمكن أن يولد أجيالًا من الغضب والكراهية، يستغلها الإرهابيون لبث دعايتهم، خصوصًا مع غياب الأفق السياسي.
هنا، يتقاطع المشهد الفلسطيني مع ملف الإرهاب، حيث يؤدي غياب العدالة وتفاقم المآسي إلى تغذية بيئة التطرف.
التكامل الاقتصادي
يرى وزير الخارجية العراقي أن واحدة من أهم رسائل القمة هي السعي لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، ليس فقط كخطة تنموية، بل كأداة لمحاربة الإرهاب، فالبطالة، التهميش، وغياب فرص الحياة الكريمة كانت دومًا من أبرز عوامل جذب الشباب إلى التنظيمات المتطرفة.
ومن هنا، تُطرح قمة بغداد بوصفها نقطة انطلاق جديدة لمشاريع استثمارية وتكاملية في مجالات الطاقة، الزراعة، السياحة، والبنية التحتية، وفق رؤية تقول إن الاستثمار في البشر هو استثمار في الأمن.
ثلاث قمم.. ورسالة واحدة
اللافت أن بغداد تستضيف بالتوازي ثلاث قمم سياسية كبرى، القمة العربية، القمة التنموية، وقمة التعاون الثلاثي بين العراق ومصر والأردن.
وهذا الحراك يعكس طموح العراق للعب دور محوري في تشكيل تكتل عربي قادر على مواجهة التحديات الجماعية، وعلى رأسها الإرهاب والجريمة المنظمة.
ومن المتوقع أن يتضمن "إعلان بغداد" جملة من المبادرات السياسية والأمنية، تشمل دعوة إلى مراجعة آليات التعاون العربي في مجال الأمن السيبراني، في ظل تصاعد الخطر الرقمي المرتبط بالجماعات المتطرفة، والتي باتت تستخدم وسائل التواصل للتجنيد والترويج لأفكارها.
سوريا.. والعودة المشروطة
مسألة سوريا ستكون أيضًا على طاولة النقاش، وسط انقسام في المواقف العربية، ولكن مع شبه توافق على دعم الشعب السوري ومساعدته على استعادة حياته بعيدًا عن التدخلات الأجنبية. العراق يؤكد أن القمة ستصدر قرارات داعمة للشعب السوري، دون المساس بالحل السياسي التوافقي المطلوب.
ويأتي ذلك وسط جدل حول مشاركة سوريا، التي قررت إرسال وفد برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني، بدلاً من الرئيس السوري، في محاولة لتجنب صدامات سياسية داخل القمة، إلا أن القرار يُنظر إليه كإشارة على أن الملف السوري سيُدار بعقلانية سياسية، وليس بقرارات متسرعة.
التحديات بين الإمارات والسودان
كما تبحث القمة في الأزمة الدبلوماسية بين السودان والإمارات، والتي أثارت قلقًا عربيًا واسعًا، في ظل تصاعد القتال في السودان، وتحذيرات من تحوله إلى ملاذ جديد للجماعات المتطرفة.
وزير الخارجية العراقي شدد على أن بغداد ستقترح حلولًا عبر الحوار والمصالحة، مشيرًا إلى أن "استقرار السودان جزء من الأمن القومي العربي".
حزب العمال الكردستاني
في تطور بارز، أشار حسين إلى أن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه ونزع سلاحه هو تطور إيجابي، لكنه يتطلب تنسيقًا عميقًا بين العراق وتركيا، مشددًا على أن القمة ستناقش التعاون في هذا الملف، لأنه يرتبط بأمن المنطقة، وخصوصًا شمال العراق الذي كان مسرحًا لعمليات إرهابية مسلحة خلال السنوات الماضية.
بغداد تطلق جرس الإنذار
ويري مراقبون أن قمة بغداد ليست مجرد حدث سياسي في إطار العمل العربي، بل لحظة اختبار حقيقي لقدرة العرب على تجاوز خلافاتهم، ومواجهة العدو المشترك الذي يغير شكله كل مرة، مرة باسم "الاحتلال"، وأخرى باسم "الخلاف الطائفي"، وثالثة باسم "الإرهاب"، فمن بغداد، تنطلق دعوة إلى إعادة تعريف الأمن العربي بوصفه منظومة شاملة، أمن عسكري، أمني، غذائي، اقتصادي، واجتماعي. فإما أن تكون هذه القمة منصة فعل، أو مجرد عنوان عابر في سجل الخيبات.
جدير بالذكر أن اجتماع وزراء الخارجية العرب، انطلق الخميس 15 مايو ضمن تحضيرات القمة العربية الـ34، حيث بدأ الاجتماع بكلمة لوزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، الذي تحدث عن مخرجات القمة العربية التي عقدت في بلاده يوم 16 مايو/أيار 2024.
وسلّم الزياني رئاسة اجتماع وزراء الخارجية التحضيري لنظيره العراقي فؤاد حسين.
وألقى حسين كلمة بلاده، أكد فيها دعم العراق لاستقرار سوريا، وأن فلسطين "قضيتنا المركزية" مضيفا أن "العراق يجدد مواقفه السابقة ودعمه للشعب الفلسطيني بتحرير أرضه وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف".
وطالب الوزير العراقي بـ"السماح بإدخال المساعدات للشعب الفلسطيني وإعادة عمل منظمات الإغاثة".
بينما اعتبر أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط -في كلمته- أن "مخطط الاحتلال لا يعرف نهاية ليس في فلسطين فقط بل في سوريا ولبنان".